يوسف غزاوي: تحيّة حبّ للفنانة الاستثنائيّة الكبيرة إيفيت أشقر


كم سررتُ حين اطلعتُ من خلال إحدى الصحف اللبنانيّة عن الفنانة الكبيرة إيفيت أشقر التي يُمكن وصفها بالفنانة الأجمل بروحها وعطائها وعملها.

كنتُ أعتقد أنّها تعيش في أميركا بعيدًا من وطنها لبنان، إلّا أنّ ما حملته الصحيفة من خبر وجودها في لبنان في منطقة رومية (بالطبع ليس السجن لأنّها محرّرة الإنسان من أوجاعه وقيوده وبشاعاته) حيث تعيش عزلتها عن عمر بلغ الرابعة والتسعين. "تحيا في زاويتها، في محترفها، على نحو متقشّف وملتئم على الذات"، كما تقول صاحبة المقال في الصحيفة الناقدة ريما النخل. إيفيت أشقر صاحبة قلب كبير يتسع العالم. فنانة حسّاسة رقيقة، دمثة، راقية، محبّة، كثيفة المشاعر كلوحتها الغنائيّة. قبل سفري إلى فرنسا للدراسة زرتها في منزلها المطلّ على حديقة الصنائع، طالبًا منها النصح والمساعدة اللغويّة الفرنسيّة. لم تبخل عليّ. شرحت لي طبيعة الفرنسيّين، وكيف يُمكن التعامل معهم، ولا سيّما الطلاب منهم في كلّيّة الفنون في باريس. أعطتني دروسًا أوّليّة في اللغة الفرنسيّة التي كنتُ أعاني ضعفًا شديدًا بها. ولم يختلف عنها زوجها بهذا الأمر. كانت إيفيت أستاذتي في معهد الفنون الجميلة، قبل أن يتحوّل اسمه إلى كلّيّة الفنون الجميلة والعمارة. كانت الأستاذة الأرق والأرقى والألطف والأحب في الكلّية، إلى جانب أستاذين آخرين: فضل زيادة ومحمد عزيزة (مع حفظ الألقاب). لا أنسى منظرها وهي تحمل لوحتي الكبيرة، وهي قصيرة القامة، بمشهد سورياليّ كاريكاتوريّ، لتعرضها على طلاب الصفوف الأخرى ولا سيّما طلاب الثالثة والدبلوم (كنتُ حينها طالبًا في السنة الثانية)بسبب نجاح اللوحة ومحبّتها لها. من يفعلها من الأساتذة غيرها؟ لا أحد!

كان بعض الأساتذة لا يقومون بواجباتهم التعليميّة؛ حيث حضورهم مساوٍ لغيابهم؛ حضور جسديّ فقط! على عكس إيفيت المشجِّعة المعطاءة، الواثقة من نفسها، لا تخاف تخريج طلاب فنانين ينافسونها الساحة (كما كان يُفكّر البعض). زرتُها إحدى المرّات، وكانت منهمكة بالرسم على مجموعة تخطيطات بالحبر الصينيّ على أحجام صغيرة توسّطتها الفنانة كطفل صغير يلهو بلعبه. سألتني أيّها الأجمل، فأشرتُ إلى الجميع. أصرّت على معرفة الأفضل منها حسب رأيي. هو موقف محرج. بعد تأمل دقيق، وبناء على رغبتها، أشرتُ إلى واحدة منها، فقالت هي لك هديّة منّي. ما زلتُ أحتفظ بها بفرح وفخر منذ سبع وثلاثين سنة.

نعم يا إيفيت، الجميع أضحى وحيدًا، وفي قلوب الناس جروح من كلّ نوع، كما تقولين في المقابلة.

إيفيت أشقر قامة فنّيّة ناجحة محبّة معطاءة شفافة، حماها الله وأطال بعمرها.

أحبّك يا إيفيت طالما أنّ هناك نور في عينيّ وحياتي..



تعليقات: