المسيّرات تحتلّ سماء المفاوضات


دونيّة بعض المسؤولين لن تنفع العدو

ابراهيم الأمين


في زمن الوجود السوري في لبنان، كان أركان في الدولة يهمسون في مجالس خاصة، مع ديبلوماسيين أجانب، بأنهم لم يقصدوا ما أعلنوه من مواقف. وتشير وثائق «ويكيليكس» العائدة إلى الثمانينيات والتسعينيات إلى أن كثيرين كانوا يقولون، في جلسات النميمة مع السفراء والقناصل، إنهم مضطرون لمجاراة الحكم السوري في مواقفهم من الأزمات الكبرى. وما إن خرج الجيش السوري من لبنان، حتى خلع هؤلاء كل الأقنعة التي لبسوها وأطلقوا العنان لسموم وأحقاد ضد كل ما له صلة بسوريا، ووصل الأمر بمرضى مسيحيي 14 آذار إلى رفض النسب السوري لمار مارون نفسه.

اليوم، تستمر سردية جماعة أميركا وإسرائيل والسعودية بأن لبنان تحت الوصاية الإيرانية، وأن حزب الله يسيطر على قرار الدولة. لكن «يصادف» - والله أعلم - أن غالبية وازنة من المسؤولين تطلق تصريحات علنية تهدف إلى نيل رضا الأميركيين والأوروبيين والخليجيين، وهم أنفسهم، عندما يجتمعون بحزب الله، يعتذرون ويتذرّعون بأنهم اضطروا لإطلاق هذه المواقف لئلا يتعرضون، هم أو لبنان، لمزيد من الضغوط والعقوبات.

يدرك الجميع أن حزب الله قد يكون الأكثر واقعية بين القوى السياسية في لبنان، لا بل صار شديد الواقعية إلى درجة أثّرت في روح التغيير المفترض أن تسكنه طوال الوقت. فالحزب يعرف أن البلاد ليست تحت وصايته، ويعرف، أيضاً، أنه يملك حق الفيتو الذي يمنع آخرين من فرض وصايتهم على البلاد. ولذلك، فهو لم ولا ولن يمانع وصول مسؤولين إلى سدة الحكم من الذين يملكون صلات تفاعل وليس صلات تكاذب مع الغرب والخليج. ويسود اعتقاد قوي في عواصم ولدى قوى رئيسية في البلاد أن الحزب لم يخض الانتخابات النيابية الأخيرة بهدف الفوز بها، لأنه لا يريد أن يتحمّل مسؤولية إدارة الأزمة وحده. وهو يقبل بكل أنواع التعاون مع القوى اللبنانية، بما فيها تلك التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الخليج والغرب. ومن هذا المنطلق يقرّر موقفه بشأن رئاسة الحكومة وبعض الحقائب والمواقف من قضايا حساسة، بما فيها التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

لكن الحزب لا يكذب، على حلفائه الحقيقيين ولا على حلفائه الاضطراريين، عندما يتعلق الأمر بالصراع مع العدو الإسرائيلي. وهنا، يظهر التمايز الحقيقي، وهو ما نشهده منذ انطلاق المفاوضات غير المباشرة حول ملف ترسيم الحدود البحرية مع العدو بوساطة أميركية.

عندما أبلغ الحزب المسؤولين اللبنانيين أنه ملتزم قرار الحكومة حيال تحديد إطار الحقوق، بادر إلى إعلان تشكيل ملف حزبي خاص بالأمر، وسلّمه للنائب السابق نواف الموسوي المعروف بعمليته وخبرته في الشؤون الديبلوماسية والخارجية، والمعروف في الوقت نفسه بمواقفه غير القابلة لأي تفسير أو تأويل، والذي يعرف تاريخ الغرب والصهاينة مثلما يعرف تاريخ العرب ولبنان. وهو، حتى اللحظة، لم ينطق بأي كلمة حول ما يتابعه عن المفاوضات وعن التطورات المحيطة به لبنانياً وإقليمياً ودولياً وحتى إسرائيلياً.


حزب الله لا ينتظر المفاوض اللبناني لمعرفة ما يجري ولا يمكنه السكوت عند ملامسة الخطر

عملياً، قال الحزب إنه ليس طرفاً في لعبة التفاوض، وأعلن أنه يثق بما يلتزم به المسؤولون في الدولة حيال الثوابت التي تحفظ حقوق لبنان. وهو يدرك أن المفاوضات تحتاج إلى مناورات قد تجعل البعض يبدو متهاوناً، لكنه يدرك، أكثر، أن بين المسؤولين المشاركين في المفاوضات من مدنيين وغير مدنيين من لديه حسابات خاصة، سواء تتعلق بمراضاة الخارج خشية التعرض لعقوبات أميركية أو أوروبية، أو من يفترضون أنها فرصة لتسجيل نقاط في رصيد طموحاتهم السياسية لدى أهل القرار في الغرب. لذلك، يحرص الحزب على الاحتفاظ بحقه وقدرته على إجراء التواصل الضروري مع الجهات الداخلية والخارجية المتابعة للملف للوقوف على كل جوانب الرواية، وهو ما أتاح ويتيح له التثبت من كثير من الفصول التي تُروى بألف شكل في لبنان.

بالنسبة لحزب الله الأمر واضح: العدو، ومن خلفه الأميركيون، لا يريدون للبنان الاستفادة من حقوقه في البحر، ويفرضون كل أنواع العقوبات لمنع وصول الكهرباء، ولن يسمحوا للبنان بالحصول على ثروة تتيح له الخروج من أزمته الخانقة وتفتح الباب أمام معالجات لملفات كثيرة معقّدة.

كما يعرف الحزب نوايا العدو، بل يعرف أكثر عما يدور في أروقة القرار في المؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية في الكيان، وهو واثق بأن العدو سيقود أكبر مناورة لتحصيل الحقوق من طرف واحد وإجبار لبنان ليس على التنازل فقط، بل وعلى الخضوع لإملاءات الخارج بشأن طريقة استخراج النفط وطريقة التصرف بالعائدات. وهو، لذلك، لن يقف مكتوف الأيدي إزاء ما يحصل.

وفيما كانت الجهات الرسمية اللبنانية تنتظر عودة السفيرة الأميركية دوروثي شيا بالرد الإسرائيلي من واشنطن، كان حزب الله قد تلقى، عبر جهة خارجية، فحوى الموقف الإسرائيلي الذي يرفض عرض لبنان بمقايضة حقل كاريش بحقل قانا، رغم أن الأمر بقي ملتبساً في الرد الذي حملته السفيرة الأميركية وحاولت تلطيفه بالحديث عن تفهم وإيجابية إسرائيليين، وأن تل أبيب قبلت العودة إلى الناقورة. فيما الواقع أن الجميع يعرف أن الرد لم يلامس حدود المطالب اللبنانية.

وحتى لا يقع أحد في المحظور، وتنتقل كرة النار إلى الحضن اللبناني، بادرت المقاومة إلى عملية المسيّرات السبت الماضي. ويبدو أنها كانت قد قامت بأمور أخرى قبل ذلك، الأمر الذي فهمه العدو على أنه الرسالة الأوضح حول خلفية الموقف اللبناني، كما فهم الأميركيون الرسالة أيضاً وربطوها بما سمعوه من مراجع رئاسية لبنانية عن أن لبنان لا يمكنه الموافقة على أقل مما حمله الوسيط عاموس هوكشتين، وهو قاله الرئيس ميشال عون بوضوح للسفيرة الأميركية طالباً منها العودة برد واضح ومكتوب.

لكن حفلة التهويل التي قامت بها الولايات المتحدة وعواصم أوروبية وعربية ضد لبنان بعد العملية، لا تعكس بالضرورة حقيقة الموقف في تل أبيب أو حتى في واشنطن. ومرة أخرى، وقبل أن تطلق السفيرة الأميركية حملتها المجنونة لاستصدار مواقف تدين المقاومة، كان حزب الله يتلقى مساء السبت اتصالات من جهات أوروبية وأممية تنقل له ما قالت إنه «رسالة إسرائيلية»، مفادها أن عملية المسيّرات «تصعيد خطير قد يؤثر في المفاوضات، لكن إسرائيل تريد احتواء الموقف، ولا رغبة في التصعيد أو الحرب، بل تريد ضمان استمرار المفاوضات للوصول إلى حل».

هذه الرسالة ليست هي التي نقلت إلى المسؤولين، حتى ارتكب رئيس الحكومة، ومعه وزير الخارجية، الخطأ في البيان – الفضيحة الذي لم تكن تنقصه إلا عبارة إدانة المقاومة. علماً أن مشاركين في الاجتماع بين الرجلين سمعا أحدهما يقول إن العملية تخدم الموقف اللبناني وقد وافقه الآخر، لكنهما اتفقا على ضرورة إصدار البيان.

كثيرون شمتوا بحزب الله لأنه تلقى الطعنة ممن سماه لترؤس الحكومة الجديدة. ومع أن الشامتين يعرفون أن السياسة لا تدار على هذا النحو في لبنان، إلا أن الجميع فهم أن موقف الحزب حاسم ومطابق لموقف الرئيس عون: لا مجال لأن تستخرج إسرائيل الغاز قبل تثبيت حقوق لبنان ومباشرة لبنان في استخراج الغاز. ومن لم يفهم معنى الرسالة، ليسمع ما يقال في تل أبيب عن أن ما قامت به المقاومة ليس سوى طرق للباب، وأن ما لديها من إمكانات يتيح لها تنفيذ وعدها بمنع العدو من سرقة حقوق لبنان، حتى ولو ثار العالم كله ضد لبنان... وهي ليست المرة الأولى!



ميقاتي سمع «كلاماً قاسياً» بعد «بيانه المسيء إلى موقف لبنان» | آخر الرسائل الأميركية: ملتزمون التفاوض ولا نريد التصعيد

ميسم رزق ا

ردّ سلبي متوقّع سمعه الرئيس نجيب ميقاتي بعدما تصرف بطريقة غير مقبولة عبر إصدار موقف رسمي اعتبر إطلاق حزب الله ثلاث مسيّرات في اتجاه حقل «كاريش» أمراً «غير مقبول وخارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي لترسيم الحدود البحرية». وقد أبلغت جهات سياسية معنية رئيس الحكومة المكلف أن «ما قام به سيء جداً وغير مفهوم»، مؤكدة له أن «بإمكانه استخدام ورقة المقاومة لتقوية موقع لبنان في التفاوض، لكن ما قامَ به يضعه في خانة الخاسرين سلفاً». وعندما ردّ ميقاتي بأن «الموقف هو من باب المناورة السياسية مع الأميركيين»، قيل له إن «المناورات لها أسسها»!

موقف ميقاتي جاء بعد اجتماع مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على وقع حملة تهويل أميركية. وعلمت «الأخبار» أن الأميركيين أرادوا أن يصدر بيان الإدانة عن رئيس الجمهورية ميشال عون كونه «المرجع المسؤول عن المفاوضات». وعندما لم يكن لهم ما أرادوا، سلكوا ذلِك الطريق الأسهل… نجيب ميقاتي.

وعلى قدر السخط على ميقاتي أتى استهجان موقف وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي تماهى تماماً مع الأميركيين، علماً أن أطرافاً على خصومة واضحة مع الحزب تعاملت مع الموقف «بموضوعية» كما فعل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي اعتبر «المسيرات جزءاً من اللعبة والإسرائيلي يستبيح سماءنا يومياً». علماً أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لم يكن على علم بالبيان ولم يكن راضياً عنه. وهو ما بدا واضحاً في كلام باسيل أمس، عقب اجتماع للمجلس السياسي للتيار، عندما شدّد على أن «هذا هو الوقت المناسب للبنان ليقوم بحلول ديبلوماسية عادلة له، مع استخدام نقاط القوة، ونحن لسنا ضعفاء، وعلينا الاستفادة من كامل عناصر قوتنا للمحافظة على حقوقنا».

وعلى النقيض من كل التهويل الأميركي - الإسرائيلي العلني منذ أيام، علمت «الأخبار» أن «رسالة أميركية وصلت إلى بيروت مساء أمس تؤكّد أن الجانبين الأميركي والإسرائيلي لا يريدان التصعيد، وهما ملتزمان مسار التفاوض».


مسيّرات السبت الماضي لم تكُن العملية الأولى وسبقتها أخرى يوم الأربعاء

مصادر مطلعة أكّدت أن «المسيرّات التي أطلقت السبت الماضي لم تكُن العملية الأولى، بل سبقتها عملية أخرى يوم الأربعاء». وروت لـ«الأخبار» مسار الأحداث منذ الإعلان عن العملية، إذ «فقد الأميركيون صوابهم، وكثفوا اتصالاتهم للاستفسار عمّا جرى». وبحسب المصادر، «كان الجواب بأنهم لا ينبغي أن يُفاجأوا لأن لديهم علماً مسبقاً بالموقف المعلن للمقاومة التي أكدت أنها لن تسمح لإسرائيل باستخراج الغاز ما دامَ الاتفاق لم يُنجَز بعد». وأكّدت المصادر أن إطلاق المسيّرات جاء رداً على أمرين:

الأول، الجواب الذي نقلته السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى الرؤساء الثلاثة، والذي على عكس ما حاول البعض إشاعته عن أنه إيجابي ويحمِل تقدماً، رأى فيه حزب الله وعدد من المعنيين بالملف جواباً «شفهياً قابلاً لتأويلات وتفسيرات عدة»، فضلاً عن أن «الأجوبة التي أعطتها السفيرة الأميركية لم تكُن مطمئنة، ولا شيء فيها نهائياً، لا في ما يتعلق بالعودة إلى التفاوض ولا بالترسيم ولا باتفاق الإطار». وحتى في ما يتعلق بحقل قانا، «فقد قالت السفيرة إن إسرائيل لا تمانع أن يكون من حصة لبنان، لكنها تبدي ملاحظات وتعتبر أن الأمر بحاجة إلى تفاوض أكبر».

الثاني، هو محاولة الاستفزاز التي لجأت إليها «إسرائيل» بإضاءة «شعلة الغاز،» وهذه الخطوة تتمّ عادة للإشارة إلى بدء الاستخراج، لذا أتى الجواب بإطلاق المسيرات للتأكيد مرة أخرى على المعادلة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن التنقيب ممنوع في المنطقة المتنازع عليها قبل التوصل إلى اتفاق.

ومن الرسائل التي تصل إلى بيروت تِباعاً، إلى جانب دعوة لبنان إلى عدم التصعيد، التأكيد على أن «كل الكلام عن بدء استخراج الغاز ليسَ صحيحاً، وأن الأمر يحتاج إلى وقت إضافي حتى شهر أيلول المقبل، وهو وقت كاف لإنجاز الاتفاق». وهذا فعلياً، ما بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتسويقه عبر وزارة الطاقة، التي أعلنت أن «استخراج الغاز من المنصة الواقعة في المياه الاقتصادية الإسرائيلية سيبدأ في أيلول المقبل»، نقلاً عن وزيرة الطاقة كارين الهرار التي كانت تتفقد منصة التنقيب في «كاريش»، وحذرت حزب الله من أن «أي محاولة للاعتداء على المنصة سيلاقي رداً إسرائيلياً بمختلف الأدوات المتوافرة لدينا».

يشار إلى أن جهات أوروبية تولت أيضاً خلال اليومين الماضيين نقل رسائل تحث «على ضبط النفس»، وعن ضرورة انتظار نتائج زيارة رئيس حكومة العدو يائير لابيد لفرنسا واجتماعه مع الرئيس إيمانويل ماكرون، إذ تراهن إسرائيل على دور يلعبه ماكرون مع لبنان، ومع حزب الله على وجه الخصوص لتفادي التصعيد. لكن المصادر الفرنسية لم تجب عما تتوقعه باريس من تنازلات إسرائيلية تشجع لبنان على عدم التصرف بقلق إزاء ما تنوي إسرائيل القيام به.



خسائر في أسهم «إنرجين» بعد مسيّرات المقاومة

عبد الله قمح

انعكس ارتفاع النقاش داخل كيان العدو ربطاً بالمهمة التي أدّتها مسيّرات المقاومة الثلاث فوق حقل «كاريش»، السبت الماضي، تراجعاً فشي سعر سهم شركة «إنرجين» المالكة لحقوق الاستكشاف والتنقيب والاستخراج في «كاريش» وعدد من الحقول في المياه الفلسطينية المحتلة.

الاثنين الماضي، وهو أول يوم عمل غداة عملية «المسيّرات»، لوحظ أن أسهم الشركة في بورصتَي لندن وتل أبيب لم تتأثر بالحدث. إذ ارتفع سعر السهم في بورصة لندن بنسبة 3.4% وحافظ على نوع من الاستقرار طيلة النهار. وانعكس ذلك بصورة مماثلة على التداول في أسهم الشركة في بورصة تل أبيب فسجّل ارتفاعاً بنسبة 3%. ولكن، مع افتتاح التداول في بورصة لندن أمس، تراجع سعر السهم بنسبة 6.6%، ليسجل أدنى مستوى له منذ أيار الماضي. وفي بورصة تل أبيب، افتتح التداول بانخفاض حاد بلغ 5.1%، وما لبثت أن زادت وتيرته ليخسر سهم «إنرجين» ما حققه الاثنين، مسجلاً أسوأ فترة تداول منذ أيار الماضي.

تحسن الاثنين قبل تراجع الثلاثاء يعزوه خبراء ماليون إلى «عملية الدعم المزيف» للأسهم بعد «عملية المسيرات»، للإيحاء بالاستقرار وعدم التأثر بأحداث السبت. ومثل هذه العمليات يتولاها عادة طرف ثالث يعمل على شراء الأسهم للمحافظة على سعرها. ويبدو أن الأطراف المساهمة في «إنرجين» عمدت إلى هذه العملية للإيحاء بعدم تأثرها بمسيّرات المقاومة. غير أن تطور الأمور على نحو سلبي مع ارتفاع لغة النقاش داخل «إسرائيل» أثّرت في عملية الدعم وأنهت مفعولها، خصوصاً أن عملية المقاومة أدت إلى نشوء نوع من «عدم الثقة بالاستثمار» نتيجة ارتفاع المخاطر الأمنية. وفي العادة، تدفع أحداث من هذا النوع بالشركات إلى الانكفاء عن العمل في المناطق التي تشهد نزاعات تؤدي غالباً إلى ارتفاع كبير في قيمة عقود التأمين، وهو ما يبدو أن الشركة واجهته عقب إطلاق المسيّرات، رغم لجوئها خلال الساعات الماضية إلى إجراءات «علاجية» لزيادة منسوب الثقة، كإعلانها أن ما جرى لم يؤثر في عملها أو على فريق العمل على متنها، مشدّدة على ثقتها بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

التراجع في قيمة أسهم الشركة أمس لا يمكن عزله عن قرار الرئيس التنفيذي لـ«إنرجين» ماثيوس ريغاس، نهاية الشهر الماضي، بيع 2.8% من حصته في الشركة بسعر يقلّ بنحو 5.6% عن أسعار السوق، ما أثار شكوكاً حول أسباب لجوء ريغاس إلى هذه الصفقة الخاسرة نسبياً، وهل ثمة خلفيات أو مخاطر أمنية تدفعه للحد من مستوى استثماره في الشركة، أم أن للخطوة غايات أخرى لها صلة بتعزيز حضور الشركات الإسرائيلية في «إنرجين» على حساب غيرها من الشركات، وبالتالي تعزيز حضورها في بورصة تل أبيب.



رعونة لبنانيين تحيي آمال إسرائيل بالتسويف: الحدود البحرية تنتظر الحلول... والمواجهات

يحيى دبوق

لبنان وإسرائيل أمام اختبار صعب ومحفوف بالمخاطر، تتعاظم تهديداته مع مرور الوقت الذي لا يبدو أن الجانبين يملكان الكثير منه، ما يطرح جملة تساؤلات حول المآلات: تسوية أم مواجهة؟

لا يمكن تقدير اتجاهات الأمور في النزاع البحري مع العدو وغلبة فرضية على أخرى. إذ ترتبط الإجابات بعوامل عدة، أهمها القرار الإسرائيلي بالرد على إعلان حزب الله نياته العملانية - عبر عملية المسيّرات - في حال لم يستعد لبنان حقوقه البحرية. إذ يتضح من «العرض» اللبناني على العدو، عبر «الوسيط» الأميركي، انه إلى جانب الحق في الحد البحري، فإن المطلب الأساسي هو رفع الفيتو عن الشركات الدولية لتبدأ التنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية، وفق التزاماتها.

هو سباق بين اتجاهين يقودان، بشكل أو آخر، إلى النتيجة نفسها أو ما يقرب منها: حلول وتسويات، وإن كانت التسوية التي تريدها إسرائيل، الآن، لا تصل إلى أدنى الحقوق اللبنانية. ويتعلق الخلاف بالفترة الوسيطة التي تفصل الجانبين عن كيفية الوصول إلى النتيجة النهائية: حلّ بعد تعقّل وإرجاع الحق اللبناني، أم حل بعد مواجهة، بهذا القدر أو ذاك؟


والحديث هنا لا يتعلق بإطلاق تهديدات، بل بتوصيف واقع واستعراض تقديرات مبنية على مقدّمات تبدو متينة ومتماسكة.

بالطبع، لن تتراجع إسرائيل عن محاولة «بلع» ما أمكن من الحق اللبناني، ومواصلة تمييع الوقت وتقطيعه، وهي ستلجأ إلى أي خيار بديل عن الخيارات العسكرية المتطرفة التي من شأنها جرّ ردود عسكرية مقابلة، وربما مواجهة، حتى وإن كان الطرفان لا يريدانها. لكن، ما هي هذه البدائل؟

إلى أن تصل «إسرائيل» إلى الحد الذي عليها أن تختار فيه بين المواجهة العسكرية أو الحل الديبلوماسي الفعلي، غير المميّع كما يحصل حتى الآن، فإن في حوزتها مروحة من الخيارات، مع رهانات على هذا المستوى أو ذاك، ومنها:

- إطلاق التهديدات التي تمتهنها في العادة لفرض ما تريده. وهذه من الصفات اللصيقة بالكيان القائم على اغتصاب حقوق الآخرين، وإن جاءت التهديدات هذه المرة مع عبارات ذات صدى كلامي مغاير، إلا أنها تهدف، كما التهديدات السابقة، إلى التأثير في وعي اللبنانيين عبر «النقر» على آلامهم وهمومهم التي تسبّبت بها هي وحلفاؤها. وهذه التهديدات هي لازمة أي خيار إسرائيلي تعتمده تل أبيب للمرحلة الآنية والوسيطة اللاحقة، من دون المواجهة العسكرية، قبل أن تصل إلى الاستحقاق الفعلي، وإن عملت على إبعاده (الاستحقاق) ما أمكنها ذلك.

- إعادة إحياء رواية أن حزب الله يعمل على تعطيل العملية التفاوضية وإمكانية تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية الحادة عبر منع الحكومة اللبنانية من التوصل إلى «اتفاق» مع الجانب الإسرائيلي. وهو اتفاق ما كان أحد ليفكر في احتمال التوصل إليه لولا وجود حزب الله وسلاح المقاومة. وهذه الرواية التي تهدف إلى قلب الحقائق والتحريض على المقاومة، بدأت تنتشر في الإعلام العبري قبل عملية المسيّرات، وتستمر بقوة بعدها، وتجد، كما هو تقدير العدو، صداها على ألسنة لبنانيين يتماهون تلقائياً مع أي روايات كهذه، طالما أنها تتهم المقاومة بسوء، بعيداً من أي مصلحة لبنانية.


خطوة المسيّرات لا تنهي خطوات ما بعدها مع استمرار التسويف الإسرائيلي

- من بين الخيارات، وهو ما بدأ بالفعل، تجنيد العواصم الغربية للوقوف إلى جانب «إسرائيل» ضد لبنان، وتشغيلها ساعي بريد لنقل تهديداتها إلى الجانب اللبناني، للمساعدة في التحريض ضد المقاومة. وتلتقي «إسرائيل» والغرب، وفي المقدمة أميركا، في ذلك مع بوتقة لبنانيين، من بينهم مسؤولون في المؤسسة السياسية في لبنان. علماً أن تل أبيب لا تحتاج إلى جهد كبير لتجد في العواصم الغربية سعاة بريد غب الطلب.

كان واضحاً كلام رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، من على سلم الطائرة التي أقلته إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأنه «إذا لم تكبح الحكومة اللبنانية حزب الله فستضطر إسرائيل إلى القيام بذلك». وهذا ليس مجرد تهديد عابر، وهو لا يعني بالضرورة - بل لا يعني على الأرجح - أن إسرائيل قررت «كبح» حزب الله ما لم يقم لبنان الرسمي بذلك. إذ من الواضح جداً أن المطلبين غير واقعيين. لكن كلام لابيد هو إشارة دالّة، وقوية جداً، على رهان أعيد إحياؤه في تل أبيب، نتيجة «رعونة» سياسيين في لبنان، أطلقوا تصريحات انتقدت عملية المسيّرات.

توجد مسؤولية تاريخية للموقف الرسمي والشعبي في لبنان. المواقف التي تصدر في هذا البلد، من شأنها أن تغذي تقديرات - وربما أيضاً أوهاماً - لدى العدو، وتجعله يراهن على تحصيل نتائج في حال تصلّب في مواقفه. وصورة الانقسام في لبنان تحفّز العدو على مزيد من التصلب، بغضّ النظر عن حقيقة الانقسام الفعلي ومداه ومستواه وتأثيره في قرارات حزب الله، بوصفه مقاومة.

الرهان الإسرائيلي يزيد، ربطاً بمواقف لبنانية لا يمكن وصفها بالبريئة، ما يدفع أكثر إلى مزيد من التحريض: حصار المقاومة والضغط عليها، سياسياً وشعبياً، مع تأثيرات سلبية في المفاوض اللبناني، وعرقلة تحصيل الحقوق.

في المقابل، وفي حال لمست إسرائيل التفاف اللبنانيين، وإن مع الخلاف في المسار التفاوضي، على الاستفادة من منابع القوة من دون الإضرار بها، ولو في الحد الأدنى، فإن ذلك يزيد من إيجابية النتائج ويقلّص سلبياتها.

ما زالت الأمور في بداياتها. وخطوة المسيّرات لا تنهي خطوات ما بعدها، خصوصاً مع التسويف الإسرائيلي ومحاولة «التشاطر» لكسب الوقت.

سيكون اللبنانيون على موعد، في الأيام المقبلة، مع تهديدات تقليدية وغير تقليدية، وربما منفلتة، في مواقف وتصريحات المسؤولين والكتبة في إسرائيل، وستتضمن استعراض عضلات عن قدرات «لا يمكن تخيّلها» قادرة على إلحاق الضرر المادي والبشري بلبنان. لكن، في المقابل، يمكن القول، مع اطمئنان معقول، أن لدى الجانب اللبناني أيضاً قدرات يمكن تخيّلها، وهي، وفقاً لحسابات وتقديرات مرجحة، قادرة على إلحاق الضرر المادي والبشري بإسرائيل. والمعادلة هنا ليست معادلة من يتسبب بضرر أكبر للآخر لينهي المنازلة بانتصار، وإلا لكنا نرتقب حرب لبنان «السابعة» وليس «الثالثة».

آخر الرسائل الأميركية: ملتزمون التفاوض ولا نريد التصعيد
آخر الرسائل الأميركية: ملتزمون التفاوض ولا نريد التصعيد


رعونة لبنانيين تحيي آمال إسرائيل بالتسويف
رعونة لبنانيين تحيي آمال إسرائيل بالتسويف


تعليقات: