مزرعة ربّ ثلاثين «منارتها» بين القرى

فاطمة فقيه في «مزرعتها»«
فاطمة فقيه في «مزرعتها»«


ربّ ثلاثين» بلدة صغيرة في قضاء مرجعيون، ومدخلها الرئيسي عبارة عن زاروب متفرّع من الشارع الرئيسي لبلدة العديسة. رغم ذلك يقصدها الأهالي من قرى كفركلا والعديسة ومركبا وحولا وطلوسة وبني حيان وميس الجبل، لشراء اللبن والحليب من مزرعتها. الطريق سهلة إلى المزرعة، يدلّك إليها أوّل شخص قد تلتقيه «تابع صعوداً ثم اتّجه شمالاً». بعدها لن تحتاج إلى سؤال، حتى إن لم تجد مزرعة أمامك بل بيتاً متواضعاً تحيط به مساحات صغيرة تتوزّع فيها الأبقار والماعز بالعشرات.

إلى اليسار تجد شاباً يحلب الماعز، وإلى اليمين غرفتين غير مورّقتين تحضنان العدد الأكبر من الأبقار كما آلة الحلب و«المعالف». غير بعيد عن الغرفتين بيت السيد محمود هاشم وزوجته فاطمة فقيه. تطلّ الأخيرة من باب الغرفة الأرضية للمنزل، حيث يوجد ملصق لمنظمة «الفاو» يعلن عن منح تقدّم للمزارعين استفادت منها فاطمة خلال سنيّ عملها بـ«غلاية» للحليب وبقرة. تعتذر من الزبونة «لم يعد لديّ لبن اليوم، لكن يوجد حليب مغليّ جاهز للترويب» ثم تدخل مجدداً إلى الغرفة حيث صفّت سطولاً من اللبن ستنقلها إلى دكان في العديسة، وتأكدت من نظافة «الغلاية» التي ستعود لاستخدامها مساءً.

تبدأ فاطمة عملها، بمساعدة ابنها البكر، عند الساعة السادسة صباحاً. يطعمان الأبقار والماعز والعجول، يحلبان بعضها قبل أن تتوجه إلى «معملها» حيث تصفّي الحليب وتغليه تمهيداً لترويبه وبيعه سواء إلى دكاكين القرى المجاورة أو من يقصدها إلى المنزل. وتيرة العمل نفسها تتكرر مساءً، فيما تتولى ابنتاها مسؤولية أعمال المنزل.

عمل منهك، كانت تقوم به فاطمة وحدها قبل أن تكبر عائلتها. في السابق كان يمكنها أن تقول إنه منهك لكنه مربح، أما اليوم «فنحن في عجز دائم». السبب لا يقتصر على الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي قضت على نصف الأبقار وأجبرت زوجها على بيع النصف الثاني إلى الجزارين بعدما «راحوا للكسر»، ما دفعهما إلى البدء من جديد، هناك الغلاء أيضاً الذي طال كلّ شيء. تتذكر فاطمة أن سعر طن العلف كان، قبل التحرير في عام 2000، 140 ألفاً ووصل اليوم إلى 700 ألف، وارتفع سعر قنطار التبن من 15 ألفاً إلى 120 دولاراً من دون أن يرتفع سعر سطل الحليب كثيراً، متسائلة عن دور وزارة الزراعة في هذا الإطار.

رغم ذلك تستمرّ فاطمة في عملها، من دون أن تتوقع تحقيق إنجازات كالتي حققتها خلال العقدين الماضيين مع زوجها. فقد انطلقا بهذا العمل شابين صغيرين، تحت الاحتلال، من منزلهما الزوجي الذي كان عبارة عن غرفة صغيرة ومطبخ وحمام. وكانت البداية مع شراء بقرة بالدين وبيعها، جمعا «القرش فوق القرش» لينتهى الأمر بملكية 45 بقرة تنتج نحو 40 سطلاً من الحليب يومياً «لا تُربح». لكن العائلة لن توقف هذا العمل فهو سلاحها «في انتظار ظروف أفضل» تقول وهي تدلّنا إلى معالف أخرى للأبقار وتعبّر عن أمنيتها بتحسين «المزرعة».

تعليقات: