قانون الرفق بالحيوان حبر على ورق: الكلاب الشاردة تغزو الشوارع

قانون الرفق بالحيوان حبر على ورق: الكلاب الشاردة تغزو الشوارع
قانون الرفق بالحيوان حبر على ورق: الكلاب الشاردة تغزو الشوارع


لا يكاد يمرّ يوم من دون سماع خبر عن التعرّض لعضة كلب، أو إطلاق نار على كلب. بينهما ترتفع الأصوات، بين من يطالب بالتخلّص من هذا «الحيوان المؤذي»، خصوصاً في ظلّ ندرة الأدوية المضادة لداء السعار (الكَلَب)، وبين من يدين مطلقي النار ويقذفهم بأبشع الاتهامات. لكن ماذا لو طُرح الموضوع من باب تطبيق قانون الرفق بالحيوان الذي صدر عام 2017؟

مع تفاقم الأزمة الاقتصاديّة، تكاثرت الكلاب في مختلف المدن والقرى اللبنانية، ولا سيما في الساحات العامة، وعلى الطرقات وقرب مكبّات النفايات، وصارت تقترب أكثر من البيوت بحثاً عن الطعام وحتى الدفء. غالبيتها كلاب منزلية أليفة على ما يؤكد المتابعون، والسبب تخلي الكثيرين عن كلابهم لعدم القدرة على تأمين حاجاتها من مأكل ولقاحات. ومن بين الأسباب التي أدّت إلى تواجدها في الأسواق، واقترابها من البيوت، هو توقف الناس عن إطعامها مثلما كانوا يفعلون قبل الأزمة، إذ كانوا يهتمون بها ويضعون لها الطعام في أماكن محدّدة. تكاثر الكلاب بهذا الشكل، وتعدّد حالات العضّ التي يتعرّض لها المواطنون في مختلف المناطق، كل ذلك أثار خشية الكثيرين الذين طالبوا بحلول، فيما اعتمد البعض الحلّ «الأسهل» وهو التخلّص منها بقتلها!


ارتفاع مخيف في الأعداد

تؤكد الناشطة في حماية الحيوانات غنى نحفاوي أن عدد الكلاب الشاردة «قفز من نحو 20 ألف كلب عام 2019 إلى نحو 50 ألفاً هذا العام». رقم مخيف، تقول نحفاوي محذّرة «قريباً سنراها بين الإجرين».

لكنّ الأرض لا تنبت كلاباً، ولا السماء تمطر قططاً، «السبب الحقيقي خلف تكاثرهم، هو عدم تطبيق قانون الرفق بالحيوان الذي يضع أصولاً للبيع وللاقتناء ولتربية الحيوانات، ويحدد المسؤوليات الفردية ومسؤوليات البلديات والوزارات المعنية في تنظيم هذا الملف».

ترى نحفاوي أنّ «الحدّ من تكاثر الكلاب لا يكون باعتماد النفس الإجرامي الذي لا يحلّ المشكلة بأي حال، إنما بتطبيق القانون، لأنّه لو طُبّق لما وصلنا إلى هذا الواقع المأساوي اليوم». وتوضح أنّ «البلديات ووزارة الداخلية لم تلتزما بالقانون الذي يفرض على البلديات تأمين المأوى، وعلى الداخلية مراقبة محالّ بيع الحيوانات ومعاقبة المخالفين، ولذلك نسمع يومياً عن انتهاكات كبيرة بحق الكائنات البريئة من تعذيب وضرب وقتل، سواء عبر التسميم أو إطلاق النار عليها».

وتشرح نحفاوي ما هو المطلوب من مختلف الأطراف، وفق القانون، لمعالجة واقع الكلاب الشاردة «تؤمن كلّ بلدية وقضاء أرضاً من أراضي المشاع لإيواء هذه الكلاب، بعد جمعها وخصيها للحدّ من تكاثرها، وتلقيحها، بالتعاون مع وزارة الزراعة وجمعيات إنقاذ الحيوانات المرخّصة، بالإضافة إلى إغلاق حنفيات محالّ بيع الحيوانات غير المرخّصة التي تفاقم المشكلة، وتغريم كلّ من يتخلى عن الحيوان الذي كان يؤويه»، ولمعرفة صاحب الكلب «يمكن وضع شريحة له عند شرائه للحدّ من فوضى الشراء».


النقابة تتطوّع للتلقيح

وقد أبدت نقابة الأطباء البيطريين في لبنان استعدادها للمساعدة في حلّ هذه المشكلة، من خلال «إجراء عمليات تعقيم للإناث وخصي للذكور، بسعر الكلفة» على ما يؤكد النقيب إيهاب شعبان في حديث لـ«الأخبار». على أن هذا الأمر يجب أن يتمّ «بالتنسيق مع البلديات كافة ولا سيما تلك التي تكثر فيها الكلاب الشاردة، وهذا يكون في أن تقوم كلّ بلدية بتأمين أرض للتأكد من أن كلّ الكلاب تلقّت اللقاح وتُجرى العمليات في الوقت نفسه، ودائماً بالتعاون مع الجميعات التي تتكفل بإطعامها والاهتمام بها».

ويدعو شعبان إلى «عدم التصرّف بطريقة غير حضارية وغير سليمة وغير مجدية مع هذه الحيوانات، فهي غير مؤذية وتهاجم فقط من يعتدي عليها أو من يقترب منها من دون معرفة، كما أنها تشكل خط الدفاع الأول عن الإنسان. فالكلاب هي أوّل من يتعرّض للهجوم». أما بالنسبة إلى عضّة الكلاب المريضة بالسعار، المعروف بالكلَب، «فيمكن الاحتماء منها من خلال تلقيح الكلاب مسبقاً».


قفز عدد الكلاب الشاردة من 20 ألف كلب عام 2019 إلى نحو 50 ألفاً هذا العام

ولكن، في ظلّ عدم وجود معلومات عن الكلاب الملقّحة، «يتوجب على من تعرض لعضّة اتخاذ الإجراءات الوقائية، حتى لو لم يكن الكلب مصاباً بالسعار، بما أنّه لا يمكن الجزم بأنّ كلّ الكلاب الشاردة تحمل مرض الكَلَب المعدي».

وفي هذا الإطار، يلفت وزير الزراعة عباس الحاج الحسن إلى أن «الجهات المانحة أمّنت للبنان لقاحات لتطعيم الكلاب الشاردة من السعار، وستُوزّع في المناطق إما بالأكل أو بالإبر». وأشار إلى «تشكيل لجنة بالتعاون مع نقابة البيطريين لمعالجة هذا الملف وتناول الطرق التي يمكن أن تساعد فيها هذه الجهات في حل هذه المشكلة».


بعلبك وطرابلس تبادران

وكانت بلدية بعلبك قد بادرت إلى تقديم قطعة أرض لمعالجة المشكلة، بعدما شهدت المدينة تكاثر أعداد الكلاب في شوارعها وارتفعت فيها الدعوات لاعتماد القتل الرحيم. غير أن جميعات حقوق الحيوان استنفرت ضد هذا الإجراء اللاإنساني واللاقانوني «والذي لن يحلّ المشكلة إلا وقتياً». فكان الحلّ باتفاق البلدية ومحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر على تأمين مأوى لها بالتعاون مع جمعية تُعنى بالرفق بالحيوانات، «وبالفعل قدّمنا قطعة أرض على أطراف المدينة بانتظار التمويل لتجهيز المأوى وسقفه وتأمين الأكل والمياه للحيوانات بعد تلقيحها وخصيها للحدّ من تكاثرها» يقول رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق، لافتاً إلى أنه «تم الاتفاق على أن يعمد مندوب من البلدية لجمع فضلات الطعام من المطاعم لتنقل إلى المأوى».

وفي طرابلس أيضاً الأمور على حالها، رغم أن البلدية قدّمت بدورها أرضاً محايدة بعيداً عن السكن، «بعدما لم يعد مقبولاً حلّ مشكلة تكاثر الحيوانات الشاردة بالطرق التقليدية، أي السم والطلق الناري، لكن منذ 3 سنوات تأتي الجمعيات وتذهب من دون المضي في تأمين المأوى رغم ازدياد الأعداد ولا سيما في السنتين الأخيرتين» يقول رياض يمق، رئيس بلدية طرابلس السابق مؤكداً أن البلدية غير قادرة على تأمين التمويل. وفي حين يطمئن يمق إلى أنّ غالبية الكلاب منزلية متواجدة بين الناس، ويجري تأمين الطعام لها «لكن اختلاط بعضها مع كلاب برّية قد يشكل خطراً».



التخلّي عن الحيوانات الأليفة: أكلاف الرعاية تضاعفت

رحيل دندش


لم تنجُ الحيوانات الأليفة، التي تربّت في البيوت، من تداعيات الأزمة الاقتصادية. لا أرقام دقيقة عن عدد الحيوانات البيتية المسرّحة في الشوارع، لكن تشير التقديرات إلى أن أربعة إلى خمسة حيوانات أليفة، من قطط وكلاب، يتخلى عنها أصحابها يومياً بسبب ارتفاع أكلاف الرعاية الغذائية والبيطرية، إما يحملونها إلى الأحراج ويتركونها هناك، أو يفتحون لها باب البيت لتخرج.

المشكلة أن هذه الحيوانات تربّت في البيوت، ولا تجيد العيش خارج بيئتها المعتادة لئلا تصبح عرضة لأنواع مختلفة من المعاناة، من الصدم والدهس وهجوم الحيوانات المفترسة وسوء التغذية. ولأنها أليفة وخائفة، فهي غالباً ما تتبع الإنسان الذي يرتاب منها ويخشى أن تكون عدائية فيبادر إما إلى تعنيفها، أو قتلها.

تتحدّث لينا فرحات، ناشطة في مجال إنقاذ الحيوانات عن أكلاف كبيرة ترتّبها تربية حيوان أليف في ظلّ تأزّم الأحوال الاقتصادية. «في السابق كانت كلفة كيس طعام للكلاب، زنة 20 كيلو، تصل إلى 30 ألف ليرة، أما اليوم فصار أرخص كيس بـ500 ألف. هذا دون الحديث عن اللقاحات السنوية والموسمية التي تُراوح أسعارها بين 400 و600 ألف ليرة، فضلاً عن دواء الدود والبراغيث الذي يصل سعره إلى نحو 150 ألف ليرة، ويختلف السعر حسب نوع البضاعة ومكان استيرادها. التكلفة نفسها تقريباً للقطط».

لا يقتصر ارتفاع الكلفة على الطعام الجاهز، فحتى بقايا الدجاج التي كانت تجمعها وفاء، إحدى الناشطات في حماية الحيوانات في الجنوب، من المسالخ مجاناً لتسلقها وتطعمها للكلاب «صار الفقراء يشترونها من اللحام ويصنعون منها مرق الطعام، فتوقف عن إمدادي بها».


الحيوان ليس للتشاوف

ترفض غنى نحفاوي الناشطة في إنقاذ الحيوانات رمي الحيوانات في الشارع تحت أيّ ذريعة لأن هذا يعرّضها للإعدام البطيء، «من يقتنِ حيواناً عليه أن يبقي هذه الروح معه في السرّاء والضرّاء، فهل يتخلى الإنسان عن ابنه في أوقات الضيق!» بالنسبة إلى غنى «ليس من الضروري شراء طعام جاهز، إنما يمكن إطعام الحيوانات من المنزل شرط أن يكون الطعام من دون بهارات أو سكر أو بصل، ويمكن في حال الشك أن الطعام قد يؤذي الحيوان، التأكد من الأمر عبر غوغل».

وترى غنى أن أكثر فئة تستغني عن الحيوانات هي التي اقتنتها بهدف التشاوف أو «البرستيج»، أو لأن «ابنها طلب كلباً أو قطة هدية في عيد ميلاده ثم اكتشف أن الحيوان بحاجة إلى رعاية واهتمام».

لا تنكر غنى أن ثمة أكلافاً أخرى باهظة غير الطعام واللقاحات الدورية يلمسها الناشطون مثل تعرّض حيوان للمرض أو الكسر ولا سيما مع تراجع التبرّعات. «كنا قبل الأزمة نطلب مساعدة لمعالجة حيوان متضرّر فيتبرع 100 شخص، الآن تصلنا أوراق الـ50 ألف ليرة و100 ألف التي لا تكفي لمعالجة حيوان من كسر لأن كلفة هذ العملية قد تتجاوز الـ100 دولار».


مقابل كلّ خمسة كلاب مسرّحة بالكاد نجد «متبنياً» واحداً

كما تشير غنى إلى قلّة عدد الأشخاص الراغبين بالاقتناء «مقابل كلّ خمسة كلاب مسرّحة، بالكاد نجد آوياً واحد!». لكن ماذا عن الجمعيات المعنية بالحيوانات؟ تلفت غنى إلى تبدّل دور الجمعيات من التوعية والإيواء والسعي من أجل إصدار مراسيم لقانون الرفق بالحيوان الذي صدر عام 2017، إلى إنقاذ الحيوانات المدهوسة على الطرقات، لافتة إلى أن «الجمعيات غير قادرة على إيواء الحيوانات السليمة، هي بالكاد تغطي كلفة معالجة الحيوانات المتضرّرة نظراً إلى تراجع التبرّعات وتضييق المصارف على الجمعيات ووضعها حداً للسحوبات».

تسمّم غذائي وكسور

حتى الحيوانات التي بقيت في البيوت تغيّرت ظروفها. يؤكد الطبيب البيطري نضال حسن، أن غالبية الحالات العيادية التي عاينها هي لحيوانات مصابة بالتسمّم الغذائي نتيجة تبدّل نوع الطعام واستبداله بأنواع رخيصة، بالإضافة إلى زيادة نسبة إصابات الكسور نتيجة التسريح. ويلفت حسن إلى ارتفاع أكلاف المعدّات التي يستخدمها كلّها، من البنج إلى الدواء إلى البلاك والبراغي، والأخيرة هي نفسها تُستخدم للإنسان، ولذلك فالأولوية للإنسان بالنسبة إلى المستوردين، بالتالي يضطر الأطباء البيطريون لشرائها من السوق السوداء بنحو أربعة أضعاف سعرها. مؤكداً أن الطبيب البيطري لم يعد يحقق أرباحاً كالسابق، «كل همّنا اليوم بات ألا نخسر ونقفل نهائياً».


الضبط القانوني

تبقى الإشارة ضرورية إلى من يتسبّب باستدامة المشكلة ويفاقمها وهم تجار هذه الحيوانات، إذ يعيش هذا القطاع من دون أي ملاحقة قانونية. فبحسب لينا فرحات «يجب أن تُسنّ قوانين صارمة ضد حفلات «تزويج» الكلاب التي تتمّ فوق السطوح وفي الكاراجات والمزارع الخاصة بهدف بيع الجراء، أو بالحدّ الأدنى أن تتم مراقبتها للكفّ عن المتاجرة بأرواح الحيوانات في ظروف غير لائقة ورحيمة». كما دعت إلى «إغلاق محالّ بيع الحيوانات التي تفتقد إلى أدنى معايير الإيواء السليمة، وضرورة زرع رقائق إلكترونية تعريفية بواسطة طبيب بيطري في الحيوانات المعدّة للبيع تحمل اسم صاحب الحيوان وسجلّاً باللقاحات التي تلقّاها، ما يتيح الوصول إلى صاحبه بعد التخلي عنه».



الطبّ البيطريّ: أطبّاء من الدرجة الثانية!؟

لؤي فلحة


يضحك طوني طويلاً حين يستقبله البعض بعبارة «أهلا حكيمنا». يردّ مصحّحاً وساخراً: «حاشا قيمتكم يا جماعة، أنا طبيب بيطري». اعتاد طوني مصادفة بعض المواقف الغريبة أثناء عمله، مثلما اعتاد سؤالاً لازمه منذ بدء تخصّصه: لماذا اختيار الطب البيطري؟ الشغف بعالم الحيوانات ودراسة حال السوق كانا سببين كافيين لإقناعه بسلوك درب الطب البيطري كما يقول. تشجيع الوالدين، قوبل برفض وصل إلى حد الاستهزاء من قبل بعض المقرّبين، «شو بدك بهالشغلة، روح إدرس طب عادي أحسنلك مادياً ومعنوياً»، جملة تكررت كثيراً على مسامعه من دون أن تردعه عن إكمال دراسته.

لا تختلف عيادة طوني البيطرية كثيراً عن غيرها من العيادات البشرية. في غرفة الاستقبال سكريتيرة تسجّل المواعيد، وتؤجل بعضها لانشغال الطبيب بمواعيد عديدة، وزوّار ينتظرون أدوارهم برفقة حيواناتهم. في الغرفة الرئيسية سرير طبي (شاريو) محاط بأجهزة طبية متطوّرة، وخزائن مليئة بالأدوية الحيوانية. يؤكد طوني أن تزايد ظاهرة اقتناء الحيوانات الأليفة داخل المنازل، وتحديداً في السنوات الأخيرة التي سبقت الأزمة، انعكس إيجاباً على الطب البيطري، ولا سيّما مع تضاعف الحالات والمراجعات التي تتفاوت بين فحوص روتينية وحالات طارئة.


حماية البشر أيضاً

بعد دراسته عامين في كلية إدارة الأعمال، لم يجد مارك نفسه في عالم الأرقام والحسابات. تعلّقه بالحيوانات منذ صغره، دفعه إلى هجر كليته وحزم حقائبه نحو أوكرانيا للتخصّص في الطبّ البيطري. يستعيد مارك ذكريات دراسته الصعبة، جازماً أن دراسة الطب البيطري التي تستغرق 6 أعوام أصعب من الطب العادي، فإذا كان الطبّ البشري يدرس جسماً واحداً، فإن الطب البيطري يقوم على دراسة أربعة أجسام مختلفة، علاج الأبقار مثلاً يختلف عن علاج الكلاب، لكل حيوان علاج خاص به وهنا تكمن الصعوبة.

لا ينكر الطبيب البيطري مارك النظرة الخاطئة لدى البعض تجاه مهنته، نظرة ترى في الطب البيطري مهنة هامشية تقلّ أهمية عن الطب البشري، على الرغم من الدور الكبير الذي يؤديه الطب البيطري، ليس في حماية الحيوانات فقط، مع أهمية هذا الأمر طبعاً، بل في منع انتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر، ولا سيما مع وجود ثلاثمئة مرض تنتقل عبر الحيوانات. لكنّ هذا التصنيف الخاطئ قد لا يعني كثيراً للأطباء البيطريين، طالما أن أعمالهم تسير بوتيرة جيدة. وفي هذا الإطار، يؤكد مارك أن العيادة البيطرية يمكن أن تؤمّن مردوداً محترماً إذا ما تواجدت في منطقة مناسبة، مضيفاً أن مجالات عمل الطب البيطري واسعة ولا تقتصر على العيادات البيطرية فقط، بل تشمل مزارع المواشي والدواجن والأسماك وأندية الخيول والمسالخ وغيرها.


تطبيق القانون الجديد

من جهته يذكر نقيب الأطباء البيطريين الدكتور إيهاب شعبان أن النقابة تضم نحو 400 طبيب بيطري، أما الانتساب إلى النقابة التي تأسّست عام 1995، فهو شرط إلزامي لمزاولة المهنة كما هي الحال في نقابة المحامين والمهندسين والأطباء. قلة عدد الأطباء البيطريين تعود إلى ضعف الثروة الحيوانية في لبنان، وإلى عدم وجود اختصاص الطب البيطري في الجامعات باستثناء الجامعة اللبنانية، التي أنشأت قبل سنوات قليلة قسماً للطب البيطري ضمن كلية الزراعة.


ارتفاع أسعار أدوية الحيوانات يدفع بعض الأطباء إلى طلب علاج بدواء بشري

الأزمة الاقتصادية أرخت بثقلها على قطاع الطب البيطري، إذ يعدّد شعبان عدداً من الصعوبات التي تواجههم، وأبرزها ارتفاع ثمن الأدوية الحيوانية، ما يفرض عليهم معالجة العديد من الحيوانات بأدوية بشرية! غير أن الحصول على هذه الأدوية ليس بالأمر السهل، فإضافة إلى فقدانها، ترفض الصيدليات الاعتراف بالوصفات الطبية التي يصدرها الأطباء البيطريون. كذلك يعاني الأطباء من تراجع حركة أعمالهم في الآونة الأخيرة، نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية، فالعديد من العائلات تخلّت عن حيواناتها الأليفة نتيجة ارتفاع تكاليف تربيتها، ومن احتفظ بها فقد قلّص مصاريفها. فمن كان يزور العيادات البيطرية بشكل شهري، بات يقصدها على فترات متباعدة. بنبرة غاضبة، يقول شعبان: «نحن الفئة الوحيدة من الأطباء التي ليس لها معاش تقاعدي»، عازياً الأمر إلى ضعف موارد النقابة، وعدم تطبيق قانون «تعديل قانون إنشاء نقابة البيطريين في لبنان»، الذي أقرّه مجلس النواب العام المنصرم.

القانون الجديد يحدد موارد صندوق التعاضد والتقاعد داخل النقابة، والتي تُراوح بين رسوم الاشتراك والهبات، ورسم 1% على قيمة جميع الأدوية البيطرية المستوردة والمنتجة محلياً، وهي تُستوفى بموجب طوابع تُلصق على الفاتورة أو البيان الجمركي. ورغم إقراره ونشره في الجريدة الرسمية، يستغرب شعبان عدم تطبيق القانون، ما يحرم صندوق التعاضد من موارد مالية يحتاج إليها بشدة.


الحضور في وزارة الصحة

كما يعاني القطاع البيطري من عدم توظيف الكفاءات البيطرية في الأماكن الصحيحة. «أيُعقل أن لا تضم وزارة الصحة طبيباً بيطرياً واحداً؟» يسأل شعبان. «صحيح أن وزارة الزراعة هي الجهة الوصيّة على العمل البيطري في لبنان، لكن يجب على وزارة الصحة الاستعانة بجهودنا أيضاً»، جازماً أن الوزارة «لن تنجح في القضاء على الفساد الغذائي من خلال إرسال مراقبين صحيين إلى المحالّ الصغيرة فقط، بل يجب الاستعانة بأطباء بيطريين، لأنهم وحدهم هم المؤهلون للكشف على مصادر التوزيع الأساسية أي مزارع المواشي والدواجن».

أما أكثر ما يشكو الأطباء البيطريون منه في الآونة الاخيرة، فيتمثل في الممارسة غير الشرعية للمهنة من قبل أشخاص غير حائزين على شهادات تخوّلهم العمل، ما ينعكس سلباً على «جيبة» الأطباء من جهة، وعلى صحة الحيوانات من جهة أخرى. ورغم أن النقابة عمدت إلى رفع دعاوى قضائية بحق عدد من المخالفين، غير أن القضاء لم يحرّك ساكناً بحسب شعبان. هذه الصعوبات، ساهمت في هجرة نحو 40% من الأطباء البيطريين إلى الخارج، أما من بقي منهم في لبنان فيجاهد للاستمرار في ظل هذه الظروف الصعبة كما يذكر شعبان.

ارتفعت أكلاف التغذية والرعاية الطبية وتراجع المتبرّعون (هيثم الموسوي)
ارتفعت أكلاف التغذية والرعاية الطبية وتراجع المتبرّعون (هيثم الموسوي)



الطبّ البيطريّ: أطبّاء من الدرجة الثانية!؟
الطبّ البيطريّ: أطبّاء من الدرجة الثانية!؟


تعليقات: