ركام الضاحية: هل تطول الرحلة؟

الحكومة أصدرت قراراً لم يُنفّذ واللجان النيابية درست الموضوع مرّة واحدة فقط

استقرّت الأنقاض المستخرجة من الضاحية الجنوبية

أخيراً في كسّارات في الجيّة والشويفات حيث يجري تفتيتها وفرزها... وفي غياب أي خطة حكومية لتحديد مصير هذه الأنقاض،

على رغم توافر العديد من المقترحات، يبقى الركام في مهبّ صفقات

من يعرفون قيمة هذا الكنز

قلّة نافذة فقط عرفت ماذا يعني ركام الضاحية الجنوبية وهي وحدها عرفت كيف تستغل «كنزاً» أخضعته لمنطق سلطانها.

منذ نحو شهرين بدأت الشاحنات بنقل ركام الضاحية الجنوبية من المكبّات الأولية في مناطق الأوزاعي والرسول الأعظم وخلدة إلى أمكنة عدة هي مواقع لكسارات عرف من بينها الجيّة والشويفات حيث يُفتّت الركام ويُحوّل الى أحجام يمكن أن تستعمل في جميع أعمال الإنشاءات ما عدا تلك التي تتطلب «باطون مسلّح».

يقود النقاش حول الركام إلى السؤال عن تقاعس الجهات المعنية عن رسم وجهة واضحة لكيفية المعالجة بدليل التخلّي عن النقاش في هذه المسألة في اللجان النيابية المعنية، وصولاً إلى تفريق مشبوه بين ركام الضاحية وركام الجنوب.

بدأت الحكاية في مجلس الوزراء الذي أقرّ في جلسة له، قبل استقالة وزراء حزب الله وحركة أمل ويعقوب الصراف، نقل الركام الناتج من دمار المباني في الضاحية الجنوبية إلى منطقة شاطئ «النورماندي». وبحسب ما يؤكد وزير العمل المستقيل الدكتور طراد حمادة «أن القرار اتخذ على أن تعود ملكية الموقع الذي سيردم إلى الدولة اللبنانية»، ولكن حصل أمر غير معروف دفع إلى إخفاء هذا القرار «من أجل ضمان وصول الكميات اللازمة من المساعدات التي قد لا تأتي بالحجم نفسه فيما لو ردمت منطقة على الواجهة البحرية».

اعتراض ثم إهمال!

قبل ذلك، كانت شركة تطوير وسط بيروت وإنمائه «سوليدير»، وبحسب متابعين، قد رفضت هذا الأمر واعتبرت أنه يلغي القيمة الحقيقية لعقاراتها، ذلك أن وجود مثل هذه المساحة التي يمكن ردمها على الواجهة البحرية قد يؤدي إلى هبوط أسعار عقاراتها التي يبلغ سعر المتر الواحد فيها 12 ألف دولار أميركي، علماً بأن المدير العام في «سوليدير» منير الدويدي نفى لـ«الأخبار» علمه بأي قرار من هذا النوع في مجلس الوزراء وأي شيء عن استخدام الركام.

مهما يكن الواقع، فالخلاصة أن «سوليدير» لم تبدِ اهتماماً بالموضوع، وكذلك لجنة الأشغال النيابية التي ناقشت موضوع الركام الناتج من القصف الإسرائيلي للمباني، مرةً واحدةً فقط في خلال 5 أشهر.

ويقول عضو لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية النائب قاسم هاشم: «درسنا كيفية التخلص من الردم مرة واحدة في اللجنة. يمكن ردمه في أي مكان، وكان هناك مطلب لمرفأ بيروت أن يوضع في أحد الأحواض المائية لزيادة المساحة ولكن تداخل الملكيات العقارية وكونها غير واضحة أنتج شكوكاً».

وكانت لرئيس مجلس الإدارة المدير العام لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم وجهة نظر مختلفة: «في البداية كانوا في حاجة الى مكبّ لا إلى مكان للردم»، ويشير إلى مشروع موجود لتوسعة مرفأ بيروت «ولكن باستخدام ردم جيد، لدينا مساحة كبيرة يمكن ردمها»، علماً بأن هذا الأمر كان سيوفر للمرفأ فرصة جيدة لتشييد مزيد من العنابر.

صدفة أم اصطدام؟

لم يكن خيار استخدام الركام في توسعة مرفأ بيروت وحيداً أمام السلطات، ففي الجلسة اليتيمة للجنة الأشغال النيابية، وخارجها أيضاً، كان هناك أكثر من مقترح قيد التداول: ردم مساحة بحرية في منطقة برج حمود، ردم مساحة بحرية في منطقة سوليدير، تصحيح المقالع من ضمن مشروع بيئي، ردم مساحة بحرية في المنطقة التابعة لشركة إنماء وتطوير ضواحي بيروت «إليسار».

وكانت الإجابات سلبية، فبلدية برج حمود لم توافق على ردم مساحة كبيرة على الشاطئ علماً بأن المشروع كان يهدف إلى تحويل المنطقة المردومة إلى برك للمياه ومناطق للتكرير. أما بالنسبة إلى اقتراح وضع الركام في الأمكنة التي حصلت فيها تشوّهات بيئية نتيجة المقالع والكسارات، الذي يشكل حلاً بيئياً معقولاً لهذه المشكلة فقد اصطدم، بحسب ما ينقل عارفون بشرط واحد: على صاحب المقلع أن ينقل وينفذ معالجة الردم على حسابه الخاص!

أما بالنسبة إلى «إليسار»، فيبدو أن المشروع لم يلقَ استحساناً من الحكومة. ويذكر قريبون من رئيس مجلس إدارة المؤسسة إيلي شديد أنه أبدى رغبة أمام من يلزم لردم مساحة بحرية توفّر للمؤسسة أرباحاً كبيرة، وخصوصاً أن مبدأ إنشائها يقوم على امتلاك الأراضي وتطويرها عقارياً حتى تجهز لتشييد المباني فيها ومن ثم بيعها.

الركام: إلى الجيّة دُرْ

تتولى شركة «طبعوني» فرز المعادن من الركام مقابل أجر يحتسب على «الطن»، بينما تقوم شركة «الجهاد» بعملية نقل الركام من مواقعها الحالية في خلدة والأوزاعي والرسول الأعظم إلى المكبّات الثانوية. ومعلوم أنها الشركة التي التزمت من وزارة الأشغال العامة نقل الأنقاض من الضاحية.

ليس معروفاً إذا كانت رحلة الركام ومصيره سيتوقّفان في الجيّة حيث بدأت شركة الجهاد تنقل كميات إلى عقار «ستتملّكه الدولة» بحسب ما يقول رئيس شركة «الجهاد» خليل العرب، «لكننا لن ننقل الردم إلى أي مكان آخر».

إلا أن أوساطاً عاملة في الملف تشير إلى نقل كميات من الركام إلى مقالع في منطقة الشويفات حيث يُفتّت ليصبح صالحاً للاستعمال في جميع أنواع أعمال الإنشاءات باستثناء تلك التي تُبنى من الباطون المسلّح. ويذكر عاملون أنه وُضعت بعض الأنقاض في مواقع كانت فيها كميات موجودة سابقاً وبشكل عشوائي وعندما انتهى الفرز نُقلت الكمية كلها إلى عقار في الجية مساحته 44 ألف متر مربع.

عن هذا الأمر يتحدث رئيس مجلس إدارة شركة «الجنوب للإعمار المهندس رياض الأسعد» إلى أنه «ليس هناك خطة ورؤية واضحة المعالم لكيفية معالجة هذا الملف»،

ويقدّم خطة لإدارة الوجهة النهائية للأنقاض: «بواسطة حلول هندسية بسيطة يمكن استصلاح الكسّارات وإنشاء كواسر أمواج لإعادة تكوين الشاطئ، والمثال الأجنبي هو في مدينة ميامي حيث وضعت كواسر الأمواج «غروين» بعد دراسة حركتي الأمواج والرياح بهدف استيعاب حركة الرمول»، والمثال المُنفّذ لبنانياً يراه الأسعد في شاطئ صور.

أما بالنسبة إلى تفكيك الركام، فيلفت إلى أنه كان يمكن وضع كسّارات صغيرة في المواقع أو المكبّات الوسطية والترحيلية لتُفرز ويُكسّر الباطون إلى أحجام معينة يمكن استعمالها كطبقة أساس وللردم وراء كواسر الأمواج، وكذلك يمكن استخدامها في الطبقة السفلى لإنشاء طرق وبعد تفكيكه وتصغيره يمكن وضع الركام في خلطات الإسمنت.

كلّ هذه الحلول التي لم تجد من يتبنّاها يُحيلها الأسعد على السياسة والمصالح الخاصة حين يسأل: «بقرار ممّن فُتحت كسّارة فتوش وجُعلت مكبّاً للركام؟ في الأصل معروف من هو أمير منطقة الجية وضواحيها...». وقد نفى فتوش في اتصال مع «الأخبار» امتلاكه هذا العقار: «ربما هو من أملاك إخوتي ولكن ليس لي».

لكن الأسعد يتحدّث عن تفاصيل صفقة: «بدأت مع سقوط أول مبنى، إذ كانوا يفكّرون كيف سيتم تقاسم المغانم لا رفع الأنقاض وتعزيز عودة الناس». هذه الصفقة التي يصفها بالـ«مالية ومافيوية»، وكان يمكنها أن تبلغ أضعاف المبالغ المتداولة حالياً «لولا تدخّل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس الهيئة العليا للإغاثة يحيى رعد، بحيث أُحيلت من وزارة الأشغال على الهيئة العليا للإغاثة. كانت الصفقة كبيرة وأطرافها معروفون، فالبلد ملزّم إقطاعات معروفة لمن، في الجنوب وبيروت والضاحية والبقاع و...».

ويلفت إلى مفارقة كبرى بين ركام الضاحية وركام الجنوب الذي بلغ مليونين و800 ألف متر مكعب، بينما لم يتجاوز حجم أنقاض الضاحية في أقصى الحالات مليون متر مكعب «وعلى رغم ذلك وُضع الأخير في مكبّات القرى، فلماذ لم تُغربل الأنقاض في الجنوب على عكس ركام الضاحية وما هي التكلفة؟»، مشيراً إلى «غياب المناقصات بعدما تقاسم أمراء الطوائف المغانم».

رغماً عنه أصبح ركام الضاحية أسيراً لخط سير فرضه الواقع وتلزيمات وزارة الأشغال العامة والهيئة العليا للإغاثة من الضاحية الى الرسول الأعظم والأوزاعي وخلدة، وصولاً الى كسّارات الجية والشويفات، ولكن حتى الساعة يبقى أمران في علم الغيب: إلى أين سيذهب الركام بعد التفتيت؟ ولمن تعود ملكيته والحق في التصرف به.. للمتعهّد أم للدولة؟

نتائج بيئية

وصلت كميات الأنقاض المنقولة يومياً الى المكبات الموقتة في منطقتي الأوزاعي وخلدة الى نحو 1800 شاحنة يومياً.

استمر النقل أكثر من 5 أشهر تولّت في خلالها شركة «الجهاد» عملية النقل بتلزيم من وزارة الأشغال العامة التي حمّلها رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا في أحد تصريحاته النتائج البيئية الناجمة من وضع الركام على شاطئيْ خلدة والأوزاعي: «وزارة الأشغال هي الجهة المسؤولة عن هذا الموضوع وهي من قام بتكليف شركة «الجهاد» لكي تعمل على إزالة الردم من الضاحية الجنوبية».

ويقدّر الخبراء كميات الركام المستخرجة من الضاحية الجنوبية وحدها، بنحو مليون متر مكعب، وهي كمية كافية لردم مساحة بحرية واسعة تصل إلى آلاف الأمتار المربعة.

وتطلّبت مشاريع ردم البحر المنفذة في بيروت الكبرى (الضبية، وسط بيروت، مدرج مطار بيروت الدولي) أكثر من 30 مليون متر مكعب أي ما يعادل 8 إلى 10 سنوات من الاستهلاك العادي لقطاع البناء والأشغال العامة في لبنان وهي كمية تعادل ثلث إنتاج المقالع والكسارات في خلال 6 سنوات، الذي يقدّر الخبراء أنه بلغ في الفترة الممتدة بين عاميْ 1994 و2000 نحو 15 مليون متر مكعب سنوياً.

ويتطلب إتمام ردمية شبيهة بتلك الموجودة في مشروع ضبية ــ أنطلياس توظيف عدة مئات من الهكتارات من مواقع المقالع فيما نحو 5000 مسكن تستهلك ما بين 4 و5 هكتارات من المقالع فقط.

ومعلوم أن للشاطىء الرملي نظاماً بيئياً خاصاً ووضع الركام في البحر قد يؤدي الى إخلال في التوازن البحري، ما دفع مكتب منظمة غرينبيس العالمية في بيروت الى اقتراح وضعه في منطقة الرمل العالي التي تقع بين الطريق السريع للمطار والأوزاعي.

تعليقات: