هل يغامر لثنائي بالدفع نحو تسليم النائب الأول صلاحيات الحاكم؟

يكتسب ملف سلامة خلفية سياسية بامتياز ويجري استغلال الموقع  في عملية ابتزاز واضحة
يكتسب ملف سلامة خلفية سياسية بامتياز ويجري استغلال الموقع في عملية ابتزاز واضحة


خمسة اشهر تفصل عن انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ومع ذلك بدأت حملة واسعة ترتكز على عنصرين لتسليط الضوء على هذه المسألة. أولهما يربط انتهاء الولاية بالشغور الرئاسي وتعذّر انعقاد مجلس الوزراء لتعيين حاكم جديد، والثاني يربط الشغور الرئاسي وتعطيل انتخاب رئيس بمنصب الحاكم، ليعتبر ان التعطيل مقصود لمنع تعيين حاكم جديد، واتاحة المجال امام انتقال صلاحيات الحاكم الى النائب الاول الذي ينتمي الى الطائفة الشيعية، على نحو ينتزع موقعا مارونيا ويضعه في يد شيعي!

الحملة التي بدأت قبل شهر تقريباً، وتحديداً بعد وقت قصير من انتهاء عهد ميشال عون، ارتكزت على مخاطر شغور الموقع الماروني الثاني بعد الرئاسة الاولى ليصل الى هدف طرح اقتراح تمديد ولاية سلامة لسنة او سنة ونصف. والمفارقة ان الطرح يجري تداوله سياسيا واعلامياً من دون أن يتبنى أي فريق او جهة ابوّته، حتى بلغ هذا الامر مسامع بكركي، فذهب البطريرك الراعي بعيداً وبالمباشر في التصويب على هذا الموضوع والتحذير من مخاطره، ليس من موقع الحاكمية فحسب، وانما ايضاً من خلفية الشغور المرتقب في اكثر من موقع ماروني اساسي، من الرئاسة الى الحاكمية، الى قيادة الحيش.

هل طرح التمديد لسلامة جدّي وفي محله، لا سيما ان الرجل موضوع في قفص الاتهام الاوروبي، وهل يتعرض الموقع فعلاً لمخاطر الشغور، على غرار ما هو حاصل على مستوى الرئاسة، بحيث يتطلب الوضع استباق الامر عبر السير بخيار التمديد اذا تعذر عقد جلسة حكومية يعارضها الفريق المسيحي على خلفية عدم دستوريتها بفعل انها مستقيلة؟

يكتسب ملف سلامة خلفية سياسية بامتياز، ويجري استغلال الموقع الذي يشغله في عملية ابتزاز واضحة يستفيد منها اكثر من فريق على الضفة المسيحية تحديداً، في حين ترتسم علامات استفهام حول الموقف الحقيقي للثنائي الشيعي من الاتهام الموجَّه اليه بالدفع نحو انتهاء ولاية الحاكم لتسليم النائب الأول صلاحياته ومسؤولياته.

من الثابت ان الفتح المبكر لملف الحاكمية ليس بريئاً، أياً تكن الجهة التي تقف وراءه، او تلك المستفيدة من اثارته في هذه المرحلة بالذات. ثمة من يعتبر ان هناك ضرورة قصوى لحسم هذه المسألة قبل استحقاقها، كما حصل عندما تم التجديد لسلامة في اواخر ايار 2017 قبل انتهاء الولاية بشهرين، وذلك لأن حساسية الموقع تتطلب استقراراً ومناخاً من الثقة، كما كان الوضع في 2017 ربما. ولكن الاكيد ان الوضع يختلف اليوم بعدما طارت الثقة بالحاكم وبسياساته النقدية وهندساته المالية، وبالتالي لم يعد المدافعون عن سلامة قادرين على التسلح بهذه الذريعة اليوم للتمديد له.

في المقابل، لا يصح التذرع بتعذر انعقاد مجلس الوزراء لتعيين حاكم جديد طالما ان الحكومة المستقيلة تجتمع استثنائيًا تحت مبرر الضرورات تبيح المحظورات. وقد حصل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على غطاء "#حزب الله" لعقد جلسات حكومية، على نحو يسحب من يده ذريعة عدم معالجة ملف الحاكم. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الواقع في تعذر الوصول الى توافق سياسي على اسم الحاكم الجديد، تماماً كما هي الحال بالنسبة الى التوافق على اسم رئيس الجمهورية المقبل. وبهذا يظهر الالتصاق الشديد بين الرئيس والحاكم، اي بين استحقاقَي رئاسة الجمهورية والحاكمية. وما لم يتم بت الخلاف على المرشح الاوفر حظاً لتولي الحاكمية، فإن الخيار سينحو نحو افراغ الموقع وتسليم نائب الحاكم المسؤولية.

يتعامل "الثنائي" بكثير من الحذر والخشية والارباك مع هذا الخيار. فهو على اهميته بالنسبة اليه باعتباره يتيح له الامساك بالسياسة النقدية بعدما احكم سيطرته على السياسة المالية من خلال امساكه بوزارة المال والتوقيع الثالث كما يسميه، فهو يعي ايضاً ان مسؤولية الانهيار الكامل ستترتب عليه، ذلك ان سياسة سلامة اليوم تقوم على تأمين الاستقرار حتى تموز، موعد مغادرته مكتبه. وثمة من يقول انه بحلول تموز ستكون الاحتياطات بالعملة الاجنبية قد تراجعت في شكل كبير، بما يضيّق هامش اي تحرك لتأمين الحماية ولو في الحد الادنى لما تبقى من قيمة العملة الوطنية. وهذا ما يفسر التوقعات التي يتداولها خبراء ومراقبون اقتصاديون ينذرون باقتراب موعد الكارثة الكبرى في تموز.

هذا المشهد يطرح مجموعة من التساؤلات قوامها لماذا يتم ربط مصير الحاكم بمصير الرئاسة، على نحو يقزٓم الأخيرة على حساب الحاكمية، من خلال الدفع بالمطالبة بإنهاء الشغور في الموقع الاول من اجل منع الشغور في الموقع الآخر، وكأن وجود رئيس للجمهورية هو ضرورة لمنع حصول الفراغ في موقع الحاكم، وهذا في رأي المراقبين، تقليل وتقزيم لموقع الرئاسة.

في المقابل، هل ما زال مسموحاً التهويل بالفراغ بهدف التمديد للحاكم، في ظل ازمة مالية ونقدية هي الأسوأ في تاريخ لبنان، وفي ظل غياب أي أفق لحلول تخرج البلاد من أتون الانهيار؟

الواقع ان البلاد ستشهد في الاشهر القليلة المقبلة الفاصلة عن تموز تنازعاً بين جناحين، احدهما يمثل الفلك الذي يدور فيه سلامة، ويهوّل بالفراغ محملاً "الثنائي" مسؤولية الدفع في اتجاهه ليبرر بمناداته بالتمديد خياراً لتلافيه، والآخر يمثله "الثنائي" ويتحين الفرصة للقبض على النقد، وان كان في مكان ما يتهيب ارتدادات ذلك بعدما ادرك عجزه وسوء ادارته للأزمة. وفي الخلاصة، وبسبب سوء الادارة لدى هذا الفريق وسوء التقدير عند الفريق الآخر، تُترك الرئاسة في يد رئيس الحكومة، وتُترك الحاكمية في يد "الثنائي"!

تعليقات: