الثقافة الزلزالية في لبنان: معنى الخوف بلا دولة

ساحة الشهداء في بيروت بعد الهزة الأرضية (المدن)
ساحة الشهداء في بيروت بعد الهزة الأرضية (المدن)


على مدار أكثر من أسبوعين من الزلزال الأول في تركيا والثاني الأقل ضراوة أمس الاثنين، وما تخللهما من مئات الهزات الارتدادية التي أهلكت الأتراك والسوريين ووصلت ارتداداتها المخيفة إلى لبنان، يمكن القول أن اللبنانيين اكتسبوا الحد الأدنى من "الثقافة الزلزالية"، النابعة أولًا من خوفهم على حياتهم، ومن كونهم شعباً متروكاً، بلا دولة، لا محالة.

وعلى إثر الزلزالين اللذين ضربا مدينة هاتاي جنوب تركيا أمس، اهتز لبنان وتحديدًا في المناطق الساحلية، وارتجت الأبنية بساكنيها لثوانٍ معدودة، فهرع آلاف السكان مع أطفالهم بمشهد محزن إلى الساحات المفتوحة، لا سيما في بيروت وطرابلس.

شمالًا، تضاعفت بفعل الهزات المخاطر على مئات المباني التي كانت مهددة أصلًا بالسقوط، وجرى إخلاء العشرات، وسط عجز الناس عن تنفيذ عمليات التدعيم المكلفة. وبعد السابعة مساء أمس، اكتظت ساحات المعرض في طرابلس بآلاف الأسر الهاربة من منازلها، ناهيك عن إطلاق الرصاص في أحياء المدينة، وقيادة البعض لسياراتهم بسرعة جنونية. ولم يختلف المشهد عن مدينة بيروت، حيث تهافت الأسر بعد دقائق من الهزة إلى ساحة الشهداء وقرب ميدان سبق الخيل وفي الحدائق العامة.


هزات البر والبحر

وفيما أعلنت إدارة الطوارئ والكوارث التركية، أن زلزالين وقعا في هاتاي، الأول بقوة 6.4 في منطقة ديفني، والثاني بقوة 5.8 في منطقة سمنداغ، أعلن المركز الوطني للجيوفيزياء، التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية، أن هزة أرضية سجّلت في السابعة والدقيقة الرابعة بالتوقيت المحلي، مساء يوم الإثنين، بقوة 6.3 على مقياس ريختر حدد موقعها على الساحل التركي، ﻋﻠﻰ ﺑﻌد 200 كيلومتر من شمال لبنان وقد شعر بها المواطنون.

وصباح اليوم الثلثاء، أعلن المركز عن حدوث هزتين أرضيتين، الأولى عند الساعة 4,23 بالتوقيت المحلي فجرًا، قبالة شواطئ جنوب لبنان تبعد 64 كلم عن صيدا وقوتها 4 درجات على مقياس ريختر، والثانية عند الساعة 9,30 صباحًا بالتوقيت المحلي قبالة شواطئ جنوب لبنان تبعد 70 كلم عن صيدا، وقوتها 3,5 درجات على مقياس ريختر.


هلع الناس

وبعيدًا عن التقديرات العلمية لحركة الزلازل وإجماع معظم الجيولوجيين أن ما يحدث لا يتجاوز الوتيرة الطبيعية بعد الزلزال الكبير في السادس من شباط، كشفت أصداء الهزات في لبنان مرة جديدة عن مستوى الضغوط والهواجس التي يعيشها اللبنانيون، وهم يحتارون في كيفية تدبر شتى أمورهم. وعمليًا، يقف اللبنانيون مكبلي اليدين أمام سلة كبيرة من الأزمات المعيشية والاقتصادية، ثم أضيف إليها عامل طبيعي تجسد بموجة الزلزال والهزات، من دون أن يجدوا دولة تقف إلى جانبهم وتخاف على مصيرهم، ولو بإرشادات السلامة.

وكل ما يفعله اللبنانيون راهنًا، كرد فعل بتتبع الهزات، ينبع من دروس تعلموها من توصيات الخبراء (على تضاربها غالبًا)، ومن مشاهد الدم والموت وركام الأنقاض في تركيا وسوريا. ناهيك عن الخوف من البقاء في منازل لم تراع في بناء كامل شروط السلامة، قبل التفكير إن كانت صالحة لمقاومة الزلازل. وما تردده شريحة من اللبنانيين هو القول إن كان في تركيا وعلى عراقتها، أظهر الزلزال حجم الفساد والمخالفات في قطاع البناء وهشاشة الرقابة الرسمية في مناطق تقع على صفائح زلزالية، فكيف الحال في لبنان حيث دمر الفساد مفاصل الدولة؟

في هذا الوقت، يتحدث خبراء عن أخطاء جسيمة يرتكبها اللبنانيون أثناء هربهم عقب الهزات، كالوقوف مباشرة تحت الأبنية الشاهقة، أو إخلاء المنازل قبل توقف الهزات، أو حمل حقائب ثقيلة لا تساعدهم على الهرب، أو حتى البقاء في منازل ظهرت عليها علامات التصدع والتشققات. لكن هذا التخبط، سببه المباشر غياب أي جهد رسمي لوضع خطة طوارئ رسمية وموحدة بين أيادي اللبنانيين. إضافة إلى غياب البلديات عن اتخاذ إجراءات لازمة على مستوى سلطتها المحلية.


لا دولة

وتواصلت "المدن" مع عدد من المهندسين المعماريين، الذين أجمعوا على صعوبة تنفيذ عمليات التدعيم الكاملة للأبنية المتصدعة أو الآيلة للسقوط، بسبب الإجراءات الدقيقة التي تحتاجها والتكاليف الباهظة بعشرات آلاف الدولارات حتى تصبح مقاومة للزلازل. وما يحتاجه الناس عمليًا، هو خطة رسمية على المدى القصير، تشمل مستويي: التوعية وخطط الإغاثة.

فهل مستشفيات لبنان فعلًا مدعمة وجاهزة لأي كارثة طبيعية؟ وكذلك السؤال عن مراكز الدفاع المدني والصليب الأحمر؟ وهل عممت وزارات الحكومة المعنية ورقة توصية واضحة عن إجراءات السلامة لدى وقوع أي هزة، ولوازم الحقائب الضرورية أو حتى خطوط ساخنة للتواصل عبرها عند أي خطر؟ هل جرى الإعلان مثلًا عن نقاط وساحات ومراكز آمنة في مختلف المناطق للجوء إليها عند وقوع مخاطر تهدد السلامة العامة داخل الأبنية السكنية؟

هذه الأسئلة المشروعة والبديهية، يأتي طرحها على لسان من يجهلون المعنى الحقيقي لانحلال كامل مفاصل الدولة في بلد ما، حتى صارت الثقافة الزلزالية على الطريقة اللبنانية محزنة للغاية.

لكن تكرار الأسئلة، يبدو ضروريًا للتذكير بفداحة ما يعيشه اللبنانيون، لأن كوارثهم الدائمة والمستمرة تتجاوز عنف الطبيعة في لحظة عابرة وقاسية.

تعليقات: