احتجاجات لتغيير اليافطة.. والمقاصد لـ المدن: لم نمسّ بـ خديجة الكبرى


كان كافياً أن تعلو يافطة كتب عليها "ليسيه المقاصد" فوق مدخل كلية خديجة الكبرى، إحدى أعرق ثانويات مدارس المقاصد الاسلامية في بيروت، لتعتبر الخطوة وكأنها "تهديد" لثقافة وهوية وذاكرة جماعية بيروتية، يحملها صرح تعليمي قارب عمره الـ150 عاماً، وخرّج عشرات آلاف الطلبة، ولتدخل دار الفتوى على الخط بشخص أمين الجمهورية، الشيخ أمين الكردي، داعياً إلى التراجع عن هذه الخطوة "الخطيرة"، ويدق البعض ناقوس خطر "عولمة" أو "تغريب" مدارس المقاصد الإسلامية.

إلا أن هذه "التهم" غير مبنية على أسس دقيقة، وذلك حسب مصدر في الجمعية العمومية في المقاصد، أوضح لـ"المدن" أنّ كلمة "ليسيه" أضيفت لدواعي التوأمة القائمة مع السفارة الفرنسية، من ضمن مسار تطوير الكلية وإدخال المنهج الفرنسي فيها، إلا أنّنا "لم نمسّ باسم الثانوية الأساسيّ، أي خديجة الكبرى"، داعياً البيارتة للتأكد من بقاء يافطتين تحملان الاسم على جدران المدرسة.

بانتظار بيان مجلس الأمناء

ويوضح المصدر "لقد أضفنا كلمة ليسيه، هذا جل ما فعلناه، لكن لم يتم المساس باسم الكلية الأساسي، أي، خديجة الكبرى، على عكس ما يروَّج له، وذلك بدلالة بقاء يافطتي الرخام اللتان تحملان الاسم على جدران المدرسة. ويختصر التغيير الذي طرأ بأننا قمنا بفعل "إضافة" لكلمة ليسيه، لم يقابله فعل "إزالة" لاسم خديجة الكبرى!

ويستشهد بصور "حديثة" زوّدها لـ"المدن" تظهر يافطتي الرخام اللتان تحملان اسم الكلية "خديجة الكبرى"، واحدة أساسية عند مدخل الكلية، وأخرى حديثة العهد، معلقة على جدران الكلية من جهة فردان، داعيا "أهالي بيروت للذهاب إلى الكلية والتأكد من صحة كلامنا بأنفسهم".

وعن الاتهامات حول تغيير اسم الكلية وطمس اسمها الأساسي، والذي لا "أساس له من الصحة"، حسب المصدر، فيعزوها إلى مغبة تسرّع الناس في الحكم، عوض استقاء المعلومات من مصدرها، داعياً إلى التريث، ريثما يصدر بيان من مجلس الأمناء، يضع الأمور في نصابها.

على طريق تطوير الثانوية..

وبانتظار بيان توضيحي من مجلس الأمناء في المقاصد، والذي صدر عنه قرار إضافة اسم "ليسيه" لدواعي التوأمة مع السفارة الفرنسية، يلفت المصدر إلى أنّ دواعي التوأمة لم تفرض علينا في المقابل إلغاء اسم خديجة الكبرى. هذا في الشكل، أما في المضمون، فكذلك "لم يتم المساس بالتعليم الديني المرفق في المنهج التعليمي للمقاصد".

وعن أهمية التوأمة التي تجريها الكلية، "فهي تأتي في صلب تطويرها، وهي ستؤمن لطلابنا فرصة الدراسة والتقديم على البكالوريا الفرنسية".

كل المؤسسات تطمح للتطور، ومشاريع التعاون والتوأمة والمشاريع المشتركة، والتي تخدم طرفي التعاون في النهاية، يختم المصدر، لافتا كذلك إلى أن التطوير سيطال بناء الكلية نفسه، عبر استحداث مبنى يزيد القدرة الاستيعابية للتلامذة.

الإفلاس أو التطوير؟

وفي حين رفض المصدر ربط مشروع التوأمة مع السفارة الفرنسية، بإنقاذ الجمعية من الإفلاس، وتالياً ضمان استمرارية التعليم في الكلية، كان رئيس جمعية المقاصد، فيصل سنو، أكثر وضوحاً.

ففي معرض رده أمس على أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي، قال سنو "تعلمون أن المقاصد إلى جانب نهضتها، قد سددت ما يقارب الـ50 مليون دولار من الديون، والتي كانت أملاكها مرهونة لهذا الدين، فأزيلت كل الرهون"، مُضيفاً بصريح العبارة "أضيف اسم ليسيه المقاصد- خديجة الكبرى، وذلك للدلالة التجارية التي حمت جمعية المقاصد من الإفلاس".

هذا الكلام إذ يعيدنا بالذاكرة إلى الحديث عام 2019 عن إمكانية إقفال ثانوية خديجة الكبرى، من ضمن إعادة هيكلة مؤسسات المقاصد حينها، يدخل العامل المالي في صلب مشروع التوأمة، إضافة الى إدخال المنهج الفرنسيّ في برنامجها.

لمزيد من الشفافية

أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي، بدوره، دعا مجلس أمناء جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية ورئيسها، إلى التراجع عن "الخطوة الخطيرة"، طالباً "جازماً وبمحبة"، ما حذا ببيارتة كثر إلى الدعوة "لسحب النقاش من مواقع التواصل"، لعدم إذكاء السجال بين المقاصد ودار الفتوى.

لكنّ حديّة المواقف لم تقف عند الشيخ الكردي وحسب، فالبيارتة انقسموا على مواقع التواصل ومجموعات الواتساب البيروتية، بين مؤيد أو "متقبل" بالحد الأدنى لخطوة إضافة كلمة "ليسيه" على الكلية، ورافض مقاوم لها بشدة، لكن أشدّ ردود الفعل، تجلت بتعليق يافطة فوق يافطة الكلية، كتب عليها "خديجة الكبرى".

ويمكن اختصار تباين وجهات النظر بين البيارتة لا سيما المقاصديين، بثلاثة مستويات أساسية:

- المستوى التقني: فجزء كبير من المستائين مما اعتبروه "تغييرًا للاسم من ضمن عملية الـRebranding، استنكروا ما وصفوه "غباء"، سائلين، هل قامت المقاصد بدراسة جدوى تغيير اسم عمره قرابة 150 عاماً؟

- المستوى الديني والعروبيّ: معلقون آخرون، تناولوا الشق الديني، انطلاقاً من مكانة السيدة خديجة زوجة الرسول محمد لدى المسلمين.

وانتقد هؤلاء "التمثل بالغرب والبعد عن جذورنا وأسمائنا العربية وهويتنا الدينية"، وصولاً لتوصيف بعضهم إدخال كلمة ليسيه بمحاولة "فاشلة للارتقاء باسم الكلية، وكأن كلمة خديجة لم تكن كافية للارتقاء بها".

- مستوى الشفافية: جزء لا يستهان به من المتفاعلين، سخّف ما اعتبره "غيرة في غير محلها، سواء على الكلية، أو السيدة خديجة التي لا تحتاج لتسمية مدرسة على اسمها لضمان مكانتها في قلوبنا"، وصوّب هؤلاء في المقابل على "الحاجة لمزيد من الشفافية بين مجلس أمناء المقاصد والناس، ليكونوا في أجواء قراراتهم وخلفياتها".

مقابل هذه الآراء، هناك من انتقد المنتقدين أنفسهم، على قاعدة أن كلية خديجة الكبرى في طور التطور لا الانهيار، وإذا كانت دواعي التوأمة وضمان استمرارية التعليم في الثانوية، تفرض تغيرات شكلية لا تمس بجودة التعليم ورسالته، فلا ضير في تقبلها.

تعليقات: