مونة العرقوب زعتر وزهورات برية لم يصلها التلوث


العرقوب ـ

الصيف في القرى والأرياف ليس إجازة وأيلول ليس نزهة لربات المنازل تحديداً، فموسم "المونة" مستمر وفي كل منزل من قرى وبلدات العرقوب هناك خزائن او غرف خاصة بحاجات الشتاء فيها من الفواكه المجففة والمربيات والجبنة واللبنة إضافة الى الحبوب على انواعها، وتكون جاهزة لفصل الشتاء الذي كان يقال عنه "باب الشتاء ضيق" اي أنه ليس من السهل الحصول على ما تريده في هذا الفصل، لذا فالعادة درجت على تخزين ما يمكن أن تحتاجه العائلة في هذا الفصل.

وما زالت ربات المنازل، وهن يزددن يوماً بعد يوم، ينشغلن بتحضير مونة الشتاء الطويل من أطايب المنتوجات الصيفية، تين وعنب ومشمش وخوخ وحتى البطيخ والشمام يقمن بتحويلها الى مربيات يحفظنها وغيرها من دبس العنب والرمان إضافة الى أنواع أخرى من الكبيس من الخيار والقثاء والباذنجان، واللائحة تطول وتختلف من ربة منزل الى أخرى وكل حسب ما تنتجه أرضه وما لديه من خبرة في تحضير المونة، كذلك تحضير الكشك ولبنة الماعز التي تحفظ بزيت الزيتون، إضافة الى أنواع الزهورات المختلفة بتركيبتها والتي يتم قطافها من الحقول والجبال وتنقى وتوضع في اكياس بلاستيكية وتستخدم في الكثير من الأحيان علاجاً لبعض أنواع الأمراض الصدرية في فصل الشتاء.

وتشهد هذه المأكولات الصحية رواجاً بين الناس وخاصة بعدما كثر الحديث عن الأمراض التي تنتج عن الغذاء المعلب وما يدخله من مواد كيماوية، لذا فإن ربات المنازل في القرى والأرياف اللواتي إعتدن تحضير مونة الشتاء لعائلاتهن وورثنها عن امهاتهن وجداتهن أصبحن اليوم يطورنها لتصبح مصدر رزق لهن.

منطقة العرقوب يبدأ إرتفاعها عن سطح البحر من 300 متر لتصل الى 1500 متر ما يعني ان فيها من التنوع والإنتاج الزراعي إضافة الى الأعشاب البرية الكثير وبينها ما قل مثيلها لما فيها من متممات غذائية وصحية ما يجعل منها بستاناً كما تقول أم شادي "ماجدة غانم قمرة" من كفرشوبا: "في البداية كنت أحضر مونة الشتاء لعائلتي فقط ولكن اليوم ونظراً للطلب على الغذاء الطبيعي الخالي من أي مركبات كيماوية، أصبحت وبشكل تدريجي أبيع ما يفيض عندي من المونة للمغتربين من أبناء البلدة والجوار وللمقيمين منهم في المدن، وبسبب إحترافي لهذه المهنة أصبحت أشارك في المعارض".

وتؤكد قمرة التي أصبحت تعرف فوائد كل نوع من الزهور والأعشاب البرية وغير البرية، أن كل ما تحضره من أنواع المونة هو من أرضهم الزراعية وما تنتجه البراري المحيطة بالبلدة وهي غنية بالزهور والزعتر البري والقبار، وتتحدث عن "فوائد صحية جمة خاصة وأننا في منطقة جبلية ولم يصلها التلوث".

ام شادي التي تحول منزلها الى شبه مصنع ومعرض في الوقت عينه، لا تجد الوقت للصبحية وجلسات المساء التي تكثر في القرى، تعاونها في "المونة" عائلتها من صغيرها إلى كبيرها وهي مؤلفة من ستة أفراد، فهي تشجع كل ربة منزل على الاعتماد على نفسها في تحضير مونة منزلها وأن تكون طبيعية خاصة وأنه من السهل تعلم ذلك والحصول على المواد الأولية اللازمة لتحضير المونة وهي بسيطة جداً.

وتلفت الى أنها تصنع الصابون من زيت الزيتون البلدي "وهذا مكلف ولكن بما أني أصبحت أمتهن هذا العمل فهو سيعود علي بمردود جيد".

وتدعو مؤسسات المجتمع المدني والسلطات المحلية في القرى والبلدات الريفية الى تشجيع هذه الصناعة وإقامة معارض ودورات تدريبية لربات المنازل لما لذلك من مردود مادي وغذائي وصحي لكل أفراد العائلة.

من جهتها الحاجة أم علي (80 سنة) من كفرشوبا معتادة منذ صباها على تحضير مونة الشتاء وتعتبر أن "البيت اللي ما في خزانة للمونة هو بيت فقير خاصة في فصل الشتاء الذي تكثر فيه الثلوج ويصبح الوصول الى محل السمانة صعباً خاصة لكبار السن". وهي تقدم ما تحضره من مربى التين والمشمش والكرز وشراب الرمان والكشك واللبنة وأنواع الكبيس لأولادها وأحفادها المغتربين الذين يأتون اليها في الإجازات الصيفية، وبذلك تحافظ على دور الجدة التي يحن الأحفاد لتناول ما تصنعه يداها من خيرات أرضهم التي أبعدتهم عنها قساوة الأيام.

أما أم رواد "ليلى خير الدين" من بلدة إبل السقي، التي تستفيض بشرح طرق تحضير كل نوع من أنواع المونة، فتأتي الى بلدتها كل صيف للقاء الأهل والأحبة بعد طول غياب وتقول: "الخير بالضيعة كتير وكله طبيعي خاصة وأن تحضير المونة من عادات أهل القرى ونحن مهما بعدنا نبقى نحن اليها ويشدنا الحنين الى ترابها وخيراتها". وتضيف: "لذلك تجدنا في كل صيف نحضر الكشك والزعتر البري واللبنة وغيرها من المربيات بنفس الطريقة التي تعلمناها من أمهاتنا وجداتنا لتكون زادنا وزوادنا للشتاء الذي نمضيه في المدينة، وفي ذلك توفير وغذاء وصحة لأولادنا في وقت بات كل شيء مغشوشاً وغير مضمون خاصة المواد الغذائية".

وتؤكد أم رواد أن تعلم تحضير المونة ليس صعباً وبإمكان كل ربة منزل أن تتعلمه وهي بحاجة الى القليل من الصبر والجهد والقليل من المصاريف والنتيجة.. الكثير من التوفير".


تعليقات: