دولارات النازحين السوريين: مصدر رزق غير لائق لمصرف لبنان

سلامة يستعمل دولارات النازحين لتمويل السوق (علي علوش)
سلامة يستعمل دولارات النازحين لتمويل السوق (علي علوش)


أُخرِجَت إلى الواجهة، على صيغة إشكال، قضية المساعدات المالية المباشرة التي يحصل عليها النازحون السوريون بالدولار. تلك المساعدات كانت تُدفَع بالدولار بشكل مباشر، ووافقت الأمم المتّحدة على تحويلها إلى الليرة وفق سعر صرف الدولار في السوق، بالاتفاق مع وزارة الشؤون الاجتماعية على جدول شهري يحدّد قيمة المبلغ المدفوع بالليرة.

تَغَيَّرَ الموقف فجأة، وأرادت الأمم المتحدة إعادة دولرة المساعدات، فدَبَّ الخلاف بوضوح بين وزارة الشؤون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي استندَ المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان عمران رضا (ريزا)، إلى موقفه الداعم، ليُعلِنَ قرار الدولرة من دون الاتفاق مع وزارة الشؤون.

إلى جانب السجال المتعلَّق بالآلية الإدارية لإعادة النظر بتفاصيل الدولرة أو عدمها، إلاّ أنه يفتح النقاش حول مسار تلك الدولارات واستفادة مصرف لبنان منها. وانطلاقاً من ذلك، يُصبح لقرار الدولرة أبعاداً تطال الاقتصاد اللبناني ولا تنحصر باستفادة النازحين.


الدولارات لدى مصرف لبنان

يحصل النازحون على جملة من المساعدات العينية والمالية، التي بدورها تنقسم بين مساعدات نقدية تأتي لسدّ حاجات محدَّدَة، كدفع أجرة السكن، وأخرى تصرفها الأسرة بحرية تامة، وهي عبارة عن 25 دولاراً، كمبلغ مقطوع لكل عائلة، مهما بلغ عدد أفرادها، يضاف إليها 20 دولاراً عن كل فرد، لغاية 5 أفراد كحدّ أقصى. أي تحصل العائلة على 125 دولاراً شهرياً. وحسب وزارة الشؤون الاجتماعية، تغطّي المساعدات النقدية المباشرة 230 ألف عائلة.

يصل المبلغ العام إلى مصرف لبنان، فيحتفظ بالدولارات ويُفرِج مقابلها عن ليرات حسب قيمة الدولار في السوق. وهذه العملية "تشرِّعها" مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية. إذ تشير في حديث لـ"المدن"، إلى أنه "من حقّ لبنان الاستفادة من تلك الأموال، وهو حقّ تستعمله الدول المستضيفة للنازحين، مثل الأردن وتركيا والعراق. إذ تقتطع جزءاً من الأموال كضريبة استهلاك لإدارات ومؤسسات الدولة التي توصِل المساعدات للنازحين. فهناك عمل إداري واستهلاك لمقدّرات المؤسسات لإتمام العمل".

ملايين الدولارات دخلت إلى المصرف المركزي، على الأقل منذ أيلول 2021، وهو التاريخ الذي يتبنّاه وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجّار، كحدّ زمني فاصل لما يقع ضمن مسؤولياته وما قبل تولّيه الوزارة. وتلك الدولارات يُفتَرَض أنها دخلت إلى الاقتصاد اللبناني عبر تغذية السوق بالعملة الخضراء من خلال منصة صيرفة "إذ أصبحت من ضمن موجودات المصرف المركزي"، وفق ما يقوله الاقتصادي روي بدارو في حديث لـ"المدن".


دليل على العجز

اضطرار المركزي للاستعانة بتلك الدولارات، يعني أنّه يتّكىء على مساعدات النازحين "لتغطية عجز الدولة عن طَلَب المساعدات بصورة لائقة"، على حد تعبير بدارو، الذي يرى أن "على الدولة اللبنانية اتّباع الأصول لطلب المساعدات". وأحد تلك الأبواب هو صندوق النقد الدولي. لكن طرق ذلك الباب مرهون بإنجاز الإصلاحات، وهو أمر غير وارد في حسابات الدولة، فيبقى أمامها "التذاكي على الأمم المتحدة للحصول على الدولارات عبر تبديلها بالليرات، وهي طريقة غير لائقة للمصرف المركزي أيضاً".

يُصِرّ حجّار على استمرار العمل بالصيغة الحالية. وتراجعَت الأمم المتحدة عن قراره الدولرة مؤقّتاً، وسيقبض النازحون مساعداتهم لهذا الشهر بالليرة وفق سعر السوق. لكن الملف لم يُقفَل هنا، فثمّة ضوء أخضر خارجي بالدولرة الكاملة، ما سيحرم المصرف المركزي من مصدر أساسي للدولار الطازج شهرياً، وستتراجع قدرته على تأمين الدولارات.

إلى جانب ذلك، سيُحرَم المركزي من دولارات إضافية، إذ أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، كانت قد طرحت في وقت سابق زيادة التمويل لمواجهة تداعيات استمرار الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع، وطرحت إعطاء كل عائلة مبلغاً شهرياً مقطوعاً بقيمة 40 دولاراً بدل 25 دولاراً.

تتمسّك وزارة الشؤون برفض الدولرة. إلاّ أن القرار النهائي ليس بيد الوزارة، بل بيد الأمم المتحدة التي تنظر إلى الطريق التي سيفتحها ميقاتي مباشرة نحو مصرف لبنان، الذي لا يملك خياراً سوى القبول بالتخلّي عن مكتسباته. وليس مستبعداً أن تؤدّي خسارة رافدٍ أساسي للدولار النقدي، إلى بعض الاختلاف في حجم الدولار المؤمَّن للسوق، فينعكس ذلك بقليل من الارتفاع في سعر الدولار، إلاّ إذا عاجَلَ المركزي بتغطية النقص ليضمن استقرار الدولار، لكن سيكون ذلك على حساب احتياطه.

تعليقات: