فيلم فرنسي يكسر القاعدة: «حزب الله» ليس إرهابياً!

هل حزب الله منظّمة إرهابية؟ أمضى جان ــ فرانسوا بواييه شهراً في بيروت بحثاً عن إجابة. والنتيجة ريبورتاج ينسف كثيراً من الأفكار المسبقة التي تستبدّ بالإعلام الغربي. الفيلم الذي شارك في إعداده ألان غريش، يُعرض على قناة «فرانس 5» في الذكرى الأولى لحرب تموز

كان الصحافي الفرنسي جان ــ فرانسوا بواييه سعيداً صبيحة مغادرته لبنان أول من أمس. سعادة لا يحسن التعبير عنها إلا إعلاميّ حظي بمقابلة مع الأمين العام لـ“حزب الله” قبل ساعات من سفره، وخرج منها بمعلومات جديدة يرفض الإفصاح عنها، ويرفض الإفصاح عن الترتيبات التي سبقت اللقاء، “لأنني لست عميل استخبارات”.

جاءت مقابلة حسن نصر الله لتشكّل آخر العناصر التي يحتاج إليها في فيلم وثائقي يعدّه عن “حزب الله”. هذا الفيلم الذي ولدت فكرته خلال “حرب الصيف” الأخيرة، كما يسميها، وتبلورت بعدها... هناك سؤال كان يطرح نفسه بإلحاح على جان ــ فرانسوا: كيف ولماذا تتبنّى غالبية وسائل الإعلام الأوروبيّة والأميركية، من دون مراجعة أو تدقيق، تهمة “الارهاب” التي ألصقتها وزارة الخارجية الأميركية بـ“حزب الله”؟ التضليلات الإعلاميّة التي يتعرّض لها الرأي العام الغربي أثارت آنذاك اهتمام بواييه، وزميله ألان غريش (“لو موند ديبلوماتيك”). يقول جان ــ فرنسوا: “أثار فضولي أن يكون زعيم مسيحي مهمّ مثل ميشال عون قد وقّع تفاهماً مع حزب الله، على رغم كل الفوارق بين الطرفين، وأن عدداً من منتقدي الحزب سياسياً يعترفون بأنه حركة مقاومة”.

والأهم أن جزءاً مهماً من الرأي العام الفرنسي والأوروبي، يطرح أسئلة عن هذا الحزب من دون أن يكون متاحاً له الحصول على إجابات حقيقية لها: “من المكسيك حيث أقيم، ومن باريس حيث يقيم ألان غريش، بدأنا نجري الاتصالات لمعرفة إن كان حزب الله مستعداً للمشاركة في إعداد ريبورتاج تلفزيوني من 52 دقيقة يسمح بالإجابة عن هذه الأسئلة”. استدعى هذا الأمر سلسلة اتصالات استغرقت أربعة أشهر، اتُّفق خلالها على توفير المقابلات اللازمة، “منها أن يكون متاحاً لنا الدخول إلى مدارس ومستشفيات تابعة لحزب الله، وأن نصوّر الجبهة الجنوبية حيث خيضت المعارك، وأن نحصل على أفلام وصور قديمة تروي قصة الصراع بين المقاومة واسرائيل”. وتضمن الاتفاق وعداً بمقابلة مع الأمين العام لحزب الله.

وصل فريق العمل إلى لبنان في 3 آذار الماضي. وحصل على كلّ المقابلات والصور التي طلبها “وعلى إجابات واضحة عن عدد كبير من الأسئلة، أهمها ما يتعلّق بتمويل حزب الله”. وبعد شهر من العمل، يعتقد بواييه أنه بات قادراً على تقديم إجابة واضحة عمّا يكون حزب الله، وأن يواجه الجمهور الذي تكيّف وعيه مع مجموعة من التهم الجاهزة والأحكام المسبقة: “أهمها أنه ليس تنظيم “القاعدة”، وأنه قادر على نسج علاقات مميزة مع مواطنيه من طوائف مختلفة وحتى مع تيّارات علمانية... باختصار، لقد وجدنا عدداً من العناصر التي تتيح لنا القول إن الصورة التي يقدمها الإعلام الأميركي وجزء كبير من الإعلام الأوروبي عن حزب الله ليست صحيحة”.

هذه الخلاصة سيقدّمها بواييه إلى المشاهد الأوروبي من خلال مقابلات أجراها مع حلفاء وخصوم للحزب، ومن خلال صور التقطها في مؤسسات حزب الله. ويشرح: “صوّرت مثلاً في مدارس الإمام المهدي حيث توجد على الجدران صور للسيّد حسن منفرداً، وأحياناً برفقة آيه الله خامنئي، وملصقات عن المقاومة وتحرير الجنوب... إذا توقفنا عند هذا الحد، يمكن بسهولة مطلقة أن يُسقط المشاهد على مدارس المهدي صور مدارس المقاتلين في أفغانستان أو باكستان. لكن عندما نذهب أبعد من الصورة، نكتشف أن الواقع مختلف، لأن المناهج المعتمدة هي نفسها المناهج اللبنانية... والأطفال يتعلّمون في كتب غير مطبوعة من جانب حزب الله. حتى التعليم الديني يبدو محدوداً جداً”. هذا المثل الذي يقدمه بواييه يسمح له بالقول إنه: “حتى لو كان حزب الله حركة إسلامية، فلا علاقة لممارساته ونهجه بسلوك المنظمات الأصولية المتعارف عليها حول العالم”.

على الصعيد الشخصي، تعرّف جان ــ فرانسوا بواييه أكثر بالحزب: “يختلف عن كثير من المنظمات العسكرية التي تعرّفت إليها وخصوصاً في ما يتعلّق بالطابع الأمني. لم أتعرّض مرة لاحتياطات أمنيّة، وإجراءات محاطة بالسريّة، من النوع الذي تعرّضت له هنا. وأعتقد أن هذا أحد أبرز أسباب نجاح حزب الله”. ويذهب أبعد من ذلك إذ يفترض أن هذا السبب هو الذي أسهم في انتشار صورة خاطئة عن الحزب في العالم: “يقدّم الحزب نفسه كمنظمة مغلقة، وهذا منع الكثيرين من التعرّف به. ربما لو حظيت مؤسسات إعلامية أميركية بالفرصة التي حظينا بها، لاستطاعت أن تقوم بهذا النوع من العمل التوضيحي”.

لكن الصحافي الستّيني الذي يتابع عن كثب قضايا العالم الثالث منذ سنوات طويلة، يبدو متشائماً حين يلاحظ التغييرات الجذريّة التي طرأت على المشهد الصحافي العالمي: “هناك سلالة من الصحافيين الغربيين المعنيين بقضايا العالم الثالث في طريقها إلى الانقراض... لقد تغيّرت المعايير والقيم والمصالح والمشاريع. ذلك أن معركة أيديولوجية كبيرة نشبت، خسرها المهتمون بهذا النوع من القضايا”. ويبقى أن الوثائقي سيعرض على شاشة «فرانس 5»، في ذكرى مرور عام على الحرب “52 دقيقة وقت طويل يتسع لشروحات وبراهين... قد تزعزع أخيراً بعضاً من الأحكام المسبقة التي تتحكّم بنظرة الفرنسيين وغيرهم إلى هذه المنطقة المعذّبة من العالم”.

تعليقات: