موظّفو «العقارية» يبتزّون الدولة: العودة إلى العمل مقابل إغلاق ملفّ الفساد


يمتنع موظفو عقاريات جبل لبنان (بعبدا، الشوف، عاليه والمتن) من العودة إلى العمل، إلا في حال تعاملت معهم الدولة على قاعدة «عفا الله عما مضى»، وإسقاط حقّها في محاسبة الفاسدين منهم


تسعة أشهرٍ مضت على توقّف أمانات السجلّات العقارية عن العمل، في كل من بعبدا والشوف وعاليه والمتن، بعد حملة توقيفات نفّذتها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وطاولت حوالي ثلثي موظفي العقاريات بتهم تقاضي رشوة وإثراء غير مشروع. أدّى ذلك إلى تواري بعضهم، فيما خضع الجزء الأكبر للتحقيق القضائي وصدر قرار ظني قضى بإخلاء سبيلهم لقاء كفالاتٍ مالية، ومنع مزاولة العمل لأربعة أشهر، وسلك الملف مساره القضائي نحو محكمة الجنايات للبتّ به لجهة تثبيت الجرم على المرتكب أو تبرئة متهمين.

مع انقضاء الأشهر الأربعة جدّدت وزارة المالية محاولاتها لإعادة ضخّ الحياة في السّجلّات العقارية التي تُعتبر مورداً مهماً للخزينة، نظراً إلى ما ترفدها به من مبالغ سنوية قُدّرت عام 2017 بـ700 مليون دولار، وبلغت في عام 2022 نحو 1500 مليار ليرة، مع اعتماد دولار «صيرفة» لتخمين العقارات، بألا يقلّ مردود الدوائر العقارية في حال عودة العمل إليها عن 300 مليون دولار سنوياً.

جهود إعادة فتح الأبواب، اصطدمت بعملية مساومة يطرحها الموظفون الذين زار ممثلون عنهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل، وطلبوا ضماناتٍ بعدم توقيفهم مجدداً، ما يعني ذلك عملياً تدخّلاً سياسياً لدى وزارة العدل لإنهاء الملف القضائي في محكمة الجنايات.

وفي المعلومات، أنّ ما سمعه الموظفون من الخليل لم يكن إيجابياً، باعتبار أنّ «الإدارة لا يمكنها منح مثل هكذا تعهّد»، أما ميقاتي فعلمت «الأخبار» أنّه أجرى اتصالاً بوزير العدل هنري خوري لـ«حلّ الملف»، وتفيد مصادر بأنّه اقتصر على «حثّ القضاء الإسراع في البتّ بالقضية».

كذلك طالب الموظفون باسترداد الكفالات التي دفعوها عند إخلاء سبيلهم، علماً أن القانون لا يسمح بذلك إلا في حال قضت محكمة الجنايات ببراءة المتهم. وهم في الأصل لم يعودوا إلى العمل، متحصّنين قانونياً بإضراب رابطة موظفي الإدارة العامة الذي جاءهم على «طبقٍ من فضة». يبدو أنّ الموظفين يدركون جيداً حاجة الإدارة إليهم، ومعنى مرور نحو عام على إقفال السجلات العقارية وتوقّف كلّ عمليات شراء العقارات وبيعها، وتضرّر جزء من عمل المحامين والمهندسين ومخلّصي المعاملات، فضلاً عن الضرر اللاحق بالخزينة. ولذلك يساومون الدولة على حقّها في محاسبة الجاني.


300 مليون دولار هو المردود المتوقّع من الدوائر العقارية سنوياً


مشكلة أخرى على الإدارة حلّها لتسهيل إعادة فتح السجلّات العقارية في جبل لبنان، تتمثّل بالشغور الكبير الناجم عن استقالة عدد من الموظفين وتواري آخرين عن الأنظار. ومن ضمن الخيارات التي درستها وزارة المالية الاستعانة بموظفين من السجلّات العقارية في المحافظات الأخرى، والاتفاق معهم على عملٍ إضافي «Over Time» في سجلّات بعبدا وعاليه والشوف والمتن، مقابل تقاضيهم بدل أتعاب ونقل. إلا أن ما حال دون التنفيذ هو حاجة مثل هكذا طرح إلى سلفة خزينة تُقرّ بمرسومٍ يصدر عن مجلس الوزراء، وهو ما لم يحصل حتى الآن.

وبمعزل عن طريقة تدبّر «المالية» أمرها، فإن الثابت في كل تصوّراتها للحل هو أن يكون فتح الدوائر على مرحلتين: في الأولى يتم إنجاز الملفات المتراكمة قبل الإغلاق والتي تخطّى عددها الـ60 ألفاً، على أن يتم في المرحلة الثانية استقبال الطلبات الجديدة.

ad

وإلى جانب عقاريات جبل لبنان، بقيت السجلّات في كلّ من زحلة وبعلبك وعكار مغلقة أيضاً، إما التزاماً بإضراب الرابطة احتجاجاً على قيمة الرواتب المتدنية، أو بسبب الشغور الهائل كما في عكار، حيث إنّ استمرار «العقارية» هناك بات «على المحك» بحسب معنيين، يراهنون على عودة العمل انطلاقاً من منتصف آب في السجلّات الثلاثة. عملياً، وحدها دوائر بيروت والجنوب العقارية تعمل يومين في الأسبوع لإنجاز التراكمات واستقبال معاملات جديدة.

عودة إلى الصفحة الرئيسية

تعليقات: