المثليون واللاجئون والأعداء المصطنعون: شذوذ السياسة اللبنانية

اختراع الأعداء والدخول في نزاعات مصطنعة (Getty)
اختراع الأعداء والدخول في نزاعات مصطنعة (Getty)


بشكل مفتعل وواضح، لجأت القوى السياسية والطائفية المختلفة، إلى رفع شعار "محاربة المثلية" في لبنان، ووضعها في سياق تهديد المجتمع، والوصول إلى التفكك العائلي أو الأسري! اقتضى ذلك عقد اجتماع وزاري في المقر الصيفي للبطريركية المارونية، فيما تعقد اجتماعات متوالية "لمواجهة هذا الخطر الداهم".

تبدو القضية، وبغض النظر عن الرأي فيها، والانقسامات حولها، واعتبارها مسألة "تتعارض مع الطبيعة"، أو تنطوي على "خلل فيزيولوجي أو نفسي"، إلا أن اصطناع حالة الحرب معها يهدف إلى تحقيق أهداف وغايات سياسية قبل كل شيء. وغالباً ما تلجأ مثل هذه القوى أو السلطات أو الأنظمة إلى اختراع عدو جديد تجتمع عليه الفئات الشعبية أو الاجتماعية بلا نقاش، فتعيش "صراعاً وجودياً" مفتعلاً، الغاية منه تبرير أي استمرار لممارسة التسلط.


التحكم بالناس

فالتصدي الذي تقوده السلطة لهذه المسألة، ينطلق من عمل سياسي واضح، ولا علاقة له بجوهر هذه القضية، بل موضوعه هو موضوع السلطة وبلوغ التحكم بحياة اللبنانيين ذروته، من خلال التحكم بحياة الناس الخاصة. وهو له مدى أبعد يتعلق بمنع التمردّ على السلطة أو على النظام، بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى لقمع الناس. وهو ما يشبه إلى حدّ بعيد ما حصل في موضوع الأموال المنهوبة، والاتجاه من نهب المال العام إلى نهب المال الخاص، أي ودائع الناس، وصولاً إلى رهن المال الخاص على المستوى المستقبلي.

فمن خلال النظام المصرفي والمساس بالاحتياطي الإلزامي، كان نهب المال الخاص.. مع استمرار هذه العملية بالمفرق عبر فرض خوات على الكهرباء، والاتصالات، والتعليم والصحة وغيرها. والآن، يتم المسّ بحياة الناس وخياراتهم وأجسادهم، وهو ما يرتبط بالمصير السياسي والثقافي. ما يعني أن الطبقة السياسية لم تكتف بالتحكم بالمعيار السياسي والمالي، بل طاول التحكم بالجوانب القضائية، والجوانب الشخصية والحريات الفردية. وهو ما تشهد عليه البلاد، من خلال الاستمرار بتعطيل حياة الناس ثقافياً أيضاً.


إحباط الناس

هذا كله كان له ممهدات كثيرة، فهو تماماً يشبه المزيد من الحملات الأمنية أو القضائية ضد ناشطين أو صحافيين، وحالياً يتم اختيار موضوع قادر على جمع السلطة مع القوى الاجتماعية التقليدية بشكل كامل: موضوع المثلية. من أجل أخذ الجمهور إلى نوع من التماهي مع هذه التعديات والحملات التي تشن على أي قوة اجتماعية يمكن أن تحدث تأثيراً فعلياً، بالمعطى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي،. وكله يندرج في سياق الدفاع عن السلطة أو عن المواقع فيها. وبالتالي، هذا ينطلق من ممارسة سياسية مهمتها إحباط الناس، ومنعها من التفكير في الدفاع عن حقوقها. لا سيما أن كل هذه الحملات تتزامن مع صدور تقارير جنائية مالية، وسط تعطيل تام لعمل القضاء سواءً في قضايا مصرف لبنان أو القضايا المالية أو حتى قضية تفجير مرفأ بيروت، وبروز عثرات سياسية أمام إعادة تجديد التعاقد السياسي بين هذه القوى.


اختلاق عدو

في العام 1989 ولدى الوصول إلى حقبة الطائف، وبمعيار الوصاية السورية، تم الاتفاق على "عدو" واحد تمثل باللاجئين الفلسطينيين، والذين تم تحميلهم مسؤولية الحرب والصراعات اللبنانية، في أكبر دليل على تجاوز الأسباب الحقيقية للحروب بين الشعوب اللبنانية. وفي تلك الفترة تم رفع شعار منع التوطين أو رفض التوطين للاجئين الفلسطينيين، مقابل ارساء التسوية السياسية وإعطاء نوع من ترضية معنوية للمسيحيين والموارنة، بمنع التوطين، وإلغاء العد. بعدها تماماً، كانت حملات ضد عدو وهمي أسموه "عبّاد الشيطان"، ومنع أنواع من موسيقى الروك، بالتزامن مع البطش بالعونيين والقواتيين.

حالياً، هناك محاولة جديدة إلى جانب كل هذه القضايا التي تتم إثارتها، لجمع اللبنانيين على موقف موحد، ويعطى ذلك عنوان "جمع اللبنانيين على القضية اللبنانية". ويخلص المنظرون إلى هذه القضية، بتحميل مسؤوليات كل الإنهيار وتداعياته للاجئين السوريين. إذ تعمل مجموعة لبنانية على تحشيد المواقف السياسية لمواجهة اللاجئين في إطار جديد للتعمية على المشاكل الأساسية التي تحدق بالبلاد، وحصرها باللجوء السوري، ومن بين الأفكار المقترحة لجمع اللبنانيين على قضية واحدة، هو مسعى يستسهله منظرو هذه الفكرة بأن يتم تحميل اللاجئين بشاحنات ونقلهم إلى داخل الحدود السورية، وتركها هناك، ما يجبر الأمم المتحدة على بناء مخيمات لهم.

أهم ما تمتهنه هذه القوى، هو بيع الأوهام والمتاجرة بها، من انتظار النفط والغاز، أو انتظار تغير الظروف الإقليمية والدولية، مروراً بالانتصارات على التنظيمات الإرهابية، ووصولاً إلى محاربة المثلية أو الاتحاد في مواجهة اللاجئين السوريين، وإلقاء كل أعباء وموبقات السلطة السياسية عليهم سواءً في لبنان أو خارجه، من سوريا إلى المجتمع الدولي ككل.

إنها حقبة جديدة، من اختراع الأعداء والدخول في نزاعات مصطنعة، لن تكون غايتها سوى ممارسة المزيد من الضغط في سبيل تفكيك البنى الاجتماعية القادرة على التأثير سياسياً، لحصرها في جوانب اجتماعية لا تتجاوز الزواريب التي يظنها هؤلاء أنها طرقاتهم لبلوغ التكامل السماوي!

تعليقات: