تلزيم امتياز كهرباء زحلة: من التحذير إلى مخالفة القانون

المواطنون يؤيدون بقاء كهرباء زحلة لأنها تؤمّن لهم التيار 24 ساعة (المدن)
المواطنون يؤيدون بقاء كهرباء زحلة لأنها تؤمّن لهم التيار 24 ساعة (المدن)


أكثر من محطّة تمديد مرَّ بها ملف امتياز شركة كهرباء زحلة، إلى أن استقرَّت الرحلة النهائية عند شهر آذار 2023. ولخلافة الشركة الحالية، فتحت مؤسسة كهرباء لبنان باب تقديم العروض لمناقصة "تلزيم الخدمات الكهربائية ضمن نطاق امتياز زحلة السابق". وموعد التقديم تأجّل أيضاً، وصولاً إلى الموعد النهائي المفترض حتى 25 تشرين الأول المقبل.

الامتياز الذي تعود فصوله من الفكرة حتى التدشين إلى ما بين العامين 1907 و1927، أعطى لمدينة زحلة وجوارها كهرباء بمعدّل 24 ساعة يومياً، على عكس باقي المناطق اللبنانية. فكان بذلك جزيرة داخل الدولة، بفرمان عثماني. وفي عهد الدولة الحالية، تُحَضَّر الأرضية لتثبيت أمرٍ واقع بعيد من القانون والدستور. والغريب أن مَن أصدَرَ كتباً ترفض الأمر الواقع، يستعد ليشرعنه قريباً.


وجود غير قانوني

كان من المفترض بترخيص الامتياز لشركة كهرباء زحلة أن ينتهي في العام 2018. وقبل ذلك، وتحديداً في العام 2015، وجَّهَ المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك، كتاباً إلى شركة كهرباء زحلة، يؤكّد فيه أن وجودها غير قانوني. ومثله فعل وزير الطاقة الأسبق أرتور نظريان بين العامين 2015 و2016، وكذلك الوزير سيزار أبي خليل في العام 2017.

اعتبر الحايك في كتابه أن شركة كهرباء زحلة، لا يمكنها بيع انتاجها من الطاقة عبر مولداتها الخاصة، عن طريق استخدام منشآت الامتياز وخارج شروطه. وفي العام نفسه، أرسل نظريان كتاباً للشركة يؤكّد فيه أن "وزارة الطاقة والمياه، ترفض استمرار شركتكم، بوضعها القائم حالياً، قانوناً وتقنياً ومالياً وبيئياً". فالوضع الحالي للشركة "موازٍ لوضع أصحاب المولدات". وذهب الوزير حينها، بعيداً في رفضه لواقع الشركة، واصفاً إياه بـ"الحالة الشاذة".

موقف الحايك ونظريان، يمهّد الطريق لإنهاء عقد الشركة وتسليم منشآت الامتياز لمؤسسة كهرباء لبنان. وضمناً، طلب نظريان من الشركة، في العام 2016 "اتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي من شأنها تسهيل عملية الاستلام، وتزويد الوزارة بكافة العقود الجارية أو الملغاة، في إطار علاقات شركتكم التعاقدية مع الغير، لصالح نشاط الإمتياز وتسيير المرفق العائد له".

بالتوازي، تصدّى أبي خليل لرغبة شركة كهرباء زحلة بإنتاج وبيع كهرباء من مولّدات خاصة استُئجِرَت "من دون علم وموافقة وزارة الطاقة والمياه". وأبلغ أبي خليل الشركة في العام 2017 "تعذّر إجراء أي تفاوض معكم حول مشروعكم الخاص". وحسمَ الوزير الأمر بالقول أن "هذا المشروع يبقى مخالفاً لأحكام دفتر شروط امتيازكم وللقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.. فإنكم تبقون مسؤولين قانونياً ومالياً عن مباشرتكم والاستمرار بنشاطكم الخاص هذا وكذلك عن أية مخالفات أو تجاوزات ترتبت أو قد تترتب لاحقاً عنه".


استرداد الامتياز

البحث الحالي في ملف تلزيم "الخدمات الكهربائية"، يضع المطالعات التي قدّمها الحايك ونظريان وأبي خليل موضع التشكيك بصحّتها أو الإهمال عن قصد. والاحتمال الثاني هو الأصح، لأن مدّة عقد الامتياز انتهت، كما أن شركة كهرباء زحلة، تعدِّل في جوهر إشغالها للامتياز، وذلك عن طريق إنتاج الكهرباء من مولّدات خاصة، وليس شراء الطاقة من مؤسسة كهرباء لبنان.

ودخول المولّدات الخاصة إلى الامتياز، يحوِّل الشركة إلى صاحب مولّدات لا يختلف في مضمونه عن باقي أصحاب المولّدات المنتشرين على الأراضي اللبنانية. إلاّ أن كهرباء زحلة تحظى بمظلّة تشغيلها للامتياز، لتميِّز نفسها عن باقي أصحاب المولّدات. ومع أن أبي خليل حذّر الشركة من التبعات القانونية لتشغيلها الامتياز عبر مولدات خاصة، إلاّ أن شيئاً لم يحصل على الصعيد القانوني.

الغامض في الملف حالياً، هو استعمال عبارة "الخدمات الكهربائية" لتوصيف فحوى الخدمة التي سيقدّمها المشغِّل المستقبلي. لكن من غير المحسوم كيف سيتم إنتاج تلك الخدمة، مع أنها معروفة في السياق. ففي الواقع الحالي لإنتاج الطاقة من كهرباء لبنان، من غير الوارد اكتفاء المشغِّل الجديد بما تنتجه المؤسسة، فهل سيتم إنتاج الكهرباء من مولّدات خاصة؟ هو الخيار الأرجح.

حسمُ هذا الملف في السياق القانوني يبقى في يد هيئة الشراء العام. ولذلك، فإن التعاقد مع المشغِّل الجديد يجب أن يمرّ عبر إشراف الهيئة التي "تدرس حالياً ما توفَّر من معطيات حول الملف"، وفق ما تؤكّده مصادر متابعة للملف.

وتشير المصادر في حديث لـ"المدن"، إلى أن الهيئة "ستأخذ بعين الاعتبار الملاحظات والكتب التي أرسلها مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان ووزراء الطاقة السابقين". وإلى حين وضوح المزيد من التفاصيل، يبقى الحجر الأساس هو "عدم غطلاق أي مناقصة قبل استرداد الإمتياز".


رفض المولّدات الخاصة ثم القبول بها رغم مخالفة القانون والدستور، أمر ليس بغريب في لبنان، وكذلك تحضير الأرضية لاحتمال تلزيم المشغِّل نفسه عن طريق التذرّع بعامل الوقت وتسيير المرفق العام. لكن قَلبَ المعادلة سيكون بيد هيئة الشراء العام، ما لم تتدخَّل المعجزات السياسية كالمعتاد.

تعليقات: