صراعات داخلية وطموحات شخصية تزيد تراجع الدور السني

محاولات الغاء السنية السياسية تتواصل وسط غياب رئاسة الحكومة عن الحسم في الصراعات (علي علوش)
محاولات الغاء السنية السياسية تتواصل وسط غياب رئاسة الحكومة عن الحسم في الصراعات (علي علوش)


لا تخمد محاولات إنهاء "السنّة" سياسياً، إجتماعياً، ومؤسساتياً. طبعاً ليس المقصود بالإنهاء الإزالة من الوجود، إنما إعدام الفعالية والحضور والتأثير. في العنوان المعلن لتلك المعركة، والتي تعتبر جزءاً أساسياً من المعارك التي يشهدها لبنان والمنطقة، مواجهة "السنية السياسية" والتي اصطلح على تسميتها بالحريرية السياسية. كان اختزال السنّة بالحريرية محاولة لتلطيف تلك المعركة كي تظهر ضد مجموعة سياسية أو نهج سياسي، وليس ضد طائفة. لكن الخلاصة تمتد من بغداد إلى دمشق فبيروت، في إنهاك هذه الحواضر وجعلها إما "أهل ذمة" أو قوى إرهابية ومتطرفة. والأمر لا يقتصر على صراعات عسكرية أو سياسية فقط، بل يطال الجسم العميق في الدولة ومؤسساتها، وآخر ما وصلت إليه هذه الحروب هو انتقال التقاتل إلى داخل البيت الواحد في المؤسسات.

ويمثل الصراع الدائر بين وزير الداخلية بسام المولوي من جهة، ومدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان من جهة أخرى، وجها من وجوه "الحروب" الصغيرة التي تعكس بعضاً من أزمة أعم، ومحطة، في حقبة طويلة، من محطات التطويع.


بعد اغتيال الحريري

بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تلاه من اغتيالات، نشأ تحالف موضوعي بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، اتخذ سمة التحالف بين الموارنة والشيعة في مواجهة السنّية السياسية وإرث رفيق الحريري.

اغتيل السنّة، واغتيلت شخصيات مسيحية معارضة لمثل هذا التحالف، فيما تكاثرت عمليات تخويف المسيحيين من الإرهاب والتطرف في سبيل تعميق التحالف بينهم وبين حزب الله كمحارب للإرهاب وحام لهم ولوجودهم. ما بعد اغتيال رفيق الحريري، وبعد "انتهاء" موجة الإغتيالات نتيجة تفاهم سياسي، حصلت عمليتان قاتلتان: اغتيال اللواء وسام الحسن، واغتيال الوزير السابق محمد شطح. وكانت النتيجة المباشرة لذلك اغتيال العقل الأمني وذراعه المتمثلة بالحسن. واغتيال العقل والذراع السياسي والإقتصادي المتمثل بمحمد شطح. بعدها سلكت السنية السياسية مساراً مختلفاً في المقاربات السياسية والتحالفات.

ما بعد اغتيال وسام الحسن، والذي كان متعدد الأهداف، وهو إضعاف الدور الأمني السنّي، ومنع كشف المزيد من الجرائم والمكائد، كان لا بد من إيصال رسالة أساسية بأن من يخرج عن "الخطّ" سيلقى المصير نفسه، لا سيما أن عملية اغتيال الرائد وسام عيد في العام 2007 لم تؤد إلى النتائج المرجوة في وقف مسار التحقيقات أو البحث في سبيل كشف الجرائم.


دور مخفيّ للحسن

ومن الأسباب غير المعلنة وغير المعروفة لاغتيال وسام الحسن، أن العملية لم تكن فقط مرتبطة بكشفه شبكة "سماحة - المملوك" في إدخال متفجرات إلى لبنان والتحضير لعمليات اغتيال تستهدف مناطق مسيحية وتستهدف البطريرك الماروني بشارة الراعي واتهام "قوى إرهابية ومتطرفة بها".

الهدف الأساسي للاغتيال كان يتعلق بآلية عمل وسام الحسن لتلافي أي تمدد لقوى متطرفة من سوريا إلى لبنان. فبعد اندلاع الثورة السورية ومع بروز الجيش الحر، وعلى وقع تسويقات لبنانية لدخول خلايا إرهابية إلى لبنان وتحديداً بلدة عرسال، وقد كانت هذه الإتهامات مبكرة جداً في العام 2011، عمل الحسن على تأمين شريط أمني في مناطق سورية كثيرة لمنع تسلل ودخول أي تنظيمات إرهابية إلى لبنان، لا سيما أن هذه التنظيمات كانت في حالة مواجهة دائمة مع الجيش الحرّ. باغتيال وسام الحسن انهارت هذه المنظومة الأمنية التي كانت تشكل سداً أمام الإرهابيين، وتمنعهم من التسلل باتجاه الأراضي اللبنانية، وبعد انهيار المنظومة شرّعت أبواب لبنان أمام "الجهاديين" لزوم تلازم وحدة المسار والمصير.


المولوي - عثمان:انحدار وترهل

تُستحضر كل هذا التراكمات لدى مراقبة انفجار العلاقة بين وزير الداخلية ومدير عام قوى الأمن الداخلي. في مثل هذه الحالة، وانطلاقاً من كل ما سبق، لا يعود البحث عن الأسباب التفصيلية لهذا الصراع بالأمر المجدي، لأن النتيجة مستمدة مما تم إرساؤه سابقاً، وهي عبارة عن انتقال الصراعات إلى داخل البيت الواحد، والمؤسسة الواحدة، وهو ما سينتج مزيداً من الترهل والإنهيار والإنحدار، فيما قد يستدعي دخول مصلحين يتكفلون بالبحث عن تسوية للخلاف، وهو سيكون على حساب الوزارة، والمؤسسة، وحتى الطائفة ومواقعها.


ينجم الخلاف عن اسباب كثيرة، بعضها خلافات حول التشكيلات العسكرية، وبعضها الآخر تضارب في الصلاحيات، ونتيجة محاولات زرع الشقاق بين المديرية العامة وشعبة المعلومات، تلك الشعبة التي وصلت إلى مراحل متطورة ومتقدمة جداً، فيما تستمر المساعي لإضعافها وتسجيل الإختراقات فيها. أمام هذا الواقع، تسقط كل الإعتبارات والطموحات الشخصية أو غير الشخصية. خصوصاً أن من بين الأسباب المسّوقة لتنامي الخلاف، هو محاولات إقالة المدير العام، والصراع على تعيين البديل، في مقابل اتهامات تتعلق بالطموح للوصول إلى رئاسة الحكومة، وغيرها من مآلات نتيجتها ستكون إلحاق المزيد من الإنهاك في صفوف هذه الجماعة، التي تستهويها الخفّة، وتتغلب عليها طبائع الشخصانية، خصوصاً أن وزير الداخلية كان قد رفض منح الإذن للقضاء بملاحقة مدير عام جهاز أمني آخر بقضية تفجير المرفأ، بينما تثور لديه الحمية ويمنح الإذن لملاحقة مدير عام قوى الأمن الداخلي، لأنه منح الإذن لحفر بئر مياه ارتوازية.

كل ذلك يحصل في ظل غياب المرجعية الأكبر وهي رئاسة الحكومة عن التدخل لحسم هذه الصراعات، وهو ما يزيد انهياراً على الإنهيار.

تعليقات: