اللبنانيون قضاة وجلادون في الشوارع: انفجار العنف العمومي

الحساب والعقاب يحصل في الشارع (Getty)
الحساب والعقاب يحصل في الشارع (Getty)


في 19 أيلول الماضي تمكن عدد من شبان حوش الأمراء في زحلة من إلقاء القبض على أحد اللصوص، أثناء محاولته سرقة سيارة ليلًا. وقد عمدوا إلى تعليقه مربوطاً على عمود كهرباء، ونشروا صورته. الأمر الذي يبدو -حسب معلومات "المدن"- أنه استدعى رداً من "أصدقاء" الموقوف، الذين عمدوا إلى إطلاق النار على مركز لحزب القوات اللبنانية في المنطقة، لأن "الشبان" الذين قبضوا على اللص ينتمون إلى "القوات". وهذا ما وتّر الأجواء وانتشر الخوف من صدام مسلح.


المواطن صار حكماً وجلاداً

ليل السبت الأحد شهدت منطقة عرمون توتراً كبيراً وإشكالات متنقلة، إثر إقدام نازح سوري على طعن لبناني، ما أثار غضب الأهالي، الذين تحركوا لمحاسبة المتهم، فأحرقوا عدداً من الدراجات التابعة للنازحين في المنطقة، وهددوا بطردهم منها.

وحسب معلومات "المدن"، في النبطية، تم إلقاء القبض يوم الأحد على أحد المتهمين بالسرقة، من قبل المواطنين الذين فرضوا القصاص بأنفسهم، قبل تسليمه إلى الأجهزة الأمنية. والأمر نفسه حدث يوم الإثنين في سوق معوض التجاري، حين تمكن عدد من الشبان من إلقاء القبض على شخص أثناء محاولته سرقة احد المحال، وأيضاً تعرضوا له بالضرب والأذى الجسدي.

كل مظاهر تفكك الدولة هذه وغياب الهيبة تُشكل خطراً على المجتمعات المحلية. فحين تبدأ عملية "الأمن الذاتي"، ومن بعدها "القضاء الذاتي"، يعني أن عدالة الغوغاء ستحكم. فالمواطنون لا يكتفون اليوم بإلقاء القبض على المتهمين، سواء بالسرقة أو غير ذلك، بل يمارسون دور القاضي والجلاد أيضاً، وعلى نحو عنيف أغلب الأحيان. بل وقد يتخذ طابعاً إجرامياً.

أيضاً في وسط بيروت تظاهرة داعمة للحريات (بغض النظر عن السجال حول معنى "الحريات"). ما رأيناه عبر الفيديوهات يمثل استكمالاً لما نقوله أعلاه. فكيف يمكن تقبّل مشهد تعرض مواطن للضرب على يد مواطن آخر على مرأى من رجال الأمن. وماذا لو كان أي شخص منا في هذا الموقف؟

كذلك في اللبوة، ارتأت إحدى العشائر أن تقاتل "الجيش اللبناني"، بعد مقتل أحد أفرادها وجرح آخرين رفضوا الامتثال لحاجز الجيش من أجل تفتيش سيارته. وفي صور هُوجمت إحدى الاستراحات على البحر بسبب "حفل" قيل أنه لـ"المثليين". وكل ذلك وكأن لا وجود للدولة.


بين الأمن والقضاء ..

الاقتصاص من المتهمين من دون الرجوع إلى الأجهزة الأمنية، وتحصيل "الحق" بالقوة، وفرض الرأي بالسيف، يبدو أنه يتوطد في الحياة العامة اللبنانية، بما يدق ناقوس الخطر. فالضمانة لا يمكن أن تكون سوى بالدولة وأجهزتها التي تعاني من صعوبة التحرك والعمل، واكتظاظ السجون والنظارات، وغلاء كلفة المحروقات ما يؤدي إلى عرقلة عمل الأمن والقضاء، إلى جانب تقاعس بعض القضاة عن القيام بدورهم.

تكشف مصادر أمنية عبر "المدن" أن الوضع الاقتصادي الذي تعيشه الأجهزة الأمنية قد لا يظهر على أدائها بالسوء الذي هو فيه. فهي لا تزال تسعى لأن تكون حاضرة رغم كل العوائق، ومنها عائق الاكتظاظ الذي تعانيه نظاراتها وبطء العمل القضائي. مشيرة إلى أنها في بعض "المراكز" لا تستطيع استقبال موقوفين جدد، كما أنها أحياناً غير قادرة على إرسال دوريات لتسلم المتهمين بعد توقيفهم.

هذا الوضع يؤكده أحد القضاة الذين يشرحون عبر "المدن" صعوبات عملهم، فيقول: "الأسبوع الماضي كان يُفترض أن ينتهي العمل بملفات أربعة موقوفين، لكنني حضرت إلى المكتب ولم يتمّ "السوق"، أي جلب الموقوفين من النظارة إلى قصر العدل. وهذا ما يتكرر بشكل دائم، فتمر الأسابيع من دون أي إنتاجية. الأمر الذي يؤدي إلى تكدس الموقوفين".


سقط حقّ المحاكمة؟

كل هذه الأحداث تطرح تساؤلات جدية وأساسية. فبعد سقوط حق الحياة للمواطنين المعرضين للموت بسبب رصاص حزن أو فرح.. من يضمن حق المحاكمة للمتهمين بحال كان الاتهام والحساب والعقاب يحصل في الشارع؟ وأين القضاء؟ هل سقط المبدأ القانوني الذي يقول ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته؟ ففي إحدى حوادث الضاحية، حسب معلومات "المدن" تم اتهام أحد الأشخاص بانتحال صفة عامل في محل الانترنت لتحصيل الفواتير، وتم التشهير به والتعرض له، ومن ثمّ ثبُتت براءته. فمن يُعيد له حقه، ومن يُضرب ويُهان، من يحمي كرامته؟

تعليقات: