لبنان واحتمال الحرب: الجبهة الداخلية مهشّمة بانقسام سياسي حادّ

غياب أي خطة رسمية حكومية للتعامل مع أحوال الحرب (علي علوش)
غياب أي خطة رسمية حكومية للتعامل مع أحوال الحرب (علي علوش)


اتفق الإسرائيليون، موالاة ومعارضة، على قتل الفلسطينيين. فشكلوا حكومة "وحدة وطنية" من خلال دخول زعيم حزب الوحدة الوطنية الإسرائيلي المعارض، بيني غانتس، رغم كل الخلافات التي رافقت تشكيل الحكومة الحالية. فمكنت جبهتها الداخلية التي تتولى إدارة الحرب بكل تفاصيلها. والجبهة هنا مكونة من كل من يمكن أن يكون له علاقة بالحرب، سواء عسكرياً أو لوجستياً أو صحياً أو اجتماعياً.. وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عن الجبهة الداخلية اللبنانية ومدى حضورها واستعدادها لخوض أي حرب مقبلة بحال وقعت.


الجبهة الداخلية للعدو

تأسست قيادة الجبهة الداخلية للعدو الاسرائيلي عام 1992 في أعقاب حرب الخليج، بعد تيقن الاسرائيليين أن المواجهة تكمن أيضاً في الجبهة الداخلية. وهدفها "تشكيل ذراع وطنية لتحضير الدولة، مواطنيها، مؤسساتها، بنيتها التحتية والتشكيلات التنفيذية (أجسام الإنقاذ) الواقعة تحت تصرفها، لمواجهة الحالات الطارئة المختلفة، وتكوين ذراع وطنية لتشكيل وإرساء نظرية الدفاع والقتال المشترك، والتعامل مع حالات الطوارئ لدى كافة أجسام الانقاذ، والجهات المدنية والجهات العسكرية.

خلال تغطية الحرب على غزّة، كثيراً ما نقرأ أخبار عاجلة صادرة عن "الجبهة الداخلية"، حيث يوجد في الكيان ما يسمى بـ"تطبيق الجبهة الداخلية"، والذي يزود المستوطنين بتنبيهات، وتوجيهات ومعلومات مُنقذة للحياة عند وقوع الحدث، وذلك حسب موقع كل مستوطن، والمحدد على التطبيق.


ماذا عن لبنان؟

فور دخول العدو الإسرائيلي الحرب توجه رئيس الحكومة نحو معارضيه لتشكيل حكومة "وحدة وطنية"، وقد نجح في ذلك، فالأولوية لدى الموالين والمعارضين هي "كيانهم". لذلك تم التعالي على كل الخلافات، بينما في لبنان لم يحرّك الحدث بالمسؤولين ساكناً. فالفراغ الرئاسي مستمر، والحكومة "المعطوبة" تعمل على الصدمة بالحد الأدنى، والقوى السياسية تعيش أسوأ أيام خلافاتها، في ظل وضع اقتصادي هو الأسواً منذ أكثر من 30 عاماً.

منذ اللحظة الأولى لعملية "طوفان الأقصى" ارتفعت وتيرة الخلافات السياسية في لبنان بين فريق يدعو لمناصرة الفلسطينيين، حتى ولو كان الثمن دخول لبنان الحرب، وفريق يطلب تحييد لبنان، ويحمل حزب الله مسؤولية أي تصعيد. واتخذ الانقسام شكله التقليدي بين فريقي 8 و14 آذار، مع تباين للحزب التقدمي الاشتراكي الذي أعلن رئيسه السابق وليد جنبلاط "استعداده للوقوف إلى جانب الحزب والجنوبيين بحال الحرب".

بالنسبة إلى القوات اللبنانية، فلا وجود لجبهة داخلية لبنانية على الإطلاق. يؤكد مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في الحزب شارل جبور أن "لا وجود لجبهة داخلية اليوم في لبنان. فالبلد يعيش بظل أسوأ وضعية سياسية شهدها في تاريخه، إلى جانب الانهيار المالي غير المسبوق، والشغور المتمدد إلى كل مؤسسات الدولة اللبنانية، فلا يوجد رئيس للجمهورية، ولا يوجد حكومة أصيلة، بل يوجد ضغط كبير في ملف اللاجئين، ووضع معيشي مأساوي". داعياً عبر "المدن"، إلى "تحييد لبنان وعدم إقحامه في الحرب، وإلا ستكون كارثة لا توصف، والتخفيف من معاناة اللبنانيين لا إضافة المزيد من المآسي عليهم".

حسب مصادر الثنائي الشيعي، فإن الخلاف حول المقاومة ليس جديداً. ولطالما كان هناك نوع من اللا إجماع عليها وعلى سلاحها. وذلك "لم يمنعها من القيام بواجباتها". مشيرة عبر "المدن" إلى أن "قصر نظر البعض في لبنان هو من يجعلهم يظنون أن بالإمكان تحييد لبنان، خصوصاً أن البلد يقع في قلب المنطقة. وكل التغيرات فيها ستصبيه عاجلاً أم آجلاً".

وتضيف المصادر: "نحن ندفع اليوم ثمن رفض الحوار من قبل البعض. إذ كان بالإمكان أن ننتخب الرئيس ونشكل الحكومة، لولا تعنت الآخرين. لكن كل هذا لا يمنع اليوم أن يكون لبنان حاضراً لمواجهة أي تطورات على حدوده، وكلام رئيس المجلس النيابي نبيه برّي للسفيرة الأميركية كان واضحاً، بأن التصعيد إذا حصل فلن يكون لبنان سببه بل الاسرائيلي".

قطاعات تعاني وأخرى تستعدّ

تحتاج الحرب إلى المال، فكلفة الحرب في غزة بالنسبة للعدو تخطّت 4 مليارات دولار حتى اليوم، و"الجيبة" الأميركية مفتوحة للكيان لدعمه ومده بكل ما يلزم. لكن في لبنان ورغم تأكيد مصادر أمنية عبر "المدن"، أن "عقيدة الجيش اللبناني القتالية حاضرة بشكل دائم لأي مواجهة مع العدو الاسرائيلي"، إلا أن الوضع الاقتصادي الصعب للجيش وغيره من الأجهزة الأمنية لا يُخفى على أحد. وحسب معلومات "المدن"، فإن الجيش اللبناني يعتمد بشكل أساسي على الهبة القطرية من البنزين وكميتها 6 مليون ليتر، وينتظر المزيد من الهبات القطرية من مادتي المازوت والبنزين.

هذا بالنسبة للأجهزة الأمنية، أما القطاع الصحي، فحسب معلومات "المدن"، حصل لقاء الأربعاء بين نقابة المستشفيات الخاصة ووزير الصحة فراس الأبيض لمناقشة هذا الموضوع بالتحديد، وفي هذا السياق يؤكد نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون أن جهوزية المستشفيات لمواجهة أي حرب مقبلة ليست متطابقة، فبعض المستشفيات يمكنها أن تؤمن جهوزية أكثر من غيرها، كاشفاً عبر "المدن" أن النقابة تنسق مع وزير الصحة لتحديد جهوزية المستشفيات، وخلق شبكة من المستشفيات التي ستكون حاضرة وبالخط الأمامي للعمل، بحالة الحرب واستقبال الجرحى.

هذا، وكان وزير الصحة قد أعلن الأربعاء عن تبلغه من مسؤولي منظمة الصحة العالمية عن مساعدات فورية من الأدوية والمستلزمات ستصل للبنان خلال يومين، ما سيساعد على دعم القطاع الصحي في لبنان ورفع جهوزيته تحسباً لأي طارئ (راجع "المدن").

بالنسبة إلى الدفاع المدني اللبناني، الجهاز الأساسي في أي حرب مقبلة، فيمكن القول حسب مديره ريمون خطار، إن جهوزية الدفاع المدني لمواجهة الكوارث والمخاطر على اختلاف أنواعها، مؤمنة سواء أكان في حالات الحرب أو السلم. ولكن وفق الإمكانيات المتوفرة. مشيراً في حديث عبر "المدن" إلى أن عناصر الدفاع المدني يتواجدون في المراكز المنتشرة على كافة الأراضي اللبنانية طيلة أيام الأسبوع، وعلى مدار ساعات الليل والنهار، للإسراع في تلبية نداءات المواطنين والمقيمين على حد سواء.

ويضيف: "إن أبرز التحديات التي تواجهها المديرية العامة للدفاع المدني، التي يلقى على عاتقها مهام كبيرة، يمكن أن تتلخص بالنقص في العتاد والتجهيزات. ثمة نقص في الإطارات والخراطيم الضرورية لإخماد النيران، وسواها من المعدات. كما أن الآليات بمعظمها باتت قديمة العهد، وتحتاج إلى صيانة دائمة، بالإضافة إلى الأعطال الميكانيكية وعدم القدرة على تأمين التصليحات المطلوبة، إضافة إلى أزمة المحروقات. إذ يتم حالياً تزويد آليات الدفاع المدني بالمحروقات (بنسبة محدودة) من المحطات العسكرية التابعة للجيش اللبناني".


أزمات وملفات

كثيرة هي الملفات التي تضغط على الحكومة اللبنانية التي لم تضع في حسبانها وقوع حرب مع العدو الاسرائيلي. فملف النزوح السوري لوحده يشكل أزمة كبيرة، خصوصاً بحال قرر هؤلاء النزوح من مناطق تواجدهم في الجنوب أو بعلبك بحال وقعت الحرب.


وفي ملف النزوح الداخلي بحال الحرب، يذكر أن إسرائيل أخلت 50 بالمئة من سكان المستوطنات المتواجدة قرب الحدود اللبنانية، فيما تؤكد معلومات "المدن" غياب أي خطة رسمية حكومية للتعامل مع الملف. ويبدو أن الأمر متروك للثنائي الشيعي للتعامل معه، بظل تكاثر البيئات "غير الحاضنة" للنازحين، وكثرة الأحقاد بين اللبنانيين، وبين اللبنانيين والسوريين أيضاً، والتي يعلمها "الثنائي" جيداً. وبالتالي، فالسؤال هو كيف يمكن للبنان "المشرذم"، والغارق بأزماته السياسية العميقة صياغة موقف وطني وسياسة رسمية وشعبية واضحة لأي حرب محتملة؟

تعليقات: