بين موسميّ الصيف ورأس السنة: مَن سيأتي إلى لبنان؟

أقفلت المؤسسات السياحية دفاتر فصل الصيف على أرباح كبيرة (Getty)
أقفلت المؤسسات السياحية دفاتر فصل الصيف على أرباح كبيرة (Getty)


أقفلت المؤسسات السياحية حسابات موسم الصيف على أرباح مادية ومعنوية عوَّضَت الانكماش الذي عانته منذ بداية الأزمة الاقتصادية في العام 2019. فمع دولرة الأسعار انتعشت الحركة الاقتصادية، سيّما وأن انهيار سعر صرف الليرة شكَّل للسيّاح الأجانب وللمغتربين اللبنانيين فرصة لتوسيع هامش استهلاكهم بمعدَّل إنفاق أقل مقارنة بما كانوا ينفقونه قبل الأزمة.

لكن ما إن لملم القطاع السياحي موسم الصيف مع اختتام شهر أيلول، وأخذ يستعدّ بتوقّعاتٍ إيجابية لما قد يقدّمه موسم الخريف، لاحت في الأفق مخاوف اندلاع حرب في لبنان إثر الحرب على غزّة. ما دفع أهل القطاع السياحي إلى حبس الأنفاس وإطلاق العنان للخوف، وصولاً إلى نعي الموسم الخريفي. فمن سيأتي إلى لبنان في هذا الفصل، وما هو مصيره؟.


سياحة بإنفاق خجول

كل ما يأتي بعد شهر أيلول هو كسب إضافي للموسم السياحي. انحسار الموسم الصيفي بدأ في نهاية أيلول، بالتزامن مع تغيُّر الطقس وبدء موسم المدارس والجامعات في مختلف دول العالم. ومعه اقفلت معظم الاستراحات البحرية وتراجعَ معدّل الإشغال الفندقي وبيوت السياحة والشاليهات. وكان متوقَّعاً أن يبدأ موسم سياحي خريفيّ من منتصف شهر تشرين الأول الجاري، عماده الأساسي السياح من دول أوروبا الشرقية وبعض العراقيين والقليل من المغتربين اللبنانيين، على أن يستمر الموسم حتى كانون الأول المقبل، فيتَّصل بعيديّ الميلاد ورأس السنة، إذ ترتفع أسهم السياحة الشتوية، وإن كانت أعداد السيّاح أقل مما يسجّله موسم الصيف.

ومع أن الإنفاق في الموسم الخريفي خجول بالمقارنة مع ما يدرّه فصل الصيف، إلاّ انه يشكِّل دعماً للمؤسسات السياحية التي "تدفع أكلافاً مرتفعة خصوصاً الثابتة منها، مثل المازوت والمياه ورواتب العمّال والموظفين... وغير ذلك"، وفق ما يؤكّده نقيب أصحاب المؤسسات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر، في حديث لـ"المدن".

فصل الصيف بالنسبة للأشقر "أعاد لبنان إلى الخريطة السياحية"، وكان منتظراً أن يُستَكمَل المشهد بالسياحة الخريفية "مع احتمال تراجع الحركة بنسبة 10 بالمئة مقارنة مع السياحة الصيفية، لكن مع توتّر الأوضاع الأمنية جنوباً، من المنتظر أن تشهد المؤسسات السياحية صفر إشغال".

ورغم عدم وقوع الحرب في لبنان، إلاّ أن المؤسسات السياحية، بنظر الأشقر "بدأت تستنزف أرباحها التي راكمتها في الصيف. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه أو زاد الخطر، فسنخسر ما جنيناه".


مَن هم روّاد الخريف؟

خلق فصل الصيف استثمارات في القطاع السياحي، "خصوصاً في المناطق الريفية والنائية، بتسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما شجّع السيّاح الأجانب على القدوم إلى لبنان. وكانت تلك المناطق تتحضَّر لموسم الخريف مستفيدة من السياحة البيئية والدينية والرياضية".

بالتوازي مع روّاد تلك السياحة، يلفت الأشقر النظر إلى وجود "سياحة رجال الأعمال التي تنشط في هذه الفترة من السنة وقبيل نهاية العام. فهؤلاء يمثّلون كبار رجال الأعمال ومدراء وكالات الشركات العالمية الذين يأتون لزيارة صالات العرض وفروع شركاتهم في لبنان بالإضافة إلى وكلائهم الحصريين. ويأتون لتنظيم أوضاع الشركة والإطّلاع على كل جديد وعلى التحضيرات للعام التالي... وهذه السياحة ألغيت على وقع مخاوف بالحرب".


سياحة الحرب

الحديث عن الخسائر الشاملة قد يحمل بعض المبالغة، سيّما وأن الأرباح الصيفية كانت كبيرة، لكن تأثيراتها تتفاوت من مؤسسة لأخرى ومن منطقة لأخرى، بحسب الحجم والقدرة التشغيلية والأكلاف الثابتة وتوقّعات أصحابها لحجم الأرباح التي كانوا ينتظرونها. ومع ذلك، فإن بعض أصحاب بيوت الضيافة استفادوا من التهديد بخطر الحرب لتأجير بيوتهم بأسعار مرتفعة وتقارب أو تزيد أحياناً عن الكلفة المعتمدة في فصل الصيف. علماً أن طالبي البيوت هم نازحون لبنانيون هاربون من المناطق الجنوبية الحدودية. ويعلِّق الأشقر على هذه الظاهرة بأنها "حركة عرض وطلب موجودة في أي بلد وأي اقتصاد".

وعلى عكسه، أسف رئيس الاتحاد اللبناني للنقابات السياحية، علي طباجة، لـ"الاستغلال البغيض لدى البعض في العديد من المناطق تجاه رفع أسعار الشقق وبيوت الضيافة دون أي مسبب، لمجرد أن قسماً من أهلنا يتعرض للعدوان الإسرائيلي في البلدات الجنوبية الحدودية ويسعى لإيجاد أماكن أقل خطراً". ووضعَ طباجة هذا الأمر في خانة "الاستغلال الذي لا يقل خطورة عن العدوان الإسرائيلي" (راجع "المدن").

ورغم أن استغلال الحرب مذمومٌ أخلاقياً، إلا أنه في لغة الأرقام يشكِّل مورد رزقٍ يسمّيه البعض "سياحة الحرب"، خصوصاً وأن النزوح إلى مناطق آمنة في لبنان، قد يشكِّل مساحة للتعرّف على تلك المناطق وارتياد مؤسساتها وأماكنها السياحية.

تهديد الموسم الخريفي قد يشكِّل مفتاحاً لتهديد موسم عيديّ الميلاد ورأس السنة. وهنا تكمن الأزمة الكبرى، إذ ينتظر أصحاب المؤسسات السياحية والمطاعم والمحال التجارية تلك الفترة من العام لتنشيط حركتهم وزيادة مداخيلهم. وحتى اللحظة، هناك قلق وترقُّب لما سيحمله المستقبل القريب الذي قد لا يشجّع حتّى المغتربين، عللى زيارة بلدهم.

تعليقات: