سباق مع الوقت: إنقاذ لبنان وقيادة فلسطينية جديدة

التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان جدية (Getty)
التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان جدية (Getty)


وكأن اللافتة التي رفعها أهالي كفرنبل في إدلب عام 2012، وكتب عليها "يسقط النظام والمعارضة، تسقط الأمم المتحدة والجامعة العربية، يسقط المجتمع الدولي، يسقط العالم"، أكثر ما يعبّر عن ما يقوله الفلسطينيون اليوم، وأهالي قطاع غزّة خصوصاً. فهؤلاء الذين تعايشوا مع فكرة اللجوء والتهجير، ونشأوا على حكايات زمن نكبة الأهل والأجداد، ثم "نكسة" 1967 والاحتلال.. ها هم يعيشونها مجدداً، على مرأى العلم. إحدى أكبر عمليات التهجير في العصر الحديث، وفيها مشاهد تحاكي ما عايشه السوريون من قبل. بعد أكثر من شهر على المجازر، لم يجتمع العالم سوى على هدن إنسانية لساعات قليلة، وفق إعلان البيت الأبيض، غايتها تهجير من تبقى من سكان شمال قطاع غزة، فيما لا ضمانات على الإطلاق حول عودتهم وكيفية عودتهم، ولا ضمانات حول بقاء سكان جنوبي القطاع.


التغيير الديموغرافي

يعيش الشعب الفلسطيني نكبة جديدة، على وقع آلية تجزير إسرائيلية تحظى بغطاء دولي، فيما أصبحت الحاجة الماسة هي للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يمنع المزيد من عمليات التهديم والتغيير الديمغرافي، وربما لاحقاً ديمغرافية فلسطين كلها بما فيها الضفة الغربية. وهو ما سيؤسس لواقع سياسي جديد ينهي ما يسمى بحل الدولتين.

لا يزال الإسرائيليون يبحثون عن تحقيق أهداف عسكرية في القطاع ضد حركة حماس، فيما يحققون تقدماً ميدانياً يسهم في تقسيم القطاع وتقطيع أوصاله، من دون تحقيق الهدف العسكري المنشود حتى الآن. فالأهداف التي أعلنت سابقاً حول سحق حركة حماس وإنهائها عسكرياً وتدميرها سياسياً وإخراجها من القطاع، لا يبدو أنها قابلة للتحقيق. ولذلك تمارس تل أبيب أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني، لتصبح معادلة الخسارة جماعية على الرغم من صمود حماس.


وحش مجروح

بقدر ما يشبه واقع غزة مشاهد النكبة ومشاهد التهجير السورية، بقدر ما يبدو هناك تشابه مع ما جرى في بيروت 1982 من حصار خانق يفرض الجوع والعطش، فيما ترك الفلسطينيون وحدهم، بلا أي مقومات عسكرية خارجية تساندهم بشكل فعلي، وبلا أي رؤية سياسية من شأنها أن توقف آلة القتل الإسرائيلية. وهو ما لا بد من مسابقته للزمن خصوصاً مع انعقاد قمة عربية وأخرى إسلامية، لا بد لها أن تنجح في فرض شروط الهدنة الطويلة ووقف إطلاق النار حرصاً على ما تبقى من شعب فلسطيني وفلسطين.

أصبح وقف إطلاق النار واجباً، خصوصاً ان استكمال اسرائيل لعمليتها العسكرية والتهجيرية، وفي ظل عدم تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة داخل غزة، فإنها ستكون كوحش مجروح ربما يتحول إلى البحث عن أهداف أخرى. وحينها بنتيجة صراعات داخلية ومزايدات على نتنياهو أو بتوعدٍ بمحاكمته وسجنه، أو ربما قتله في الشوارع.. وبهدف إطالة أمد الحرب، فقد يلجأ إلى الإلتزام بدعوات كثيرة حول ضرورة شن ضربة عسكرية إستباقية وخاطفة في لبنان. وهذه قد لا تكون أهدافها إلحاق الخسارة العسكرية بحزب الله، إنما إحداث تدمير كبير في كل البنى اللبنانية.

فالضغوط الدولية والتحذيرات التي تصل إلى لبنان تشير إلى ضرورة الإلتزام الفعلي بالقرار 1701، أو أن التهديدات الإسرائيلية جدية. وربما كان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان أبرز من عبّر عن هذه المعادلة، بمطالبته نتنياهو بشن ضربة استباقية ضد حزب الله وإعادته إلى شمال الليطاني. وهذا ما ينص عليه القرار 1701!


رؤية سياسية شاملة

ثمة سباق مع الوقت، للوصول إلى وقف لإطلاق النار. وبالتأكيد، فإن كل المساعي العربية، ولا سيما القطرية بالتحديد، من خلال الجولة التي يقوم بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بالإضافة إلى اللقاءات التي عقدت بالدوحة، غايتها الوصول إلى وقف لإطلاق النار مقابل إطلاق الرهائن وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال، على أن تستكمل المساعي في سبيل وضع رؤية سياسية شاملة، تجنب القطاع المزيد من الجرائم، كما تجنب الضفة ولبنان أي مخاطر. علماً ان كل المجازر لن تنهي حماس عسكرياً ولا سياسياً. ولعل ما قاله وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أبرز توصيف، في اعتبار أن حماس فكرة والفكرة لا يمكن إلغاؤها.

في هذا السياق تطرح أفكار كثيرة لوضع برنامج متكامل للحل السياسي. أولها، اقتراح يقضي بإعادة ترميم القيادة الفلسطينية، مع فكرة تركز على تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، بالإضافة إلى إدخال بعض الشخصيات السياسية في حماس إلى منظمة التحرير، والتي يفترض بها أن تنتج حكومة جديدة تدعو إلى انتخابات نيابية خلال فترة ستة أشهر أو سنة كحد أقصى.

كما أن هناك قناعة عربية ودولية، بأنه لا يمكن اختزال الفلسطينيين بالرئيس محمود عباس غير مكتمل الشرعية، ولا يمكن لحماس أن تمثل الفلسطينيين أو تحاور العالم. لذلك يتم البحث عن إعادة تكوين شرعية جديدة، من بينها السعي للضغط في سبيل الإفراج عن الأسير مروان البرغوثي، بالإضافة إلى التعاون مع ناصر القدوة، وهو ابن شقيقة ياسر عرفات. كما أن هناك فكرة تشير إلى الإتجاه نحو صيغة تكنوقراط يعود فيها سلام فياض رئيس الحكومة السابق للعب دور أساسي. هنا أيضاً يحضر إسم نجل مروان البرغوثي المقيم في أميركا والمسؤول في صندوق النقد الدولي. فيما هناك مقترح ثالث يشير إلى ضرورة الذهاب إلى تشكيل إطار جامع للقيادة الفلسطينية تضم كل هؤلاء، وتشكيل حكومة يشارك فيها ممثلون عن حماس سياسياً، في صيغة تحاكي اتفاق وقف العمليات العسكرية في جنوب لبنان عام 2006 والقرار الدولي 1701.


هذا ما يفترض أن يتوازى مع الضغط على الأميركيين ومطالبتهم بإعداد خطة واضحة تتضمن الضغط على إسرائيل، تقضي بإستقالة حكومة بنيامين نتنياهو ومجانينه، والذهاب إلى تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على وقف الحرب والبحث في صيغ الحلّ.

تعليقات: