عدنان سمور: الرهاب الصهيوني من الفرح الفلسطيني


لأول مرة في تاريخ البشرية ، يتحول شعور مجتمع إنسانيٍّ بالفرح ، إلى سلاحٍ فتاكٍ بيده يحارب به عدوه ، وقد أبدع هذا السلاح شعب فلسطين العظيم ، الذي راح يُرعب عدوه ويقضُّ مضجع قادته ، وأجهزته السياسية والأمنية والعسكرية ، ويتسبب لهم بقلق وجودي عميق ، كلما شاهدوا الفلسطينيين يشعرون بالفرح والراحة والسعادة ، ولا شك بأنَّ هذه الظاهرة تحتاج منا إلى تحليل ودراسات معمَّقة ، لنتمكن من معرفة سبب شعور هذا الكيان بكل أجهزته بهذا الكم الهائل من الأذى والضعف والقلق ، كلما إرتفع منسوب السعادة والفرح لدى الفلسطينيين ، ولا شكَّ أن منشأ هذه الظاهرة كامن في مجموعة عوامل ، أحدها هو ما يحمله الفرح الفلسطيني من رمزية بالأمل بالمستقبل والأمل بالإنتصار ، وما يستبطن هذان الأمَلان من مؤشِّرات مرعبةٍ على الهزيمة التي يخبِّؤها المستقبل لمستوطني الكيان ، لدرجةِ أنه كلما إرتفع منسوب السعادة لدى الفلسطينيين ، كلما تسارعت وتيرة سقوط الكيان نحو الفناء المرتقب والمحتوم .

كما يمثل العقل الباطن الصهيوني المكوَّن من مجموعة تناقضاتٍ حادة وقاتلة ، عاملاً آخر مساعد على الذعر والقلق من الفرح الفلسطيني ، نتيجة تأسيس هذا العقل الباطن الصهيوني على كمٍّ هائلٍ من الظلم ، والإدعاء الباطل ، المجافي للحقيقة والواقع ، والمتناقض مع الفطرة الانسانية ، والذي أقحم الصهاينة أنفسهم فيه ، بتوريط وتآمر غربيَّيْن ، لغايات إستعماريةٍ إحلالية ، وجعلوا المؤشر الأبرز لنجاح مشروعم ، هو إبادة الشعب الفلسطيني للحد الأقصى الممكن ، وتدجين من تبقَّى من هذا الشعب ونجى من عملية الإبادة ، لذلك فإنَّ الفرح الفلسطيني ، خاصة للشريحة الفلسطينية المنخرطة في مشروع المقاومة المباشرة للعدو الصهيوني ، يحمل مؤشراً صارخاً بفشل المشروع الصهيوني في إبادة الشعب الفلسطيني وإبادة روح المقاومة لديه ، وفي ذلك تهديد لبقاء الكيان وديمومته .

لقد مثَّلت عملية تبادل الأسرى بعد عملية طوفان الأقصى ، بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية ، ضربة قاسمة للصهاينة ، بما حملته من رسائل فرحٍ فلسطيني ، فرحاً خارجاً من عمق الوجع والمعاناة ، ومن عمق الموت والدمار والحصار والقصف الخالي من أي رحمة إنسانية ، والتي مارسها الصهاينة ، وقام بتغطيتهم فيها غربٌ جماعيٌّ مجرم ومتوحش تتزعمه أميركا عدوة السعادة الإنسانية ، ورغم أنَّ الفرح الفلسطيني ممزوجٌ بكل ما سبق من المآسي ، فقد تحسَّس الكيان الصهيوني منه ، وحاربه بكل ما اوتي من روح إجرامية ووحشية ، بدأً من مهاجمة منازل العائلات التي سيتحرر أفرادٌ منها ، وقيامه بطرد الجيران والأقارب والأصحاب الذين جمعهم الشوق للمحرَّرين ، وليتشاركوا معهم فرحة الحرية من ظلم وتنكيل وتعذيب السجَّان الصهيوني الذي لا يعرف للرحمة معنى ، كما قاموا بتهديد المحررين من الإدلاء بأي تصريح للصحافة ، يظهر شعورهم بالإنتصار والتحدي للمحتل ، تحت طائلة إعادة إعتقالهم ، وقاموا بالتنكيل بالأسرى في سجونهم بقسوة قبل الإفراج عنهم بعد عملية طوفان الأقصى ، ليقتلوا روحيتهم ومعنوياتهم ، ولكن رغم كل هذه الإجراءات والتهديدات ، تمكَّن الفلسطينيون من إنجاز عرسِ تحرير وطنيٍّ لأسراهم كامل الأوصاف ، فعمَّت الفرحة والبهجة شوارع بلدات ومدن الضفة الغربية وغزة ، كما عمت الفرحة كل أحرار العالم ، الأمر الذي زاد شعور الكيان بالهزيمة والخيبة واليأس ، وأشعر قادة الكيان بأن كل إستخدامهم المفرط للقوة والدمار والقتل في غزة والضفة ، فشل في تيئيس الفلسطينيين وهزيمة إرادة الحياة والمقاومة لديهم ، وجاء فرح الفلسطينيين في تحرير ابنائهم ، بمثابة إعلان إنتصارهم على عدوهم ، إضافة لمؤشر الأمل بالإنتصارات النوعية الآتية، التي يبشر بها هذا الإنتصار في المستقبل الآتي.

لفلسطين المبدعة ، تنحني القامات تقديراً وإعجاباً وحباً ، كيف لا وفلسطين هذه هي التي قاتَلَت منذ بدء الإحتلال بمظلوميتها وحزنها وصمودها ، وذاكرتها وحجارتها وشجرها ، ودخان إطارات آلياتها ، وانفاقها ، وغضبها ومقاليع أطفالها ، وبشهادتها وجراحها وضحاياها ، وركام منازلها ومساجدها وكنائسها ومخابزها ، وآبار مياهها ومستشفياتها ، وها هي اليوم تتوج إبداعاتها بتحويل فرحها وسعادتها إلى سلاحٍ نوعيٍّ فتاكٍ ، يهدِّد وجود عدوها ويؤسس لزواله وفنائه القريب ، وكأني بها وهي مصلوبة على خشبة الظلم الاممي الرسمي تستعين بابتسامتها ، لتهزم آخر ما تبقى من الصلف والعجرفة والتوحش الصهيوني الزائل ، لا محالة .

عدنان إبراهيم سمور .

باحث عن الحقيقة .

29/11/2023 .

تعليقات: