الجنوبيون يجمّدون حياتهم واقتصادهم: بانتظار الحرب أو عدمها

كل التوقعات تُشير إلى أن الأسوأ قد يقع (Getty)
كل التوقعات تُشير إلى أن الأسوأ قد يقع (Getty)


في الثامن من تشرين الاول الماضي تجمّدت نواحٍ عدة من حياة الجنوبيين، بفعل الحرب على الحدود مع فلسطين المحتلة. والبداية كانت من القرى الحدودية التي شهدت موجات نزوح كبيرة، ارتفعت وتيرتها مع ارتفاع وتيرة "الحرب"، حتى بات بالإمكان القول أن الحياة في القرى جنوب الليطاني، تلك المتواجدة على الحدود، تجمّدت بشكل كامل، وبنسبة أقل تلك الأبعد من حيث المسافة. لكن هذا لا يعني أن قرى الجنوب شمال الليطاني، لم تطالها تداعيات المعركة، ولو بشكل غير مباشر.


النزوح همّ كبير

أولى التأثيرات التي طالت القرى الجنوبية شمال نهر الليطاني كانت من خلال ملف النزوح. كان لافتاً في هذه المعركة حركة النزوح من الجنوب إلى الجنوب. وهو ما لم يكن بحسبان المعنيين في هذا الملف بالاحزاب الجنوبية الفاعلة. ويمكن القول إن الجنوبيين أظهروا روحاً وطنية عالية بمقاربة ملف النزوح، فلا يوجد مراكز إيواء سوى في مدينة صور، ونسبة ساكني هذه المراكز، من نسبة النازحين، لا تتجاوز 10 بالمئة، حسب رئيس جمعية "وتعاونوا"، عفيف شومان، التي تهتم بهذا الملف جنوباً.

لم تكن سهلة معالجة ملف النازحين، خصوصاً أن أكثريتهم الساحقة تسكن في شقق تم تقديمها مجاناً، وتحديداً من أولئك الذين يعملون في مجال تأجير الشقق المفروشة والشاليهات. ولكن مع مرور الوقت بدأ هذا الأمر يُثقل كاهل الجنوبيين، يقول أحد مالكي الشاليهات في محافظة النبطية، فيُشير عبر "المدن" إلى أن احداً لم يكن يتوقع أن تطول مدة الحرب هكذا، مشدداً على أن الأمر لا يتعلق بالرغبة في المساعدة وهي موجودة بشكل طبيعي، بل بالقدرة على ذلك، حيث توقفت الأعمال بشكل نهائي، واستمر "المصروف" الكبير الذي يمكّن ساكني هذه الشقق والشاليهات من الاستمرار في السكن.

تعب المالكين انسحب على النازحين أيضاً، فالمال المجمّع بحوزتهم انتهى، وأعمالهم متوقفة، وهذا ما يطرح تحديات إضافية على الجمعيات والأحزاب والدولة وأصحاب المبادرات الخاصة.


القرش الأبيض لليوم الأسود

"من الطبيعي للغاية أن يتسبب عدم الاستقرار الأمني بقلق أصحاب المشاريع أو المواطنين العاديين الذين يرغبون بشراء ما هو أكثر من طعامهم وشرابهم"، يقول حسن وهو مواطن يعيش في دير الزهراني في الجنوب، مشيراً عبر "المدن" إلى أننا "كعائلة جمدنا كل عملية الصرف التي لا تتضمن شراء الطعام والدواء، فكل التوقعات تُشير إلى ان الأسوأ قد يقع وعندها سنحتاج إلى كل "فلس" بجيبنا، فالوقت اليوم ليس لشراء الكماليات كالثياب ولا لتجديد السيارات ولا غيرها، فاليوم نعيش وفق قاعدة "خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود".

ليست المشاريع الصغيرة من تجمّد فقط، فهناك مشاريع بناء توقف العمل بها في قرى جنوبية بانتظار التطورات. وهنا ليس المقصود "الخوف" من الحرب، بل التنبه وعدم الاستهتار، يقول هـ. درويش وهو أحد العاملين في قطاع البناء والعقارات في النبطية، مشيراً عبر "المدن" إلى أن تجميد إنفاق المال هو أمر طبيعي في ظروف كهذه، فالاستثمار يحتاج إلى بيئة أمنية سليمة وآمنة، وما يجري اليوم يعني أن احتمالات الحرب كبيرة وخلال الحروب يتعطل الاستثمار.


أولويات الجنوبيين

عندما يُسأل الجنوبي عن حاله يقول "الحمد الله عم ناكل ونشرب"، فهمّ الأكل يطال الجميع والحاجة إلى الطعام لا تتعلق بغني وفقير، ولا بسلم أو حرب، لذلك فقطاع الطعام لا يتأثر كثيراً، وهذا ما يقوله علي، صاحب مطعم صغير في منطقة إقليم التفاح.

حسب علي، فإن الحركة تجمدت بشكل كبير خلال الأسبوعين الأولين من شهر الحرب، فالكل كان بحالة ترقب، ولكن بعد خطاب السيد حسن نصرالله الأول تبدل الحال، وخلال الهدنة في غزة وبعدها عادت الحركة إلى ما كانت عليه سابقاً، ربما لأن الجنوبيين اقتنعوا بأن الوضع الحالي قد يستمر، وأن احتمالات الحرب ليست كبيرة.

بالمقابل هناك أصحاب مصالح ينتظرون انتهاء الوضع الحالي بفارغ الصبر، ومنهم محمد الذي يمتلك محلاً لبيع الخرضوات، إذ انعدمت حركة البيع منذ تشرين الأول، كرد فعل طبيعي للجنوبيين إزاء الوضع الأمني، ومثله جيرانه في النبطية وزبدين وحاروف.

تعليقات: