من يطلق سراح تعويضات الأسرى المعوّقين من الماليّة

الأسرى المحررون من سجن الخيام
الأسرى المحررون من سجن الخيام


سبع سنوات مرّت على إقرار القانون 364 المتعلّق بالتعويض على الأسرى المحرّرين، ومن بينهم المصابون بإعاقات جسديّة جرّاء التعذيب في السجون الإسرائيليّة، وخبر التعويضات لمّا يأتِ بعد.

فوزارة الماليّة المكلّفة متابعة الملفّ لم تتحرّك حتّى هذه اللحظة. وما تزال حكاية التعويض أسيرة تأليف اللجنة المشتركة بينها وبين وزارة الصحّة العامّة لإثبات إعاقة هؤلاء الأسرى خلال التعذيب في السجون الإسرائيلية. وبانتظار قرار الوزارة، يقف مصير الأسرى المعوّقين على المحك. فمعظم هؤلاء لا يجد اليوم ما يسدّ الرمق للاستمرار في الحياة الطبيعيّة، بعدما عُطبت أجسادهم في أقبية التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

إذاً، سبع سنوات من المماطلة والتسويف، فيما أربعون أسيراً سابقاً، حسب إحصاء الجمعية اللبنانية للأسرى المحررين، ينتظرون الإفراج عن مستحقّات تأخرت من دون سبب واضح. من هؤلاء جهاد السعدي الذي ترك الأمر لله. لم يعد الرجل قادراً على المتابعة: فلم يعد يجد ما يضمّه إلى ذلك الملفّ الذي طلبته وزارة الماليّة، بعدما «انتفخ» من كثرة التقارير الطبّية التي تثبت إعاقته، كما يقول

لـ«الأخبار».

أثبت السعدي إعاقته، لكن لا يبدو أنّ وزارة الماليّة مستعدّة لتقبّل هذا الإثبات، وخصوصاً أنّ لائحة الشروط التي فرضتها للحصول على التعويضات، «تعجيزيّة» حسب الأمين العام لمركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب محمد صفا. فقد اشترطت «المالية» لتعويض مليونين ونصف مليون ليرة لبنانيّة عن كلّ سنة اعتقال لمن لم تتعدّ فترة اعتقاله سنة واحدة، و5 ملايين لمن أمضوا فترة اعتقال فوق 3 سنوات، إحضار تقرير طبّي من طبيبه المعالج في مستشفى.. «رامبام» في فلسطين المحتلّة! أما ما يمكن أن يحل محل هذه الورقة فقد يكون تقريراً من أحد المستشفيات اللبنانيّة التي كانت واقعة تحت الاحتلال، وأبرزها مستشفى مرجعيون. وفي حال عدم تأمين هذه الورقة، فمن الممكن استبدالها بورقة من الصليب الأحمر الدولي أو اللبناني، تثبت أنّ هذا الأسير عُطب أثناء وجوده في المعتقلات. طبعاً يضاف هذا إلى المستندات العاديّة من مثل إخراج القيد الإفرادي والعائلي وبطاقة معوّق من وزارة الشؤون الاجتماعيّة إن أمكن.

لكن، بعيداً عن المستندات الروتينيّة التي يمكن طلبها من أيّ شخص، «من أين أتت وزارة الماليّة ببدعة التقرير الطبّي الإسرائيلي»؟ يتساءل رئيس الجمعية اللبنانيّة للأسرى والمحررين عطا الله حمّود، «فهل المطلوب أن نأخذ شهادات من العدو لإثبات إعاقة الأسير كي يأخذ حقّه؟».

وبغض النظر عن الإجابة، من الواضح أنّ الأسرى السابقين غير قادرين، وحدهم، على تأمين هذا الطلب المستحيل. فقد تمكّن أربعة أسرى سابقين فقط، من تأمين تلك «الشهادة» عبر الصليب الأحمر الدولي، الذي استطاع سحب ملفّاتهم من إدارة المستشفى. إلا أنّ الصليب الأحمر لم يستطع فعل المزيد، مع العلم أن هذه المهمة لا تنضوي بأي شكل تحت بند مهماته. أما بالنسبة إلى المستند البديل، أي ورقة من سجلات الصليب الأحمر تثبت أن المعنيّ كان أسيراً وأنه تعرّض للتعذيب، فهي ليست متوافرة بكل الحالات. ذلك أنّ هذه الهيئة لم تكن قادرة في فترة الثمانينيات على زيارة المعتقلات، وبالتالي فإن الجميع غير موجود في ملفاتها. لذلك اقتصرت مساعداتها، من خارج مهماتها، على تأمين ورقة الإثبات من المستشفى الإسرائيلي لأربعة أسرى فقط. لكن، حتّى مع اكتمال ملفات هؤلاء الأربعة، إلا أن إعاقتهم لم تثبت للدولة اللبنانيّة. حيث إنّ اللجنة المكلّفة إثبات الإعاقة ما تزال أسيرة تقاذف وزارتي الماليّة والصحّة للملف. فهذا الأخير إلى الآن لم يثبت في أيّ من المكانين. ويعود آخر تكليف من «الماليّة» إلى «الصحّة» لدراسة هذا الملف إلى 22 آب 2005، حين طلب وزير الماليّة السابق جهاد أزعور من مجلس الوزراء «الموافقة على تكليف اللجنة الطبية في وزارة الصحّة للبتّ بطلبات الأسرى المعوّقين وترتيبها بالأولويّة في جدول خاص يُعتمد لتحديد من لهم الحقّ في التعويض استناداً لأحكام القانون».

فما كان من اللجنة الطبية لمتابعة شؤون موظفي ومتقاعدي الدولة في وزراة الصحة العامة إلا أن ردّت برفض تحمل مسؤولية الملف، لكونها لم تجد ما يحدّد دورها في القانون 364. هكذا، نفضت عنها المسؤوليّة بكتاب أرسلته في 29 تشرين الأوّل من عام 2005 إلى وزارة الماليّة، مستندة إلى النصوص القانونية والتنظيمية التي ترعى عمل اللجنة.

إذاً، لم تصل الوزارتان إلى قرار. ولئن كانت وزارة الماليّة تعزو سبب عدم تأليفها اللجنة إلى سوء الأوضاع الأمنيّة، حيث شهدت فترة البحث فيها اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من أحداث جسام، إلّا أنّ المتابعين للملفّ في كل من «حزب الله» و«حركة أمل»، لا يجدون مبرّراً لهذا التأجيل سوى «انحياز وزارة الماليّة إلى السلطة»، وخصوصاً أنّ معظم الأسرى «هم إمّا من فريق حزبي معيّن معارض للسلطة أو من طائفة» معينة، حسب الشيخ عطا الله حمّود.

لكن لا يبدو أنّ المشكلة تقف هنا. فالمعضلة الأخرى التي تواجه ملفّ الأسرى هي حصر التعويضات بـ25 أسيراً معوّقاً على قيد الحياة، إضافة إلى بعض من توفوا بسبب العطب الذي تسبب به تعذيبهم أثناء اعتقالهم، أو ما بعد إطلاق سراحهم.

ومع أن اللجان الأهلية المعنية بالملف لا تجد أنه يجب حصره بعدد محدد نظراً لأنه لا يزال هناك مفقودون في إسرائيل، إلا أنه حتى لو افترضنا أن العدد هو 25، حسب ما حددت حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري، يبقى سؤال عن مصير الخمسة «الفائضين» عن اللائحة «الرسمية».

يُضاف إليهم 10 آخرون لم يستطيعوا تقديم طلباتهم ضمن المهلة التي حدّدتها وزارة الماليّة بعد صدور القانون. وهنا، يشنّ محمّد صفا حملته على «القانون الزفت»، الذي لم يستند في تحديده لعدد المستفيدين إلى معلومات دقيقة، فاقتصرت مرجعية هذا التحديد على كلمة قالها رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري للأسرى المعتصمين أمام السرايا الحكومية أثناء مروره أمامهم عام 2000 «بس 25 شخص ولمرّة واحدة فقط»، استناداً بدوره، حسب مصادر مقربة من الملف، إلى رأي للنائب السابق ناصر قنديل خلال إحدى الجلسات.

لكن، وبغض النظر عن كل الثغرات التي أشرنا إليها، فحتى التعويض على 25 أسيراً محرراً معوقاً، لم يبت بعد. ذلك أنّ وزارة الماليّة لم تتحقّق بعد من إعاقة الأسرى، نظراً لعدم تأليفها اللجنة، ولم تحدّد أعدادهم، فكيف لها أن تمنحهم تعويضات؟ يبقى الأمل أنه إلى حين «تأكّد» الوزارة، أن يبقى هناك من «يخبرّ». فاليوم، نقصت اللائحة «مستفيداً» بوفاة الأسير المعوّق نصرات ناصر الدين، الذي مات ولم ير دولته تقدّر تضحيته وجروحه ولو بحفنة من الليرات.

بحثاً عن آلية لتنفيذ القانون

لم يكن القانون لينفّذ عند صدوره عام 2001، فقد افتقد لآليّة لتنفيذ، ما استدعى إصدار المرسوم الرقم 7879 بتاريخ 14/5/2002 لإثبات إعاقة الأسرى المحرّرين من خلال لجنة طبّية. صدر المرسوم، لكن لا تزال «الطاسة ضايعة». هنا، يلفت مصدر مطلع على الملف في إحدى الدوائر الحكومية إلى «أنّ وزارة الداخلية ولجنة الدفاع التابعة لقيادة الجيش والصليب الأحمر اللبناني، غير قادرة على إثبات الإعاقة، لأنّه لم يكن لها علاقة مباشرة بموضوع الأسرى». يبقى الصليب الأحمر الدولي، لكنه لا يستطيع الإثبات «ولن يفعل حتى لو كان قادراً، فهذه مؤسسة دولية، دورها تحديد مدّة الأسر». بعد ذلك لجأت الحكومة لتلزيم إثبات الإعاقة لاستخبارات الجيش، دون جدوى. هنا، عمد وزير الماليّّة آنذاك جهاد أزعور لإحالة الملف للجنة الطبّية في وزراة الصحة. ولكن حتى هذه، لم تجد ما يحدّد دورها في القانون 364، فنفضت عنها المسؤوليّة. ثم رست الحكومة على طلب تأليف لجنة مشتركة من وزارتي المالية والصحّة، وحتى الآن لا خبر.

تعليقات: