موديز تحسّن نظرتها المستقبلية إلى لبنان: استقرار في القاع

علامات استفهام حول دقة تقرير موديز (Getty)
علامات استفهام حول دقة تقرير موديز (Getty)


لا يمكن أن يمر تصنيف "موديز" الجديد للبنان وتحسين نظرتها المستقبلية للبلد من دون التوقف عنده. فالتصنيف الجديد وإن كان يحمل إشارات إيجابية، إلا أنه يدفع كل من يتابع تطورات الأزمة المالية في لبنان إلى طرح تساؤلات حول دقة التصنيف وجدارته.

فتصنيف موديز الإئتماني للبنان مستقر عند مستوياته الدنيا C إلا إن نظرتها المستقبلية تغيّرت من سلبية إلى مستقرة. في وقت تعجز فيه السلطات في لبنان من تحقيق خطوة واحدة إلى الأمام على مستوى الإصلاحات والخروج من الأزمة المالية النقدية المصرفية، التي وصفها البنك الدولي بالأسوأ على مستوى العالم.

3 سنوات مرت على إعلان لبنان قراره الرسمي بالتخلف عن سداد سندات اليوربوندز. ومذاك الوقت لم يتم التفاوض مع الدائنين على أي صيغة للسداد. كما لم يتم إحراز تقدم يُذكر على صعيد التفاوض مع صندوق النقد الدولي للإلتزام ببرنامج إصلاحي، ناهيك عن تدهور كافة المؤشرات النقدية والمالية منذ سنوات وحتى اليوم.


انهيار ما بعده انهيار

في ظل كل تلك المعطيات يصبح تحسين النظرة المستقبلية لإحدى وكالات التصنيف الإئتماني أمراً مستغرباً، وغير واضح لجهة الدوافع الاقتصادية العلمية. من هنا، يُعرب الخبير المالي والنقدي المتخصص بالتصنيفات الإئتمانية غسان شماس عن صدمته بما جاء في خلاصة تقرير موديز، وتحسين نظرتها المستقبلية لتصنيف لبنان، "فالوضع الاقتصادي والمالي والنقدي في لبنان لم يتغير. أما لجهة الديون، فلبنان لم يسدد ولم يتفاوض مع الدائنين على جدولة الديون. ولم يجر أي تفاهم مع اصحاب السندات" ويقول شمّاس "لا أريد أن أكون سلبياً لكن ما أعلنته موديز عن التصنيف والنظرة المستقبلية غير منطقي بالنسبة إلى الواقع اللبناني".

وإذ يلفت شماس في حديثه إلى "المدن" إلى أنه بتقرير موديز المذكور جرى رفع قيمة السندات السيادية بشكل هائل، علماً ان قيمة اليوروبوندز حالياً يساوي نحو 8 سنتات للدولار، يتخوّف من أن يكون هناك اجندات سياسية تجاه لبنان. فقد سبق لوكالات التصنيف الأميركية ان تلاعبت بتصنيف عدد من الدول لأسباب سياسية.

ويطرح شمّاس أفضل السيناريوهات بأن تكون وكالة التصنيف استندت في تصنيفها ونظرتها إلى معطيات مصرف لبنان، وأخذت بالاعتبار تحقيق مصرف لبنان تقدم على مستوى مالية البنك المركزي وتحسن بالاحتياطات، و"لكن هذا ليس كافياً ولا يبرّر ما جاء في تقرير موديز لجهة التصنيف ونظرتها المستقبلية للبنان". فلا يمكن تجاهل واقع الأزمة الحالية، يقول شماس.

يلتقي الخبير الإقتصادي والمالي غابي بجاني مع شمّاس، ويرى أن من المبالغة تحسين النظرة المستقبلية للبنان معتبراً في حديثه إلى "المدن" أن الاستقرار الواقع اليوم في لبنان هو الاستقرار على الانهيار. فالوصول إلى القاع ليس بعده انهيار. وعليه، قد تكون وكالة التصنيف استندت الى استقرار الوضع على الرغم من عدم إحداث أي تقدم على مستوى الحلول "فالاستقرار في هذه الحالة لا يعني أن هناك تحسّناً أو مؤشرات ايجابية، إنما عدم بلوغ مستويات جديدة من الانهيار".

ويذكّر بجاني بمفاصل الأزمة الاقتصادية الواقعة منذ سنوات، وعدم إحراز السلطة أية حلول، لاسيما بعد ان تعثرت وأعلنت تخلّفها عن سداد اليوروبوندز، من دون أفق أو رؤية واضحة للخطوة التالية. ويُضاف إلى كل ذلك، حسب بجاني، الفراغ السياسي والتخبط الحاصل اليوم على مستوى المؤسسات الدستورية، ما يعزّز نظرية الاستقرار في أدنى مراتب التصنيف حيث لا مرتبة أدنى عن ذلك.


قاع التصنيفات

يأتي تحسين نظرة موديز المستقبلية تجاه لبنان في وقت تستمر فيه باقي وكالات التصنيف الإئتماني، فيتش وS&P، بتصنيف لبنان عند أدنى المستويات عند SD. وهي حالة التعثر إلى جانب نظرتها المستقبلية السلبية، وهو ما يناقض تماماً ما خرجت به موديز.

وآخر تلك التصنيفات صدر في شهر آب الفائت عن وكالة S&P Global حين صنّفت الديون بالعملة الأجنبية للبنان عند "التعثر الانتقائي" مع نظرة سلبية.

وكانت وكالة موديز قد اوضحت في تقريرها حول لبنان "أن التوقعات المستقبلية المستقرة للبنان هي انعكاس لتوقعاتها بأن يظل التصنيف عند "C" في المستقبل المنظور". وهو ما يصفه مصدر مطلع على التصنيفات الائتمانية بـ"الإرباك في التقديرات"


ويقدّر التصنيف C بأدنى المراتب حسب تصنيفات موديز الائتمانية. وتعبر عن حالة التعثر مع احتمال ضئيل لسداد أصل الديون أو الفائدة.


مع الإشارة إلى أن أبرز معايير التصنيف الائتماني السيادي للدول التي تستند إليها وكالات التصنيف الدولية، هي المالية العامة للدولة، وتشتمل على الموازنة ونمو الناتج المحلي ووضع الديون الخارجية للدولة، ومعدل التضخم، وميزان المدفوعات، والتنمية الاقتصادية والتشريعات والقوانين وبيئة الأعمال، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتاريخ الدولة في التزامها بسداد ديونها والقطاع المصرفي، بالإضافة إلى معايير تظهر قدرة الدولة على الوفاء بديونها وسلوكها مساراً يضمن حقوق الدائنين.

وبالنظر إلى كل تلك المعايير، نجد أن لبنان أخفق في بلوغها جميعاً خلال الأزمة التي دخلت عامها الخامس، ولم يحقق أي تقدم في مسارات الإصلاح.

تعليقات: