يسوع لن يولد في قرى الجنوب الحدوديّة هذا العام


في ليلة الرابع من كانون الأول/ ديسّمبر، من كلّ عام، يحتفل المسيحيّون في لبنان والمشرق بعيد البربارة، ومنه تنطلق التحضيرات للاحتفال بعيد الميلاد في الخامس والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر، فتنصب أشجار الميلاد وتعلّق الزينة، ويدخل المسيحيّون في أجواء العيد بكلّ ما يرافقها من فعاليّات ونشاطات تخصّ الصغار والكبار على حدّ سواء.

لم يختلف الحال هذا العام في الكثير من المناطق اللبنانيّة، كالبترون وجبيل والأشرفيّة وغيرها المنتشرة في جبل لبنان والشمال والبقاع والشوف، فرُفعت أشجار العيد المزيّنة، وانتشرت القرى الميلاديّة التي تُسعد زوّارها، لكنّ الحال هذه لا تنطبق على القرى المسيحيّة في الجنوب، حيث لا تزال أصوات القذائف تغطّي على أغاني الميلاد وأجراس الزينة، ووميض الصواريخ الإسرائيليّة ونيرانها تطغى على “مصابيح العيد”.

علما الشعب، رميش، عين إبل، دبل، يارون ودير ميماس، القليعة وبرج الملوك، جديدة مرجعيون والبويضة وإبل السقي والخيام وغيرها الكثير من القرى الجنوبيّة الحدوديّة التي لن تعيش العيد في كنائسها وساحاتها وبيوتها هذا العام على جري الأعوام السابقة، أمّا القرى التي تقع في الداخل الجنوبيّ، فستُحييه منقوصًا، تضامنًا مع الجنوبيّين.


“هالسنة المسيح مش خلقان عنّا”

بحرقة يتحدّث رئيس بلديّة علما الشعب جان غفري عن موسم الأعياد في الجنوب هذا العام، فبعد أن أحيت هذه البلدة الجنوبيّة (التي تقع على بعد 110 كيلومترات من بيروت وارتفاع 400 متر عن سطح البحر، ويبلغ عدد سكّانها نحو 3500 مواطن)، عيد الميلاد في العام الماضي “باحتفالات استمرّت عشرة أيّام متتالية بتنظيم من نادي علما الشعب، لن تتمكّن هذا العام من عيش عيد الميلاد بأيّ شكل من الأشكال”.

ويقول غفري في حديث لـ”مناطق نت”: “للأسف، هذه السنة المسيح مش خلقان عنّا، خلقان من منطقة البيّاضة (صور) ونزول”، مشيرًا إلى أنّ “منطقتنا في حالة حرب، والذباب لا يستطيع أن يطير فيها. أمّا السكّان فقد نزحوا من البلدة ولم يبقَ فيها سوى نحو 40 عائلة، وهذه العائلات بقيت في منازلها لأنّها لا تملك حلًّا بديلًا”.


جان غفري: للأسف، هذه السنة المسيح مش خلقان عنّا، خلقان من منطقة البيّاضة (صور) ونزول. منطقتنا في حالة حرب، والذباب لا يستطيع أن يطير فيها. أمّا السكّان فقد نزحوا من البلدة ولم يبقَ فيها سوى نحو 40 عائلة”.

يؤكّد غفري “أنّ العيد لن يمرّ على أهالي علما الشعب، فمن بقي في القرية يعاني الأمرّين، ومن رحل لا طاقة له ولا رغبة لديه في التزيين ووضع الشجرة”.

هناك شبه إجماع بين كهنة الرعايا في الجنوب ورؤساء البلديّات والأهالي أنّ فرحة عيد الميلاد هذا العام تأتي غير مكتملة بسبب العدوان الإسرائيليّ على غزّة وعلى جنوب لبنان، وبحسب كاهن رعيّة بلدة رميش الأب نجيب العميل “فإنّ مظاهر الزينة لن تكون كما هي في كلّ عام، لأنّها بحاجة إلى المال، وأبناء رميش بلا عمل منذ شهرين تقريبًا، ولكنّنا وضعنا الزينة في داخل الكنائس، وفرق الكشّافة تطوّعت لتزيين ساحة الكنيسة”.

بالرغم من الخوف من هذا القصف المتواصل على محيط رميش وأطرافها، “لن تتوقّف الصلوات”، يقول العميل في حديث لـ”مناطق نت”، مشيرًا إلى “أنّ عيد الميلاد يرمز للسلام، وعندما وُلد السيّد المسيح، كما ورد في إنجيل لوقا؛ جاء ملائكة السماء يرتّلون منشدين: المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وبين الناس المسرّة، وهذا ما لن يتغيّر”. في رميش، لا يزال معظم السكّان فيها، ينتظرون العيد، لعلّه يحمل معه السلام والأمان.


حفاظًا على روحيّة العيد

في محافظة النبطية، وقضاء بنت جبيل تقع “دبل”، هي بلدة لا يزال حوالي ستّين بالمئة من سكّانها فيها، وستحاول بحسب رئيس بلديتها خليل حنّا “أن تُحيي عيد الميلاد بما تيسّر، وبحسب الظروف”.

بدوره يُشير أحد اعضاء المجلس البلدي يوسف فارس (ولم يزل يقيم في دبل)، إلى “أنّ الكنيسة ومن خلال الوَقْف فيها، تحاول تزيين الكنيسة وإقامة مغارة، لكن بالنسبة إلى تزيين الشوارع فهذا الأمر سيكون صعبًا لاعتبارات عديدة”.

ويقول: “في حال أردنا صرف المال فلن يكون على الزينة، بل على مساعدة السكّان على الصمود في هذه الظروف الحرجة، وكذلك لتأمين بعض الهدايا للأطفال بغية إسعادهم”. ويردف في حديث لـ”مناطق نت”: “إنّنا سنحيي العيد وروحيّته، لكن بطريقة رمزيّة، فلا الوضع النفسي يسمح، ولا الوضع المادّيّ كذلك”.


في محافظة النبطية، وقضاء بنت جبيل تقع “دبل”، هي بلدة لا يزال حوالي ستّين بالمئة من سكّانها فيها، وستحاول بحسب رئيس بلديتها خليل حنّا أن تُحيي عيد الميلاد بما تيسّر، وبحسب الظروف.

في القليعة جارة مرجعيون، “يبدو الوضع صعبًا على من بقي من الأهالي”، يقول “جوزيف” الذي عاد إلى بلدته لبعض الوقت، كي يتفقّد منزله وأحوال من بقي فيها، ثم يغادر بسبب استمرار الحرب. يؤكّد في حديث لـ”مناطق نت” أنّ البلدة “تشبه قرى الأشباح، خالية من الروح، وبالتأكيد لن يزورها عيد الميلاد هذا العام”. ثمّ يستدرك: “لكن وبرغم كلّ شيء نحاول في أماكن تواجدنا إحياء العيد لرمزيّته، وضرورة إحساس الأطفال في العيد ومعانيه”.


العيد منقوص شمال الليطانيّ

في قرى شمال نهر الليطاني، يستعدّ المسيحيّون لإحياء عيد الميلاد، ولو منقوصًا، بسبب ما يجري في الجنوب. ففي بلدة صربا (النبطية- إقليم التفّاح) بدأت الاستعدادات لاستقبال الأهالي الذين يسكنون بأغلبيتهم ومن سنوات طويلة في خارج البلدة، ويقصدونها لإحياء عيد الميلاد، كما في كلّ عام، فتمّ تركيب المغارة ورفع شجرة العيد وتزيينها.

في هذا السياق يُشير رئيس البلديّة المحامي الياس الحلو إلى “أنّ لبنان يمرّ هذا العام بظروف أمنيّة صعبة، كذلك تعيش غزّة المآسي، وهذا كلّه سيؤثّر سلبًا على “نفسيّة” الناس وحماستهم”، مشدّدًا في الوقت نفسه على “أنّ عيد الميلاد يحمل بمفهومه السلام، ويجب على الأطفال تحديدًا أن يعيشوا معاني العيد لكي يشعروا بالفرح، لأنّ مجيء المسيح يحمل الفرح للحياة”.


يأمل الحلو أن تعجّ صربا بالحياة يوم العيد، و”ألّا تكون الظروف الأمنيّة مانعة أهلها من زيارة بلدتهم وإحياء العيد فيها، كما يفعلون دائمًا”.


* المصدر: https://manateq.net

زينة العيد في إحدى كنائس بلدة عين إبل الحدودية
زينة العيد في إحدى كنائس بلدة عين إبل الحدودية


كنيسة التجلّي في رميش
كنيسة التجلّي في رميش


زينة الكنيسة في بلدة صربا تنتظر العيد والمحتفلين
زينة الكنيسة في بلدة صربا تنتظر العيد والمحتفلين


تعليقات: