جريمتا قتل في يوم واحد: المعدلات السّنويّة تتصاعد

جريمة بشامون
جريمة بشامون


لعلّ السّؤال الذي بات الأكثر إلحاحًا في الفترة الراهنة، لا يتوقف على التّساؤل الاستنكاريّ عن موقع "الدولة" وموقعها في كل ما يجري على أراضيها، والإهمال الجماعيّ للقانون كقوّةٍ تنظيميّة، وحمائيّة، وقضائيةّ، أكان من قبل المولجين بتطبيقه أو عامة الشعب. بل يتعدى ذلك، ليشمل البحث العميق عن مفهوم السّلطة (المعنويّة والماديّة) في وعيّ الشعب اللّبنانيّ، ومدى تأثيرها عليهم كعامل انضباطيّ ومدخلٍ لعقلنة هذا الوعيّ.

فمنذ اليومين، وبتاريخ 24 كانون الأوّل الجاري، وقعت جريمتان في محلتين وتوقيتين منفصلين، وبدواعٍ جرميّة مٌختلفة. وهاتان الجريمتان تمكنتا فعلًا من اجتذاب اهتمام الشارع اللّبنانيّ بالرغم من اعتياده بين الفينة والأخرى على أخبار الجريمة، وما تحملها من ملابسات مرّوعة ومؤشرة إلى واقع التّفلت الأمنيّ "الجنونيّ". كذلك بتزامنهما مع أعياد كانون الأول، ناهيك بالتّهافت المستمر لأنباء الجبهة الجنوبيّة. أما المفارقة، أن الجريمتين أحدثتا -ولو كانا يتسمان بطابعٍ فرديّ- انقسامًا بين صفوف المواطنين، متخذتين طابعًا طائفيًّا ومناطقيًّا ملموسًا ومتأججًا.


جريمة في بشامون

وفي تفاصيل الجريمة الأولى، التّي حصلت نهار الأحد الفائت، ما بين السّاعة الثانيّة والرابعة عصرًا، في محلة بشامون والتّي وقع ضحيتها الطفل خالد محمود حمد، البالغ من العمر خمس سنوات. فقد تبين حسب شهود عيان أدلوا بإفادتهم للقوى الأمنيّة، أن رجلين مجهولين حضرا حوالى الثالثة والنصف، إلى أمام مدخل المبنى الذي يقطن فيه محمود حمد (والد الضحيّة)، وقاما بالسّؤال عن مكان الأخير، ولدى معرفتهم بغيابه، قام واحدٌ منهم باقتحام المبنى، وإطلاق الرصاص باتجاه ابنه خالد، الذي أُرديّ قتيلًا على الفور بأربعة رصاصات، في جسده.

ووسط صرخات النّسوة المرتعبة واستنكار سكّان المبنى، ركض الجاني باتجاه السّيارة المُستأجرة من نوع Nissan Micra سوداء كما تبين في الفيديو الذي صوره أحد الجيران (رابط الفيديو)، فارين إلى منطقة مجهولة. وقد تبين لاحقًا، حسب تحقيقات مخابرات الجيش وسائر الأجهزة الأمنيّة التّي حضرت فور وقوع الجريمة، أن الجناة من آل نعيم من منطقة الناعمة جنوبي العاصمة، والداعي الجرميّ كان عمليّة ثأر عشائريّة. وفي اليوم التّالي، قامت قوّة من مخابرات الجيش بمداهمة منزل الجاني -مطلق الرصاص- الذي يقطن في حيّ المدارس في بشامون، أدّت إلى مقتله، أثناء مداهمته وما أعقبها من محاولته لمقاومة العناصر بالسّلاح. فيما يتوارى شريكه (الذي قاد السيارة) حسب المعطيات الأمنيّة عن الأنظار.


جريمة في الحازميّة

وبالتّوازيّ، وفي اليوم نفسه، انتشر فيديو يُظهر ضحية إطلاق عيار ناريّ مسجى على ناصية الأوتوستراد العام في الحازميّة - بعبدا، وقد ذُيل الفيديو بمعلومات غير دقيقة تفيد بأن مجهولَين قد تعرضا لسطوٍ مسلّح بغية النشل على يدّ شابٍ من آل عساف، فيما قاما بإطلاق النار عليه مردين إياه قتيلًا. ليتبين لاحقًا وحسب المعطيات الأمنيّة التّي حصلت عليها "المدن"، أن الجريمة التّي راح ضحيتها شاب من آل عساف ونجا منها شاب آخر من آل أمهز، قد نُفذت على يدّ عريفٍ في الجيش اللّبنانيّ، من آل المولى، الذي حاول الدفاع عن نفسه بعدما أقدم الشابين آنفا الذكر، على الاعتداء عليه وسرقته، والصعود باتجاهٍ معاكس، ليقوم العريف باللحاق بهما وإطلاق الرصاص، ليسلم نفسه لاحقاً إلى القضاء المختص.

اللافت بعد الحادثة، نشوب صدام بين العشائر البعلبكيّة الثلاث، إزاء الجريمة هذه وما يترتب عنها لاحقًا وحسب العرف العشائريّ ثأرًا، هو صدور بيان من آل المولى، كالتّالي: "نحن عائلة آل المولى، وعلى أثر الحادثة الأليمة والمؤسفة التي حصلت بين ولدنا، وبين أخويه من آل عساف وآل أمهز الكرام، وهي حادثة مؤلمة لأهل البيت الواحد بالدم والدين، نعلن أن الخسارة قد لحقت بنا جميعاً، وأن أي قطرة دم هي من جسدنا الواحد، كما ونعلن أننا الوحيدون أصحاب الشأن في إصدار أي موقف أو قرار، وأن أي كلام غير مسؤول لا يمثلنا بتاتاً. كما ونأمل من أهلنا وإخواننا من العائلتين الكريمتين أن لا يسمحوا للمصطادين بالماء العكر، أن يبثوا الفتن والأكاذيب، ونترك المسألة في عهدة القضاء ليأخذ القانون مجراه. ونحن وإخواننا في عائلتي عساف وأمهز الكرام، نشكل عائلة واحدة ودمنا واحد، ومصيرنا واحد".


مؤشرات أمنيّة تصاعدية

هاتان العينتان عن التّفلت الأمنيّ الحاصل، هما جزء من المؤشرات الأمنيّة التّي حافظت وعلى امتداد العام الحاليّ على وتيرتها التّصاعديّة، أكان من شهرٍ إلى آخر أو مقارنةً بالسنة الفائتة (فيما سُجل أول العام الحاليّ تحسنًا نوعيًّا، سرعان ما تراجع). إذ وحسب المؤشرات الأمنيّة الصادرة عن المديريّة العامة لقوى الأمن الداخليّ، لأول تسعة أشهر من هذا العام (مقارنةً بالعام الماضي)، سجل ارتفاع عدد القتلى بنسبة 2.6% (155 قتيلاً حتّى أيلول)، فيما ارتفعت نسبة حالات الانتحار بنسبة 26.7% (128 حالة). فيما تراجعت نسبة السيارات المسروقة بمقدار 6.7% وحوادث السرقة بنسبة 34.8% وحوادث الخطف مقابل فدية بنسبة 61.3%. على أن تصدر النتائج السّنويّة مطلع العام المقبل. هذا ويجدر التّذكير أن النسب والمؤشرات عادةً ما تكون تقريبيّة، ومرتبطة بالتبليغات أو بالجرائم التّي علمت بها قوى الأمن وسائر الأجهزة الأمنيّة.

تعليقات: