موسم النزوح يرفع الإيجارات بشكل خيالي: معاناة عائلة نازحة

طول زمن النزوح سبب وسيسبب أزمة كبيرة جداً (Getty)
طول زمن النزوح سبب وسيسبب أزمة كبيرة جداً (Getty)


اعتادت المناطق اللبنانية على انتظار مواسم الأعياد أو الاصطياف من أجل الاستفادة المادية، ولكن في منطقة صور يبدو أن "السماسرة"، وبعض أصحاب الضمائر الميتة، يريدون الاستفادة على ظهر المعذبين النازحين من قراهم بسبب الحرب. فحسب أحد السماسرة، ارتفعت الأسعار لأنه "موسم نزوح".

بهذه العبارة ووقعها الثقيل على الأذن والعقل والقلب توجه أحد السماسرة في منطقة صور إلى سيدة نزحت من بلدة بنت جبيل، كانت تحاول الاستفسار عن شقة مفروشة تسكنها، برفقة عائلتها المكونة من 5 أشخاص. إذ تُشير السيدة عبر "المدن" إلى أن أسعار إيجار الشقق المفروشة وصلت إلى ألف دولار للشقة العادية المكونة من غرفتي نوم، وإلى أكثر من ذلك بكثير للشقق الكبيرة، وسبب ارتفاع الأسعار هو "موسم النزوح".

مع بداية الحرب في الجنوب خرج أهالي القرى الحدودية إلى مدن الجنوب مثل صور والنبطية والقرى المحيطة بهما، كما توجه عدد آخر إلى صيدا والضاحية الجنوبية لبيروت. وكانت صور قد احتضنت العدد الأكبر من النازحين، حيث بلغ الرقم المسجل حتى اليوم في إدارة الكوارث الطبيعية في اتحاد بلديات قضاء صور حوالى 25 ألف نازح، وهناك أعداد غير مسجلة في المدينة وقضائها، تقدرها مصادر متابعة بحوالى 5 آلاف، تمكنت من استئجار الشقق، أو السكن لدى الأقارب.

تُشير المصادر عبر "المدن" إلى أن مراكز الإيواء الأربعة في المدينة تضم حوالى 15 بالمئة فقط من إجمالي النازحين، مشددة على أن استئجار الشقق المفروشة كان متاحاً في الأيام الأولى للحرب، وكانت الأسعار مقبولة وتبلغ حوالى 300 دولار أميركي للشقة المكونة من 4 أو 5 غُرف، ولكن اليوم بدأ المشهد يتبدل مع اقترابنا من دخول الشهر الثالث للنزوح.


غرفة النوم بـ500 دولار

"نبدّل شقة أو اثنتين في الشهر"، تقول السيدة عبر "المدن"، مشيرة إلى أن المرحلة الأولى لنزوحنا كانت ميسرة بعض الشيء، ولكننا جربنا كل أنواع الشقق المفروشة وغير المفروشة. ففي إحدى المرات، كنا في شقة أرضية غير مفروشة، دخلت مياه الأمطار علينا خلال الليل، فاستيقطنا في بركة سباحة، فتركنا الشقة، وبحثنا عن غيرها، علماً أن الشقة الأولى التي سكنّا فيها كانت بـ300 دولار، ولكن صاحبها قرر مضاعفة الإيجار، ومنذ منتصف شهر تشرين الثاني الماضي بدأنا نجد معاناة كبيرة في إيجاد شقة أولاً، ثم بأسعار الشقق ثانياً".

تكشف السيدة التي تسكن اليوم مع عائلتها في نصف شقة مفروشة في مدينة صور، هي بالأصل عيادة طبيب قرر الاستفادة من الظروف الحالية، وقسم الشقة إلى عيادة، ومكان للإيجار هو عبارة عن غرفة جلوس وغرفة نوم واحدة ومطبخ صغير وحمام. تقول: "إيجار هذه الشقة الصغيرة 500 دولار أميركي، و"كل شهر بشهره"، أي أننا اليوم فيها لكننا غداً قد نجد أن المالك قرر زيادة بدل الإيجار".

تُشير المصادر إلى أن أحزاب الجنوب تساعد النازحين في الحصول على شقق غير مفروشة، يتم تجهيزها بلوازم النوم وأغراض المطبخ. ولكن حسب هذه السيدة، فإنها وعائلتها غير قادرين على السكن بشقة لا يوجد فيها اللوازم الأساسية من غسالة وبراد وغاز وانترنت من أجل عمل أولادها ودراستهم، مشيرة إلى أن المسألة ليست بأسبوع أو أيام، بل أشهر، فكيف يمكننا السكن بشقق فارغة؟


يتركون منازلهم لتأجيرها

حسب معلومات "المدن" فإن بعض سكان صور ومحيطها قرروا الاستفادة من هذا الموسم. فهناك أناس تركوا شققهم لتأجيرها، خصوصاً أن الإيجارات باتت تطرق باب الألف دولار بسهولة، وهناك سماسرة نشطوا في تأمين الشقق مقابل ألف دولار ثمن الخدمة، على أن تكون أغلب الإيجارات شهرية، أي تجدد كل شهر وفق أهواء المالك.

تؤكد المصادر أن المساعدات التي يحصل عليها النازحون لا تشمل كل متطلبات النزوح، والأهم أنها لا تشمل بدل سكن، مشيرة إلى أن طول زمن النزوح سبب وسيسبب أزمة كبيرة جداً، بظل غياب الدولة والاكتفاء ببعض المساعدات عبر أشخاص أو أحزاب أو جمعيات، علماً أن السيدة تكشف عبر "المدن" تواصلها مع أحد مسؤولي الأحزاب في الجنوب، للطلب منه مساعدتها في تأمين شقة بإيجار معقول لعائلتها، فكان الجواب "اسكنوا في المدارس".

ليست كل أصابع اليد مثل بعضها. فكما هناك أناس ينظرون بعين الرحمة لإخوتهم النازحين، هناك أناس باعوا ضمائرهم مقابل بضعة دولارات يجنوها على حساب عذاب اللبنانيين. وهذه المشكلة مرشحة للتفاقم كلما طالت مدة النزوح، لأن أحوال عائلات كثيرة كحال عائلة السيدة التي تقول "كل ما جمعناه من أجل فصل الشتاء انتهى، ومع نهاية هذا الشهر سنُضطر للبحث عن بديل".

تعليقات: