لبنان: مليون مقيم ومواطن بلا أمن غذائيّ

فرنسوا رينارد: نساعد حوالى 1.7 مليون شخص في لبنان بصورة مباشرة (المدن)
فرنسوا رينارد: نساعد حوالى 1.7 مليون شخص في لبنان بصورة مباشرة (المدن)


الأربعاء 2024/01/17

لبنان: مليون مقيم ومواطن بلا أمن غذائيّ

increase

حجم الخط

decrease

مشاركة عبر

قد يكون السّؤال الأشدّ إلحاحًا في المرحلة الراهنة، لا يتوقف وحسب على إمكانيّة توسع رقعة الاشتباكات المُسلّحة بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيليّ وما قد يحمله هذا التّصور من أبعاد سياسيّة وعسكريّة قد تُعيد هيكلة وجه الإقليم والنّظم فيه. بل ما يؤرق السكّان فعليًّا، في أوّج محنتهم الوجوديّة هذه، وبانتفاء الأفق لتوقع أي سيناريو عسكريّ وترجيحه دون سواه (في ظلّ التسارع الدراماتيكيّ لمجريات الأحداث)، هو ذلك الأثر الاقتصاديّ والسّياسيّ والأمنيّ والزراعيّ للاشتباكات التّي حصلت بالفعل أو في طور الحصول، الذي بات من الصعب تداركه الفوريّ، مضافًا إلى سلسلة الأزمات اللامتناهيّة التّي تلف أعناق السكّان وتخنقهم تدريجيًّا. وبتجلي الغياب الرسميّ، وتأخر المعنيين عن الإتيان بأي خطّة تلاقي تطلعات السكّان المنكوبين، برزّت الحاجة إلى الدعم الإنسانيّ وتفاقم الطلب عليه، كبديلٍ للسلطة المتخاذلة.

وعليه، وفي سياق متابعتها الدائمة للوضع الإنسانيّ في لبنان والقيمين عليه، التقت "المدن" نائب الموظف القُطري في برنامج الأمم المتحدّة للأغذية العالميّ، فرنسوا رينارد، في مكتب المنظمة، لمناقشته وتحليل مبادرات برنامج الأغذيّة العالميّ في لبنان، واكتشاف الخطّط الإستراتيجيّة للمنظمة، وخطط الطوارئ، وتقديم نظرة شاملة على أنشطتها في المنطقة لهذا العام.


وهنا وقائع المقابلة (التّي أجريت باللّغة الإنجليزيّة):


أمن اللّبنانيين الغذائيّ

* في أعقاب الأزمة الاقتصاديّة التّي ألمت بلبنان أواخر عام 2019، أكدّتم مرارًا أن هذه التّحديات الاقتصاديّة والمعيشيّة المتزايدة التّي تواجهها غالبية الأسر اللّبنانيّة ستحول حتمًا دون تحقق الأمن الغذائي لكل اللّبنانيين. اليوم، وفي غياب الإصلاحات الاقتصاديّة والسّياسيّة من قبل الحكومة اللّبنانيّة، ما هي التّحديات الرئيسيّة التّي تستشرفونها لعام 2024؟

- بدايةً، يجب أن نأخذ بالحسبان، أن الأزمتين الاقتصاديّة والسّياسيّة متجذرتين وطويلتي الأمد، وهما طرديًّا المعيار الأساسيّ لدراسة منهجيّة وتقييم عمليّ للأمن الغذائي في لبنان، وبالنظر إلى عامي 2023 – 2024، فإن هناك عبئًا جديدًا، وهو الوضع الأمنيّ المتململ الحاليّ في المنطقة، أكان بالصراع القائم في غزّة، والأزمة المتعلقة بالحدود الجنوبيّة، إلا أنّه وبالنسبة لنا، ما يستمر بكونه الشأن الملّح والهمّ الأكبر، هو نسبة المقيمين الذين يستضيفهم لبنان، بحوالى 1.5 مليون لاجئ سوريّ –ومن هنا يمكن القول أننا وبعد عام 2012 بدأت عملياتنا تتوسع– معطوفةً على الأزمة (الانهيار الاقتصادي) التّي تفجرت عام 2019.

وحتّى اليوم لدينا مليون مقيم (بين لاجئ ومواطن)، يواجهون انعداماً شبه كلّي للأمن الغذائيّ، وما نخشاه اليوم أن يزداد هذا الرقم، تدريجيًّا بعد صدمة السّابع من تشرين الأوّل (تأجج الصراع المُسلّح)، وما تلاها من نزوح للمقيمين في القرى الحدوديّة والجنوبيّة، وخصوصًا في ظلّ غياب الإصلاحات السّياسيّة والاقتصاديّة، نرى أنّ احتماليّة تصاعد الرقم واردة، وقد تطيح بالتّحسن التّدريجيّ الذي شهدناه عام 2023 بفعل استقرار سعر صرف اللّيرة أمام الدولار الأميركيّ.

أما التّحدي الثاني، فمنذ عام 2019 حتّى مطلع العام الحاليّ، لا تزال معدلات تضخم أسعار المواد الغذائيّة بدرجات عاليّة، وبالعملة اللبنانيّة التّي لا يزال نسبة كبيرة من اللّبنانيين يتقاضون مداخيلهم بها، فإن كنت مثلًا موظفًا في القطاع العام، ولا مدخول لك بالدولار، فالمحنة التّي ترزح تحتها نفسها، بالرغم من التّحسن الضئيل.

الأمر الذي ينطبق على الفئات الأشدّ فقرًا بين اللّبنانيين، واللاجئين السّوريين والفلسطينين وغيرهم، ورؤيتنا لهذا العام تتجلى في كيفيّة تأمين استمراريّة لهذه الفئات، بالرغم من الأزمات والصدمات التّي قد تعصف بها.


الصراع المُسلّح

* بالنظر إلى التّأزم الأمنيّ المستفحل وتحديدًا الناجم عن الصراع الدائر مع "إسرائيل" والتّداعيات المعيشيّة والاقتصاديّة المترتبة على الأسر اللّبنانيّة النازحة (راجع "المدن")، هل يمكن توافر فرص إضافيّة لتعزيز وزيادة المساعدات المقدمة للبنان من قبل المانحين؟ وبما يتعلق بخطط الطوارئ في حال توسعت رقعة الحرب إلى الداخل اللّبنانيّ، ما هي الاستراتيجيات التّي وضعتها المنظمة لمساعدة المتضرّرين؟

- بالرغم من الصدمة الأمنيّة، نحن نساعد حوالى 1.7 مليون شخص بصورة مباشرة، وكذلك للحكومة اللّبنانيّة بدعم خطط الشبكات الاجتماعيّة وخطط الطوارئ، والمال المُقدم من البنك الدوليّ هو مكرس للبنانيين، وبالتّالي فإن مساهماتنا تصل لحوالى 2.1 – 2.2 مليون شخص في البلد ككل.

أما وبالعودة للصدمة الأمنيّة الحاليّة، فوفقًا للإحصائيات فإن حوالى 76 ألف شخص، نزحوا بفعل الصراع المُسلّح، هذا من دون إحصاء الأفراد غير القادرين على النزوح، وما فعلناه اليوم بالتّعاون مع الحكومة اللّبنانيّة والجمعيات المحليّة وهيئات الأمم المتحدة، هو تقديم المساعدة لحوالى 53 ألف شخص، أكان بحصص غذائيّة مقدمة لدور الإيواء، ووجبات يوميّة توّزع على النازحين، ومساعدات ماليّة للاجئين السّوريّين المتواجدين في المنطقة.

ونعمل ومنذ مطلع الشهر الجاري، بالتّعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة واليونيسف لتأمين مساعدات ماليّة تصل 85 ألف شخص إضافيّ. وسنوسع مساعداتنا في المنطقة، لنتمكن من الوصول إلى أكبر عدد من الأشخاص المتضررين مباشرةً من الوضع المتأزم.

ونسعى لإتمام عمليّة الإحصاء والتّوثيق بصورة تجعلنا على درايّة بأعداد النازحين، وطرح خططنا على أساس مسارٍ يأخذ بالاعتبار مختلف النواحي الحياتيّة (أمن غذائيّ، تعليم، طبابة..) التّي تأثرت بفعل الصدمة الأمنيّة، كل ذلك بالتّعاون مع الحكومة اللّبنانيّة.


مساعدات النازحين جنوبًا

* إلى أي مدى قد تؤدي حتمية مساعدة سكان قطاع غزّة إلى تقليص المساعدات الموجهة إلى الأسر اللّبنانيّة (كما حصل سابقًا لدى اندلاع الحرب الروسيّة على أوكرانيا، والقلاقل الأمنيّة التّي تعيشها السّودان)، وتحديدًا في ضوء التّحديات التّي يفرضها الصراع والنزوح من المناطق الجنوبيّة؟

- لا يُمكن القول سوى أن الوضع في قطاع غزّة، يحتاج فعليًّا إلى تدخل طارئ وضروري من قبل المنظمات الإنسانيّة، والطريقة التّي تنتهجها الجهات المانحة، هي بالطبع تقديم هذه المساعدة في خضّم المحنة التّي يعيشها سكّان القطاع وتحديدًا بما يختص بالأمن الغذائيّ، (وقد أطلقت المنظمات التّابعة للأمم المتحدة نداءً للجهات مؤكدةً أنه إذ غابت المساعدة، فإن شبح المجاعة سيحل على المنطقة ككلّ)؛ الآن وفي حال توسع رقعة الحرب واستمرارها لمدّة موصولة من الزمان، فإن المنظمة في لبنان ستتوسع طرديًّا مساعداتها.

اليوم، تقع الأولويّة على توزيع المساعدة والتّدخل الضروري، بصورةٍ عادلة على الجميع، أكان في السّودان وأوكرانيا، وغزّة ولبنان..

v

تأهيل الأصول

* ما الآليّة المُتبعة لدى برنامج الأغذيّة العالميّ لتحقيق الهدف المزدوج المتمثل في دعم الأسر اللّبنانيّة في تأمين الغذاء مع الانخراط في الوقت نفسه، في "بناء أو إعادة تأهيل الأصول التّي من شأنها تحسين الأمن الغذائيّ والقدرة على الصمود على المدى الطويل"، على النحو المبين في ولاية برنامج الأغذيّة العالميّ؟ وهل تشكل الأزمة الاقتصاديّة الهيكليّة في لبنان عقبات أمام جهود البناء أو إعادة التّأهيل؟

- ما نعانيه اليوم، أنّه وبغياب التّوازن والاستقرار، من الصعب أن نخطو جديًّا باتجاه بناء أو إعادة تأهيل الأصول التّي من شأنها تحسين الأمن الغذائيّ والقدرة على الصمود، غايتنا بالطبع هي وضع المدماك المؤسس لحقبة يكون فيها أمن كل سكّان لبنان الغذائيّ مؤمناً، إلا أن الصدمات المقرونة بغياب الإصلاحات الضروريّة للسياسة والاقتصاد اللّبنانيّ، يجعلان من هذه المهمة صعبة، لكننا سنخوضها لدعم اللّبنانيين والأشدّ فقرًا القاطنين في لبنان، ودعم المبادرات الرسميّة والأهليّة لاستمراريّة هذا الدعم.

v

الفجوة الاقتصاديّة

* هل بالإمكان القول أن برنامج الدعم القائم حاليًّا يؤمن الأمن الغذائيّ للأسر المستفيدة بشكلٍ كافٍ، أم أن هناك فجوة بين المساعدة المقدمة والاحتياجات الشاملة لهذه الأسر؟

- للأسف، الفجوة متسعة، ولا يُمكننا إنكار أن كل المؤشرات المتعلقة بالأزمة الاقتصايّة أكان من تدني القدرة الشرائيّة وصولًا للبطالة وغيرها، لن تستطيع المساعدات المقدمة من قبلنا تغطية كل النفقات المعيشيّة، بالإضافة إلى تأمين وجبة الغذاء بالصورة الكافيّة على الأصل.

v

اللاجئون السّوريّون

* في ظلّ التّخفيضات الأخيرة في المساعدات التّي تقدمها كل من المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) وبرنامج الأغذيّة العالميّ (WFP)، ما هي التّداعيات المتوقعة على أمن اللاجئين السّوريّين الغذائيّ؟ (راجع "المدن")

- كما هي التّداعيات المتوقعة على أمن اللّبنانيين الغذائيّ، ستكون تداعيات التّخفيضات أشدّ وطأةً على أمن اللاجئين السّوريّين. ونعمل جاهدين على تداركها بما هو متاح لنا من موارد وإمكانيات. مع التّذكير أن مساعدتنا تقلصت لتشمل 43 بالمئة فقط من اللاجئين المُسجلين في المفوضيّة وحسب.

تعليقات: