إعلام إسرائيل لا ينشر عن معركة لبنان..أكثر من صورتين!


يُستدل من متابعة التغطية الإعلامية العبرية لوقائع القتال الجاري في الجبهة الشمالية بين إسرائيل وحزب الله على مدار 19 أسبوعاً بالتزامن مع الحرب على غزة، أن الصورة التي يبثها الإعلام الإسرائيلي محصورة جداً، وهوامشها ضيقة، لدرجة أنها شبه معدومة، لكونها مفصلة على مقاس الرقيب العسكري.


صورتان فقط!

ثمة صورتان وحيدتان تواظب شاشات التلفزة الإسرائيلية على بثهما، وهما صورتان متشابهتان، وموحدتان؛ الأولى صورة مباشرة تُظهر المراسل التلفزيوني واقفاً في نقطة ما بالجهة الإسرائيلية الشمالية، ولكن في مكان وتوقيت "مناسبين"، وبموقع عام لا يُعطي معلومات ولا تفصيلات عن حقيقة الميدان؛ ذلك أنها صورة وحيدة تسمح بها الرقابة العسكرية الإسرائيلية عند العرض الحيّ للإعلام العبري؛ لحجج أمنية وعسكرية.

صورة أخرى ينشرها إعلام إسرائيل، إذ يعرض صواريخ تسقط على جوانب الطريق، وقد أحدثت حفراً صغيرة وأضراراً طفيفة، للإظهار بأن قوتها وآثارها "هامشية"، لكنه لا ينشر صوراً لما أحدثته صواريخ حزب الله ومسيّراته بقواعد إسرائيل العسكرية والاستخباراتية، سوى الإعلان العام عن نتيجة سقوط بعض الصواريخ، وَفق إعلان الجيش الإسرائيلي رسمياً.

ويتحاشى الاعلام الاسرائيلي في أغلب الأحيان ذكر أسماء القواعد العسكرية الإسرائيلية المستهدفة، وإحداثياتها، وتفاصيل مهماتها، ويكتفي بوصفها "قاعدة عسكرية" فقط، مع ذكر حَدثي للخسائر البشرية، مع غياب حصيلة يومية للخسائر الإسرائيلية جراء المعركة المستمرة.

لعلّ غياب الصورة الإعلامية الشاملة في إسرائيل نتجت عن تعميم جيش الاحتلال تعليمات على الصحافيين الإسرائيليين منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهة في الجبهة الشمالية، وقد بُني على "ممنوعات ثلاث"؛ وهي: "ممنوع الاقتراب من الحدود، ممنوع تصوير جنود، وممنوع تصوير مواقع وآليات".. والنتيجة أن الممنوعات جعلت الصورة معدومة لدى وسائل الإعلام العبرية، وكذا بالنسبة للمعلومة، وفي أحيان كثيرة، يتأخر الجيش الإسرائيلي عن الإعلان بشأن هجمات حزب الله الصاروخية.

بالمحصلة، اضطر الاعلام العبري إلى التعامل غالباً بعمومية مع وقائع الميدان في الجبهة الشمالية، كرصد صواريخ أطلقت من لبنان نحو العمق الإسرائيلي، مكتفياً بالإشارة العامة إلى أماكن سقطت فيها صواريخ حزب الله، من دون توضيح أكثر.. بموازاة تعزيز الادعاء أن كثيراً من الصواريخ تم إسقاطها، أو وقعت في مناطق مفتوحة، وأن عدداً قليلاً سقط على أهداف.


ملاحقة صحافيين فلسطينيين

وأفاد صحافيون فلسطينيون من داخل الخط الأخضر لـ"المدن" بأن الجيش الإسرائيلي لاحق صحافيين من فلسطينيي-48 حاولوا تغطية المواجهة الحالية في الجبهة الشمالية، واحتجز بعضهم لساعات طويلة، وفتش هواتفهم؛ خشية توثيق صور لا يريدها الاحتلال.

لكنّ سطوة الرقابة العسكرية الإسرائيلية تتركز على الصحافيين الإسرائيليين؛ لأن الصحافيين العرب والفلسطينيين يضطرون للاعتماد على ما ينشره الإعلام العبري، باعتبار أن الأخير لديه اتصال مباشر مع المؤسسات الإسرائيلية، والنقل عنها. وتعكس القيود الكبيرة خشية إسرائيلية من إتاحة صور وإحداثيات تخدم حزب الله ميدانياً، ناهيك عن مساع إسرائيلية لعدم خروج صور تظهر نجاح حزب الله في اصطياد مواقع وأماكن حساسة في شمال فلسطين المحتلة، وإحداثه دماراً كبيراً فيها.

ومع أن الإعلام العبري لا يعلن بشكل كامل عن الهجمات التي يتبناها حزب الله، ويلتزم فقط بما تنشره المؤسسة العسكرية، إلا أنه يبث أحياناً فيديوهات نشرها حزب الله لهجماته، لكن ذلك يكون في سياق إظهار أن "إسرائيل في حرب".


ماذا عن تليغرام؟

أما موقع "تليغرام"، فتبدو إسرائيل أقل سيطرة عليه، إذ نشرت صفحات إسرائيلية في الموقع مرات متعددة عن استهدافات حزب الله في العمق الإسرائيلي، رغم الرقابة العسكرية المفروضة، وقبل النشر الرسمي، مع أن ما يُنشر في هذه الصفحات ليس دائماً "دقيقاً" بشأن القتلى، وأماكن الاستهداف. وقد تكرر النشر الاستباقي في صفحات "تليغرام" الإسرائيلية بخصوص هجمات حزب الله بالصواريخ أو المسيّرات على مقر قيادة المنطقة الشمالية الإسرائيلية في صفد، وأيضا قاعدة ميرون للمراقبة الجوية.

لكن إسرائيل تحاول مواجهة النشر في "تليغرام"، عبر سعيها إلى التأثير المضاد من خلال ضخها كماً كبيراً من الأخبار التي تصب في مصلحتها التكتيكية والاستراتيجية، بالترافق مع عمليات لمحاربة المصادر الفلسطينية والعربية، وخصوصاً الصور والفيديوهات التي ينشرها حزب الله؛ لغاية "نزع الشرعية" عن استخدام المصادر غير الإسرائيلية.


تجنيد إعلامي خلف نقطة وحيدة

وبشأن الأصوات الإسرائيلية، فإن الإعلام العبري يستعرض انتقادات سكان المنطقة الشمالية ورؤساء المجالس المحلية، في سياق الاعتراض على تصرفات الحكومة بشأن حمايتهم، وأيضاً رفضهم العودة إلى المستوطنات الشمالية حتى تأمينها من "خطر حزب الله"، وسط ضبابية مصيرهم. لكن الإعلام العبري يعرض هذه الأصوات ضمن تجنده خلف نقطة رئيسية، مفادها أنه "لا يمكن القبول ببقاء حزب الله عند الحدود، وأنه يجب تغيير الوضع القائم وإعادة الردع".

كما أظهرت الصحافة العبرية أن هناك ضغطاً متزايداً من الشارع الإسرائيلي لشن حرب واسعة ضد حزب الله، إذ أظهر استطلاع أجرته صحيفة "معاريف" قبل يومين أن نحو 71 في المئة من الإسرائيليون يريدون الحرب الواسعة على حزب الله وعموم لبنان.

ويقول المتخصص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد لـ"المدن" إن المواجهة الحالية في جبهة لبنان، كشفت أن غالبية المجتمع الإسرائيلي تريد سماع الخبر الذي تريده، ولو كان كذباً.

وأضاف أن الطاقم المسؤول عن المعركة الإعلامية للاحتلال، يحاول توجيه الإسرائيليين باتجاه قضايا شكلية؛ لإخفاء حقيقة ما يحدث، فمثلاً، يركز على نقل ألوية ووحدات عسكرية إلى الشمال استعداداً لتصعيد أكبر، ويُكثر الحديث عن عدد قتلى حزب الله، ونشر صور جنائزه، واستهداف مواقع الحزب العسكرية، كمؤشر على "تدفيع الحزب للثمن" جراء ضربات إسرائيلية "موجعة"، وفق مزاعمه.

كما كرس الإعلام العبري الدعاية الرسمية بخصوص تساؤلات متزايدة في بيئة حزب الله الشيعية بأن "أبناءهم يُقتلون دون نتيجة"، لإظهار حزب الله وكأنه في "وضع جماهيري مأزوم"، ناهيك عن تركيزه على سردية إسقاط القبة الحديدية لمعظم الصواريخ، وسقوط ما تبقى في مناطق فارغة، رغم أنه لم يقدم أدلة على ذلك.


واقع جديد

وبينما تقول حكومة نتنياهو إنها تهيئ الوضع الأمني لـ"عودة السكان الإسرائيليين إلى منازلهم" بالمنطقة الشمالية، لم يقدم الإعلام العبري إجابات حول السقف الزمني لعودتهم، والآليات المُتاحة. وهنا، عدّت هيئة البث الإسرائيلية عدم العودة حتى اللحظة تأكيدا بأن واقعا استراتيجيا جديدا نشأ بالمنطقة الشمالية، وأن إسرائيل مُصرّة على تغيير الواقع، بالدبلوماسية، أو الحرب.

والمُلاحظ أيضاً أن محطات التلفزة العبرية كثفت باليومين الأخيرين نشر صور تدريبات لوحدات الجيش الإسرائيلي المختلفة على القتال البري في ظروف شتوية، ضمن ما وصفته "الاستعداد" للحرب الواسعة المُحتملة مع حزب الله، وتظهر الصور تمريناته على القتال وجها لوجه، وبدت كصورة تحدٍ لأمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي قال إن صواريخه قادرة على تغطية إسرائيل بدءا من كريات شمونة شمالاً حتى إيلات جنوباً، وهي صورة تهديد مزعومة، مفادها أن "إسرائيل جاهزة للحرب الشاملة".

تعليقات: