بحيرة القرعون فاضَت: التلوّث كبير شمالاً والريّ مسموح جنوباً

لا استغلال اقتصادياً لبحيرة القرعون (علي علوش)
لا استغلال اقتصادياً لبحيرة القرعون (علي علوش)


في الدول المتقدّمة، تُستَغَلّ البرك والبحيرات الطبيعية والاصطناعية بشتّى الوسائل، لتوليد الكهرباء ولتربية الأسماك وللشرب وريّ المزروعات. على أن لبنان يشذّ عن هذه القاعدة سيّما فيما يخصّ بحيرة القرعون، التي تُعتَبَر محطّة وسط نهر الليطاني الذي يمرّ كأطول نهر في لبنان ويقطع أكبر مساحة فيه.

وعدا عن استعمال مياه البحيرة لتوليد الكهرباء عبر معمل عبد العال، فإن البحيرة منذ سنوات، عبارة عن رحم خصب لتوليد ونمو البكتيريا والآفات، وأخطرها السيانوبكتيريا. أما محاولات التنظيف، فترتبط بشكل اساسي بتنظيف الحوض الأعلى نهر الليطاني. ورغم صرف ملايين الدولارات على تلك العملية، إلاّ أن الحال بقي على ما هو عليه، باستثناء بعض التحسينات المسجَّلة في العام الحالي.


البحيرة فاضت

سجّل العام الحالي زيادة في نسبة المياه المجمّعة في بحيرة القرعون، وصولاً إلى مفيضها بعد تسجيلها مخزوناً بقدرة 220 مليوناً و440 ألف متر مكعب. والوصول إلى هذه السعة، له أوجه إيجابية، مثل "زيادة الفائض الذي يذهب نحو معمل عبد العال لانتاج الكهرباء، ما يسمح بزيادة إنتاج الكهرباء. علماً أن المياه التي تدخل إلى عنفات المعمل هي بمعدّل 11.56 متر مكعب بالثانية. كما أن وفرة المياه سواء من معدّل المتساقطات أو من خلال المحافظة على مخزون معيَّن في البحيرة، إلى جانب عدم ارتفاع درجات الحرارة كثيراً، حدّ من توافر النيترات والآزوت في المياه، وبدوره حدّ من تكاثر السيانوبكتيريا"، وفق ما يقوله لـ"المدن"، رئيس المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، سامي علوية.

علماً أن السيانوبكتيريا كانت قد انتشرت كثيراً في البحيرة في مثل هذا الوقت من العام الماضي، بفعل قلّة المتساقطات وارتفاع درجات الحرارة، ما أدّى إلى نفوق كميات هائلة من الأسماك. والجدير ذكره، أن تلك البكتيريا لا تختفي تماماً من البحيرة طالما أن التلوّث مستمر، لكن الرهان يبقى على تحفيز نشاطها أو خفضه.

في المقابل، يأسف علوية أن يكون "المشهد الخارجي للبحيرة رائعاً، لكن في العمق لا يمكن استعمال المياه للشرب أو الريّ، لأنها لا تزال ملوَّثة". فالتلوّث لم يختفِ رغم بعض الإصلاحات التي قامت بها "بعض المؤسسات الصناعية التي كانت تساهم في تلويث نهر الليطاني نتيجة المياه الناجمة عن عمليات التصنيع، أو مياه الصرف الصحي. وحسب علوية "ساهمت الادعاءات القضائية على المصانع التي تلوِّث النهر، بخفض نسبة التلويث. فمن أصل 100 حُكم قضائي، تم تنفيذ 70 حكماً من خلال إلزام المؤسسات بتركيب محطات تكرير لمياهها. البعض الآخر طلب مهلة زمنية لإتمام الأمر. فيما أقفل عدد آخر من المصانع أبوابه، ما حدَّ من نسبة التلويث. ومع ذلك، لا يزل تدفّق الصرف الصحي في النهر بمعدّل 50 مليون متر مكعب".


مياه الريّ متوفرة جنوباً

يختلف الوضع بين شمال البحيرة، أو ما يسمّى بالحوض الأعلى لنهر الليطاني، وبين جنوبها، أي الحوض الأدنى. فانخفاض مستويات التلوّث جنوباً تجعل مياه الليطاني صالحة للريّ والسباحة.

أبرز النقاط الجنوبية على نهر الليطاني، هي مشروع القاسمية الذي يروي بساتين كثيرة في المنطقة، قسم كبير منها يعيش في خطر الاستهداف من قِبَل العدوّ الإسرائيلي. الأمر الذي دفعَ مصلحة الليطاني إلى "البدء باكراً في عملية تنظيف الأقنية وتأمين المياه عبرها، منذ شهر نيسان الجاري، علماً أن هذه العملية تبدأ عادة في شهر حزيران"، وفق ما يؤكّده علوية.

ولمساعدة الجنوبيين بشكل أكبر، عمدت المصلحة إلى "تأجيل الجباية، سيّما في المناطق الأقرب إلى الحدود، مثل المنصوري والقليلة ودير قانون ورأس العين، إفساحاً بالمجال أمام ارتياح المزارعين هناك، وهو واجب على المصلحة في ظل هذه الظروف". وفي السياق، يتمنّى علوية على المزارعين "ترشيد استهلاك المياه وعدم هدرها حتى لو تأمّنت بشكل كافٍ".


هي قضية قديمة جديدة، ولا يبدو أنها ستنتهي في المستقبل القريب. فتلويث نهر الليطاني بحوضيه الأعلى والأدنى، ينطوي على تنفيعات وغطاءات سياسية لبلديات ومصانع ومرامل وكسّارات تجد في مجرى النهر مكاناً "آمناً" لرمي المخلّفات ومياه الصرف الصحي، من دون دفع أكلاف مادية وعناء التخلّص من المخلّفات بصورة ملائمة، أو تركيب محطات تكرير لمياه الصرف الصحي. مع أن الكثير من المنظّمات الدولية قدّمت للبلديات مشاريع مموَّلة لتكرير الصرف الصحّي، والدولة اللبنانية أنفقت ملايين الدولار الآتية عبر القروض والهبات، ولم يُنَظَّف النهر. فتبقى بحيرة القرعون وبساتين المزارعين عرضة للتلوّث وعدم الاستفادة الاقتصادية من الثروة الموجودة.

تعليقات: