تعرفة باركينغ المطار «تمريك و... تمريك»

 ممنوع على المواطنين ان يصفوا سياراتهم خارج المرآب
ممنوع على المواطنين ان يصفوا سياراتهم خارج المرآب


يرزح اللبنانيون تحت عبء التعرفة التي تفرضها إدارة مرائب مطار بيروت الدولي، فيضطرون إلى استخدام وسائل التفافية للهروب من الدفع المحتم، وخصوصاً بالنسبة إلى الذين يقصدون هذا المرفق باستمرار وهم كثر. كما أنّ المستثمرين لسيارات الشركات السياحية يطالبون بمعاملة خاصة تغنيهم عن ملاحقة الدرك لهم ومخاطرة الوقوف على الطرق المؤدية إلى المكان

ينقذ اختراع الخلوي اللبنانيين من لعنة «تمريك» الساعات في مرائب مطار بيروت الدولي. يهرب هؤلاء من تعرفة تكاد تكون الأغلى في العالم فيستظلون جسر الكوكودي على بعد 500 متر بانتظار اتصال من أحد الأقارب أو الزبائن العائدين. ففي موازاة اشتداد حركة الطيران، تزدحم الطرق المؤدية إلى جناحي المطار بسيل من السيارات التي يركنها أصحابها إلى جانب الرصيف الممتد من مستشفى الرسول الأعظم إلى مفرق إدارة المطار. لا يسلم «الهاربون» من ملاحقة سيارات الـ112 التي تنفذ دوريات منتظمة في المكان، مانعة إياهم من التلذذ بنعمة الهروب. لكن هذا ما كان ليحصل لولا الظلم في تسعيرة الموقف، يقول أحد السائقين في شركة سياحية. ويردف «ما منخاطر ومنوقف هالوقفة إذا بيحددوا لنا تعرفة واحدة». يشرح السائق أنّ المواقف تستوعب آلاف السيارات، والربح يبقى قائماً حتى لو ثُبّتت التعرفة على 1500 أو 2000 ل.ل، «وما في مبرر لهيدا النصب العلني عالعالم». وبالمناسبة، أغلب الذين يلجأون إلى وسيلة ركن السيارات خارج حرم المطار هم من المستثمرين لسيارات تابعة لشركات سياحية، لكونهم يضطرون للدخول والخروج من المطار وإليه أربع أو خمس مرات في اليوم الواحد. يجهد هؤلاء في أن لا تمرّك ساعة المرأب أكثر من 59 دقيقة، فدقيقة واحدة إضافية ترفع التعرفة من 3850 ل.ل إلى 6600 ل.ل. وحظهم السيئ قد يجبرهم على دفع 8250 ل.ل إذا مضى على وجودهم في المرأب بين ساعتين وثلاث ساعات إلاّ دقيقة، و11 ألفاً إذا تجاوزت العقارب ثلاث ساعات، علماًً بأنّ تأخير موعد هبوط الطائرات وارد في كثير من الأحيان. وبما أنّ السائقين يستثمرون السيارات، فكل زيادة سيضطرون إلى دفعها من جيبهم الخاص، لذا فهم ينتظرون الزبون في إحدى الاستراحات القريبة من الجسر. «منشرب قهوة بالمصاري أحسن ما ياخدوهن هني»، يقول أحدهم، شارحاً ما سمّاه بأساليب الاحتيال للتمريك على الناس. ويسأل، في هذا الإطار، عن أسباب حصر المخارج التسعة للمرائب بثلاثة، وبالتالي إجبار المواطنين على الوقوف بالدور من جهة، واضطرار السائق للانتظار نصف ساعة إضافية بسبب الضغط على المصاعد المؤدية إلى الموقف الأرضي حيث يركن سيارته، من جهة ثانية. كما يؤكد السائقون أنّ هناك فرقاً بين ساعة المطار وساعة المواقف، يتجاوز 8 دقائق. لا ينسون أن يسجّلوا بأنّ الموظف لا يعيد إلى الزبون 150 ل.ل من تسعيرة 3850 «بحجة عدم وجود فراطة». هذا التفصيل قد يكون سخيفاً، كما قالوا، لكنّه جدير بالملاحظة إذا ما قيس بحجم السيارات التي تدخل إلى المواقف يومياً. يستغرب السائقون كيف يعاملون كأي زبون يزور المطار مرّة في السنة. يطالبون بخفض التسعيرة إلى النصف على الأقل أو تزويدهم ببطاقة اشتراك شهري.

في الداخل، يركن البعض خلسة في أماكن غير مخصصة للوقوف. لكن مطاردة «الدركي» تكون لهم بالمرصاد، فينتقلون، أو يجولون بالسيارة حول المطار «ما بتكلفنا بنزين قد تسعيرة الموقف»، يقول خالد عمّار الذي كان ينتظر أخاه بعيداً عن عيون الدرك. ويعلّق: «هيدي المواقف ما انعملت لإلنا». ويلفت إلى تغاضي بعض العناصر عن تحرير محضر ضبط بحق «نافذين» يركنون سيارتهم وقتاً طويلاً مقابل مبنى المطار، فيما يسارعون لتحرير مخالفة إذا كانت السيارة تخص مواطناً عادياً!

أمام المبنى، تصل يسرا الأعور مع موعد هبوط طائرة ابنها كي لا تضطر لركن سيارتها في المرأب. تكتفي، في معرض التعليق على التعرفة بالقول: «بس بقول على جيبة مين بتروح كل هالمصاري وقديش في سيارات بتجي كل يوم؟».

لكن سامر علي وصديقه غسان مراد لا يخاطران بترك السيارة خارج حرم المطار، وإن كانا يعترضان على التعرفة. «في المفهوم العام أي شيء يقبل على استهلاكه الناس يجب أن يكون رخيصاً»، يقول علي الذي قصد ورفيقه المطار 10 مرات خلال الشهرين الأخيرين لظروف العمل.

ولمن لا يعلم، تمثّل المرائب نحو 10 في المئة من مساحة المطار. فهناك المواقف الغربية الخاصة «بتاكسيات» المطار والسيارات العمومية المصرّح لها من المديرية العامة للطيران المدني. وهناك مواقف لشركة طيران الشرق الأوسط (الميدل إيست). ومقابل بوابة الجمارك مواقف لموظفي المطار والأشخاص الذين يريدون تخليص معاملاتهم. لكن مواقف الخرافي، المستثمر الكويتي، هي التجارية. وينص عقدها على تقاضي تعرفة تحدّد بالاتفاق مع الدولة. وقد نُقل هذا العام اعتماد بقيمة 3 مليارات و300 مليون ليرة من احتياطي الموازنة العامة، لوزارة الأشغال العامة والنقل تنفيذاً لقرار مجلس شورى الدولة، بالتعويض عن خسائر تكبّدتها «المرافق» لعدم تنفيذ إدارة المطار التزاماتها العقدية.

وكانت مؤسسة إيدال وقّعت عقداً مع شركة محمد المحسن الخرافي وأولاده نتيجة مزايدة عمومية لبناء مواقف للسيارات في مطار بيروت الدولي بكلفة نحو 25 مليون دولار، على أن تُشغّل هذه المواقف على أساس تعرفة محددة لمدة 15 سنة، تُعاد بعدها المنشآت إلى الدولة. لقاء ذلك تلتزم إدارة المطار بعدم تشغيل مواقف للسيارات في حرم المطار وعدم السماح لأشخاص آخرين بتشغيلها.

ثم وقعت شركة الخرافي في وقت لاحق عقداً مع إيدال، لإنشاء مواقف مؤقتة وتشغيلها (خلال الفترة التي تجري فيها أشغال إنشاء المرائب الأساسية). لكن الشركة اصطدمت، حسب قرار مجلس شورى الدولة، بعد إنجاز القسم الأول من المشروع، بركن عدد كبير من السيارات خارج المواقف المنشأة. وقدرت الشركة خسائرها حتى حزيران 2000 بقيمة 4 مليارات و439 مليون ليرة. وطلبت من وزارة الأشغال التدخل لوضع حدّ للمخالفات. يذكر أنّ ممثلي الحكومة لدى مجلس الشورى أشاروا إلى أنّ خسائر شركة الخرافي ناتجة من فرضها تعرفة ضخمة على المواطنين، على الرغم من تدهور الأوضاع المعيشية في لبنان.

تعليقات: