لماذا يصرّ جوني عبدو على الطعن بمصداقية التحقيق الدولي؟

جوني عبدو
جوني عبدو


يصرّ جوني عبدو على الطعن بمصداقية التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري..

من خلال ركوبه موجة تسريب معلومات مغلوطة عنه، ومجافية للحقيقة لاعتقاد راسخ لديه، وهو المدير الأسبق للمخابرات في الجيش اللبناني، بأنّ السياسة تدير كلّ شيء، ولا بدّ أن تلعب دوراً محورياً في تحديد مسار هذا التحقيق، بعكس ما يشتهي رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي الكندي دانيال بيلمار الذي ينأى بنفسه عن التسييس المتعارض كلّياً مع العدالة والحقّ، ولذلك أرسل الناطقة باسم اللجنة، التونسية راضية عاشوري في جولة واسعة، على مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية اللبنانية، لتوضيح اللغط السائد عن مضمون التقرير المنتظر صدوره في مطلع شهر كانون الأوّل/ديسمبر من العام 2008.

فقد أطلّ عبدو إعلامياً عبر مجلّة "الصيّاد" شقيقة جريدة "الأنوار" التي بادرت إلى تلغيم أذهان الرأي العام بمعلومات خاطئة عن التقرير الدولي، وإطلاق العنان لمخيّلة التضليل في ابتداع ما لم تصل إليه لجنة التحقيق من معطيات وقرائن، وقدّم عبدو تحليلاً يندرج في سياق الدسّ الممنهج لاستكمال ما بدأه القاضي الألماني ديتليف ميليس في حرف التحقيق عن مساره الطبيعي، بحسب قراءة أوّلية لأحد المتابعين لهذه القضيّة عن قرب وعن كثب.

ولأنّ اللبنانيين يعيشون أجواء الاستعداد للانتخابات النيابية، ولأنّ الفريق السياسي الذي يتبع له عبدو يخشى من تراجع مقاعده النيابية وفقدانه لأكثريته الناتجة بالدرجة الأولى عن فقيد الرحمة المعروف بـ"التحالف الرباعي"، أبى الأخير أن يفوّت الفرصة من دون الحديث عن التحقيق، متعمّداً إشراكه بالقوّة في الشؤون السياسية، بينما يفترض إبقاؤه بعيداً عن أيّة تدخّلات سياسية وغير سياسية، صوناً له، وتأميناً لاستقلاليته وحياديته.

وذكر عبدو في المقابلة المنشورة في مجلّة "الصياد" يوم الخميس الواقع فيه 23 تشرين الأوّل/أكتوبر 2008، أشياء من مضمون التحقيق وكأنّه مطلع عليه وعارف به، وبما أنّ التحقيق يتمتّع بسرّيّة تامة، ولا يدري بفحواه إلاّ القائمون به في لجنة التحقيق الدولية رئيساً وأعضاءً معنيين بهذا الجزء من الوقائع، وليس كلّ أعضاء اللجنة، فكيف عرف عبدو بما يسمّيه معلومات ومستمسكات؟ وكيف تسنّى له الاطلاع على ذلك؟ ومن هو لكي يعرف هذه الأخبار؟ ولماذا يفضّل لعب دور تضليل التحقيق وحرف بوصلته عن وجهتها الحقيقية والواقعية؟، ولماذا لا تظهر صورة عبدو على شاشات التلفزيونات وصفحات المطبوعات المملوكة والتابعة لقوى 14 آذار/مارس، إلاّ عندما يحين موعد صدور تقرير جديد للجنة التحقيق، مستبقاً مضمونه ومختلقاً ما يحلو له من التفاصيل، ومطرّزاً ما يعنّ على باله من تكهّنات لا تخدم قضيّة كشف هويّات الجناة لا من قريب ولا من بعيد؟.

وكيف تصل هذه "المعلومات" إلى عبدو الذي نادراً ما يحضر إلى لبنان، بينما وكلاء الدفاع عن الضبّاط الأربعة لم يسمعوا بها سواء خلال الاستجوابات، أو خلال اللقاءات برئيس اللجنة للجم الافتراءات المساقة ضدّهم؟، وهل هو يتجسّس على اللجنة باعتبار أنّه خبير بالتجسّس والعمل المخابراتي، أم أنّ هناك من يستطلع أغوار ملفّاتها بطريقة غير قانونية ويسرّبها له، لكي يفشيها خلافاً للأصول؟، وهل الحديث بهذه الاستفاضة عن التحقيق وعن اللجنة الدولية يصبّ في مصلحة النتيجة المأمولة منهما؟.

ويضيف معنيون بالتحقيق أنّ جوني عبدو يصرّ على تغيير قاعدة قانونية جوهرية معمول بها في كلّ تحقيق، وفي كلّ المحاكم في أرجاء العالم كلّه، وهي ضرورة وجود اعترافات صريحة وواضحة وقرائن دامغة، لتكوين قناعة راسخة تشكّل البنية الرئيسية لتشييد التحقيق، ومن ثمّ الحكم في أيّة دعوى وقضيّة، بينما عبدو ينفي حاجة لجنة التحقيق الدولية إلى اعترافات، ويقول: "هذا غير صحيح، فاللجنة في حاجة إلى قناعات في ضوء المعطيات والمستمسكات"، وبالتالي فهو يمهّد الطريق لصدور حكم سياسي، فأين هي العدالة في حرم السياسة؟، وما يخفّف من وقع كلامه هو أنّه صادر عن رجل مخابراتي لم تعلّمه التجارب وجوب الحصول على اعترافات وأدلّة، وإنّما الاكتفاء بالظنون والشكوك، وتحوير الإفادات بما يتناسب والمطلوب والمخطّط له.

ويجعل عبدو من نفسه مصدراً أساسياً للتحقيق وموجّهاً له حينما استمع إليه القاضي ميليس، ويقول بالحرف الواحد: "نصحتهم بطرح أسئلة على الجيش حول المتفجّرات، وهل نقصت المخازن؟ وهل طلب الحرس الجمهوري متفجّرات؟ وأين أنفقها؟ وهذا الطراز من الأسئلة كانت له فاعلية في تركيز الأضواء على ألغاز وملابسات محدّدة"، خانته ذاكرته الرشيقة في تحديدها، لأنّه بطبيعة الحال لا يعرفها، فاستسهل إطلاق كلامه على عواهنه لإحداث زلزال، وهي المفردة الأحبّ إلى لسانه، فيمتشقها بين الفينة والفينة، للادعاء بأنّ تقرير اللجنة سيحدث زلزالاً يفوق زلزال اغتيال رفيق الحريري! ولا يسع سامعه، أو قارئه، سوى القول لطفك يا ربّ، فلبنان لم يعد يتحمّل هذا العبء الثقيل من القصف الكلامي الذي لا يصلح إلاّ للإثارة والعبث بالأمن!.

ويختم أحد المعنيين بالملفّ حديثه بالقول إنّ إماطة اللثام عمن يدفع جوني عبدو وأمثاله إلى المقامرة بنتيجة التحقيق من خلال التكهّن على نطاق واسع، والاسترسال في التوقّعات، قد يقصّر الطريق إلى معرفة هوّيّة زارعي شهود الزور، وتضليل التحقيق، وربّما الجناة الفعليين؟

تعليقات: