الذكرى الستين لمجزرة حولا: سليمان يتذكر


حولا ــ

في مثل هذا الصباح قبل 60 عاماً، أشرقت شمس حولا بجهد كبير. فليل 31 تشرين الأول، طال ليفسح المجال أمام الجنود الصهاينة لقتل 84 من أبنائها وهدم بيوتها فوق رؤوسهم. في الصباح ذاته، قرر الطفل سليمان سليمان ذو السنوات الست ألا يرهن ذاكرته بيوم المجزرة، وأن يؤرخ لما قبلها وبعدها. أحداث تؤكد أن ما حل بحولا «ليس إجراماً عادياً بل انتقام يشبه انتقام عدوان تموز».

قرار الطفل لم ينفذه إلا أخيراً، فكان كتاب «تشارين العمر» الذي يجمع بين التوثيق والذكريات الشخصية، والذي أملته عليه «المقاومة الجنوبية المدنية والعسكرية من حولا إلى الضاحية». يوثّق سليمان مواجهات الأهالي وجيش الإنقاذ العربي من جهة، وألوية من الجيش الإسرائيلي من جهة أخرى، ويحيي أحداثاً «لا يعرفها اليوم الكثير من الحوليين». بدءاً من آذار من العام ذاته، احتل الصهاينة تلة العباد وبدأوا يطلقون النار على الفلاحين الذين ردوا بالمثل. ما دفع بالجنود إلى مهاجمة البلدة ليلاً وقتل 3 من أبنائها وتدمير 4 بيوت. بعدها بأسابيع حاولوا التسلل لاحتلال تلة القعدة لكن الأهالي صدّوهم وقتلوا جندياً إسرائيلياً وغنموا سلاحه. أما جثته فقد توسط الإسرائيليون لدى قوات مراقبة الهدنة للتمكن من سحبها. محاولة احتلال القعدة تجددت في شهر أيلول بقيادة لواء كرميلي، لكن جيش الإنقاذ والأهالي أوقعوهم في كمين وقتلوا 33 جندياً وأصابوا 40 جريحاً منهم. وفي 24 تشرين الأول هجم الأهالي وجيش الإنقاذ بقيادة السعودي ابن عشان، على تلة العباد لتحريرها، فاستعادوها وقتلوا من لواء مكسي كوهين 40 جندياً. وفي المعركة سقط 7 يمنيين من جيش الإنقاذ لا تزال قبورهم قائمة في حولا بجوار شهدائها من جبهات المقاومة المختلفة. أحد مصادر الأحداث كانت مذكرات مناحيم بيغن وبن غوريون والقائد العسكري للجبهة الشمالية وقتذاك لور عن حرب الشمال. يستشهد سليمان بما قاله بن غوريون: «باغتنا ابن عشان وحلّت هزيمة حرب عام 1948 في حولا. وخشية أن تتحقق لعنة الشمال التوراتية التي تقول بهزيمة إسرائيل من الشمال». يفرد سليمان صفحات لشهادات عن المجزرة. يذكر والده الشيخ علي سليمان أن الجنود طلبوا من العائلات اختيار «ممثليها» في المجزرة. الأخوان حسن وتوفيق ضغمان أخّرا ساعة القتل، لأن واحدهما كان يعزم الآخر على الحياة حينما طلب إليهما اختيار أحدهما للموت. ولأن كلاً منهما أصرّ على حياة الآخر، قتلهما الإسرائيليون. الخلاف والنتيجة ذاتاهما، أصابا عم سليمان، فاستشهد فوراً، فيما أصيب ابنه قبل أن يستشهد متأثراً بجراحه. الرجال قسّموا إلى 3 مجموعات وفق أعمارهم. ولولا تدخل اللحظة الأخيرة لقوات مراقبة الهدنة، لكانوا أجهزوا على مجموعة نساء وأطفال.

اليوم، يرى سليمان «ضرورة إحياء الذكرى بخطوة أكبر من إضاءة الشموع». فإحياؤها يشبه «إحياء الأوطان من هزائمها. فكيف إذا كان انتصار الأمة قد بدأ من هنا»؟

الموقف الرسمي «الثابت»

يؤكد سليمان في كتابه أن «الموقف الرسمي من مقاومة حولا ومجزرتها لم يكن مختلفاً عن سلوك الدولة إبان عدوان تموز». وعلى ما يبدو فإن «طمس مقاومة البلدة واقتصار الحديث عنها بالساعات الخمس التي نفذت فيها المجزرة وتجاهل ما قبلها وبعدها» ليس مستغرباً ويروي «عن إيواء الدولة لهم بعد المجزرة، وطردهم في هنغارات من مخلفات الانتداب الفرنسي في ضبيه، وعودتهم إلى بلدتهم المنكوبة المدمرة المنازل والمنهوبة المواسم». لكن هذه الأحداث «أثمرت تأسيس مجموعات المقاومة الشعبية ضد الإقطاع والعسكرية ضد الصهاينة».

تعليقات: