نازحون في العراء.. قصص من شوارع بيروت

شوارع بيروت وشاطئها تستقبل عائلات نازحة من تحت القصف الإسرائيلي (علي علوش)
شوارع بيروت وشاطئها تستقبل عائلات نازحة من تحت القصف الإسرائيلي (علي علوش)


على جانب الطريق من منطقة برج البراجنة الواقعة على بعد 4 كيلومترات تقريباً من العاصمة بيروت، يمكن مشاهدة الأبنية السكنية المدمّرة، وارتفاع أعمدة الدخان من تحت الركام. خلال مدة زمنية قصيرة، تحولت المنطقة، وهي من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، إلى ما يشبه مدينة الأشباح.

بين ليلة وضحاها، نزح ما لا يقل عن 350 ألف مواطن من منازلهم إلى مناطق أخرى آمنة بشكل نسبي، بسبب الضربات العشوائية الإسرائيلية، إلا أن هذا النزوح لم يكن سهلاً حسب شهادات الكثير من النازحين، مع ما يحمله من معاناة في تأمين أبسط مستلزمات العيش من خبز وماء.


قصص النزوح

نزحت أم علي، في العقد السبعين من عمرها، مع أولادها وأحفادها من منزلهم الكائن في منطقة البرج منتصف الليل بعدما وصلت تحذيرات من الجانب الإسرائيلي لإخلاء المبنى، ولم تتمكن منذ أسبوع تقريباً من الحصول على مأوى لها ولعائلتها، رغم جميع المحاولات بحسب تعبيرها، فما كان أمامها وأولادها سوى افتراش الطريق بالقرب من منطقة الرملة البيضاء على شاطئ البحر.

لا تجد أم علي الكلمات المناسبة لوصف حالتها والوضع الذي باتت عليه، كل ما تشير إليه هو أنها خلال دقائق باتت نزيلة الشارع. وتقول لـ"المدن": الوضع صعب جداً، أنه أصعب من أي موقف قد يتعرض له الإنسان في حياته، حتى أنها أصعب حرب مرت عليها منذ العام 1975. لم تتمكن خلال دقائقها المعدودة لمغادرة المنزل، من اخذ احتياجاتها الشخصية، وفي مقدمتها الدواء، تعاني كسائر المسنين/ ات من أمراض الشيخوخة، ومنها ارتفاع مستوى السكر بالدم، والضغط.

قصة أم علي، تتشابه وقصص الكثير من النازحين الذين يعيشون بأقل من الحد الأدنى الذي تتطلبه مقومات العيش. الكثير منهم لم يتمكن من أخذ الأدوية، الأوراق الثبوتية، أو حتى مبالغ مالية لتدبير شؤونهم اليومية، وهم اليوم لا يشغلهم سوى سؤال واحد، ماذا سيحصل بعد ذلك؟


غياب الأرقام

لا يوجد أرقام واضحة حول عدد النازحين في شوارع بيروت وسواها من المناطق الآمنة نسبياً، سواء في منطقة الرملة البيضاء، أو حتى وسط العاصمة، لكن جزءاً كبيراً منهم، نزحوا خلال الأيام القليلة الماضية وتحديداً من مناطق الضاحية الجنوبية.

تقول أم علي " لم نتمكن من الحصول على مأوى، جميع المدارس باتت مكتظة بالنازحين ونحن بانتظار تأمين بديل عن الشارع".


خوف من المجهول

ويشير حسن حرب الذي نزح وعائلته من منطقة الليلكي في الضاحية الجنوبية، إلى شاطئ الرملة البيضاء، إلى مدى الصعوبات التي يواجهها الإنسان في العراء، لافتاً إلى أن جميع النازحين يخشون من البقاء في الشارع مع قدوم فصل الشتاء".

ويقول حرب لـ"المدن": نعيش في ظل غياب تام لأبسط الاحتياجات الإنسانية، ومعايير النظافة العامة، لا يوجد حمامات بالقدر الكافي لاستقبال هذه الأعداد، حتى أن الإنسان يضطر للسير ما لا يقل عن 10 دقائق حتى يتمكن من الحصول على فرصة للدخول إلى حمام، ناهيك عن فترات الإنتظار التي لا تناسب صغار وكبار السن".

ويلفت حرب إلى أن مسألة الحصول على فرصة للاستحمام غير متاحة أيضاً لا بل تأتي في خانة الكماليات في الوقت الحالي. لذا وبحسب وصفه، باتت المعاناة اليوم أكبر من مجرد تأمين الطعام، أو الحصول على بساط، أو وسادة.


خطط الحكومة

وضعت الحكومة خطة طوارئ لمعالجة تداعيات الضربات الإسرائيلية، من خلال تأمين الأطعمة والأدوية ومراكز إيواء وحتى بعض اللوجستيات، لكن هذه الخطة لا تزال بعيدة فعلياً عن احتياجات الناس، وقد يكون السبب في ذلك، ان احتياجات النازحين تتطور بشكل أكبر من القدرة الاستيعابية للحكومة في مواجهة هذه الظروف.

ففي الأسبوع الأول من الحرب الإسرائيلية المباشرة على لبنان وبلوغها العاصمة بيروت، شكل تأمين "فراش"، أو "وسادة" للنوم هاجساً حقيقياً للنازحين، لكن هذا الهاجس تبدد فعلياً، أمام البحث عن سقف ليحمي الأطفال والنساء. تقول إحدى النازحات (فضلت عدم الكشف عن اسمها) وهي أم لطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، إنها تعيش كابوس لا ينتهي، خاصة عند مغيب الشمس، بحسب تعبيرها. فإن أكثر ما يقلقها، هو الخوف من قدوم الليل وما يحمله من ظلام حالك مصحوب بأصوات الصواريخ التي تمر فوق رؤوس النازحين. تقول "باتت فكرة النوم لبضع ساعات خلال الليل، أشبه بحلم لا يمكن تحقيقه، وهي تخشى من الاستمرار في هذا السيناريو لفترة أطول". وتضيف بأن ابنها يحتاج إلى بيئة آمنة نسبياً من البقاء في الشارع، لكنها فشلت في الحصول على أي غرفة في أحد مراكز الإيواء.

تثير الكثير من المؤسسات الدولية مخاوف حقيقة من تردي الأوضاع في لبنان، خاصة وأن البلاد تفتقر إلى القدرة على الصمود اقتصادياً واجتماعياً في مواجهة حرب عسكرية بهذا الحجم. ويعاني لبنان ومنذ العام 2019، من ضعف في البنى التحتية، وتآكل بالقدرة الشرائية وارتفاع في مستويات التضخم، وبالتالي فإن أي أزمة جديدة، ستدخل البلاد ومعها المواطنون في المجهول.

تعليقات: