طائرات الموت لاحقتهم إلى نزوحهم الثاني: إبادة عائلات بأكملها

أدت الغارة في منطقة النويري إلى مقتل أفراد عائلة بأكملها والى جرح عدد من أقربائهم (فضل عيتاني)
أدت الغارة في منطقة النويري إلى مقتل أفراد عائلة بأكملها والى جرح عدد من أقربائهم (فضل عيتاني)


ظن حسين نجدي وعائلته، بعد هروبهم من بلدتهم صريفا، جراء الغارات الإسرائيلية والتهديدات المتواصلة لسكان القرى الجنوبية، أنهم أصبحوا بأمان. ظنوا أنهم نجوا بحياتهم، لا سيما أن إسرائيل ارتكبت في عدوان تموز العام 2006، مجزرة في بلدتهم، ما تزال مشاهدها ماثلة أمامهم.


الموت يلحقهم إلى بيروت

لا يعرف أطفال حسين الثلاثة بسام وزكريا وفاطمة، الذين ولدوا بعد هذا التاريخ شيئاً عن بشاعة المجازر الإسرائيلية. مع بدء العدوان الإسرائيلي الموسع على مناطق الجنوب، حمل حسين وزوجته لارا، أطفالهما متوجهين إلى مدينة صور. أرادا ابعادهما عن أصوات القصف واحتمال شن طيران العدو غارات على بلدتهم. نزحا إلى مدينة صور التي كانت ما تزال تعتبر "منطقة آمنة"، وحطوا رحالهم في دار جدتهم إنعام سقلاوي.

ثلاثة أيام مرت على نزوحهم الأول فقط، وبدأت الاعتداءات تطال مدينة صور. لم يعد من مكان آمن. حمل حسين ولارا أولادهما مجدداً، ونزحوا إلى بيروت إلى منطقة "النويري". ونزح معهما هذه المرة من صور، والدة لارا وخالها وأقارب آخرون. استأجروا شقة في النويري، على اعتبار أن بيروت ستكون أكثر أماناً.

بعد أيام على تواجدهم في هذه الشقة، وحيث كانوا يتابعون أحوال الأهل والأقارب ويتسامرون، على إحدى الشرفات، باغتتهم الصواريخ الإسرائيلية الموجهة. فنالت منهم جميعاً. وقد زعمت إسرائيل، انها استهدفت مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا. فيما كان الشهداء الضحايا عائلة حسين نجدي وعائلات أخرى من ميس الجبل.

يقول شقيق لارا شادي نجدي لـ"المدن": قلب الأم لا يخطئ كثيراً. قبل لحظات من سقوط الصاروخ، أخذت لارا طفلتها الصغيرة فاطمة وضمتها إلى صدرها وحضنتها. كانت "فراشة البيت" خائفة، وحاولت لارا بث الدفء والطمأنينة في صدرها الخائف والمرتعد. لكن الصاروخ أتى وأحرق جسديهما، وهما متلاصقتين، ولم ينفك أحدهما عن الآخر. أنهى هذا الصاروخ حياة هذه العائلة بأكملها: لارا وحسين وأولادهم بسام وزكريا وفاطمة. إضافة إلى جدتهم إنعام سقلاوي، وخال لارا ناجي سقلاوي.


لا أمان في نزوحهم الثاني

وفي المبنى عينه، ومحيطه في "النويري" كانت عائلات جنوبية أخرى نازحة من جحيم الغارات منذ سنة ونيف، من بلدتها ميس الجبل. وبعدما نجت من جحيم القصف على ميس، التي استشهد فيها العشرات ودمرت المئات من بيوتها ومؤسساتها، لم تصادف هذه العائلات في رحلة النزوح الأخيرة عالماً رحباً، ليس فيه عدوان أو ظلم. فقتلت هذه الغارة من أبناء ميس الجبل: علي يوسف عمار "أبو يامن"، وحفيدتاه الطفلة جود يوسف علي عمار (3 سنوات) و الطفلة تالا عباس محسن شقير (7سنوات) كما استشهد سعيد علي قبلان وطفلتاه تيا سعيد قبلان (9 سنوات) وليا سعيد قبلان (8 سنوات) وشاب آخر من آل شقير.

ليس بعيداً من بيروت، لاحقت الغارات الإسرائيلية العائلات النازحة إلى منطقة الشوف. عائلات بأكملها من قرى عيترون والمروانية والصرفند وزوطر والنبطية نزحت إلى منطقة الوردانية للمرة الثانية، بعدما كانت حطت في مناطق أخرى، لم تعد آمنة حيال توسع الاعتداءات الإسرائيلية. اختارت هذه العائلات "دار السلام" في الوردانية، وهو مؤسسة ثقافية واجتماعية أسسها المغترب الدكتور محمد سعيد أرناؤوط. فصاحب هذه الدار فتحه لضيافة معارفه وأصدقائه النازحين، إضافة إلى عائلات أخرى علمت به بالصدفة أو التواتر. ظنت تلك العائلات أن منطقة الشوف ستكون آمنة. ووجودهم في مؤسسة ثقافية واجتماعية سيقيهم شر القصف الذي يطال قراهم ومناطقهم في الجنوب.

لكن دار السلام لم يكن سالماً لتلك العائلات النازحة، بل أغار طيران العدو الإسرائيلي عليه بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهاد ستة أشخاص من العائلات النازحة وهم: مدير ثانوية المروانية الرسمية علي شلهوب، الذي لم يمض عام على توليه الإدارة، وزوجته سهام علي خليفة. إضافة إلى جواد موسى ونجله محمد، من بلدة عيترون، قضاء بنت جبيل. وعمر زيدان ووالدته هيام الزيني، وهما نازحان، من اللاجئين الفلسطينيين. وكذلك سقط عدد كبير من الجرحى. كما ادى الاعتداء المباشر على الأماكن السكنية إلى مغادرة عائلات نازحة ومن السكان الأصليين للبلدة.

ويؤكد صاحب " دار السلام" محمد سعيد أرناؤوط لـ"المدن"، أنه استضاف معارفه وأصدقاءه وزملاء مهنة، وبعض العائلات النازحة، للوقف إلى جانبهم في هذه المحنة. لكن غدر الغارات الإسرائيلية وصلت إلى داره، مبدياً أسفه لخسارة هذه الأرواح البريئة. فبعض هؤلاء النازحين يعرفهم عن قرب، كحال المربي الخلوق والمتواضع علي شلهوب وزوجته، وسائر الشهداء، الذين سقطوا في الدار.

تعليقات: