الحرب تقلّص اليد العاملة السورية.. الأجور تضاعفت والنقص كبير

تراجع العمالة السورية في القطاع الزراعي 40 في المئة (Getty)
تراجع العمالة السورية في القطاع الزراعي 40 في المئة (Getty)


لو كان عدد العائدين الى سوريا منذ توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 أيلول الماضي قد جرى في ظل ظروف هادئة على الأراضي اللبنانية، لسجل ذلك كإنجاز عملي في ملف تأمين العودة الآمنة والطوعية للنازحين السوريين الى بلادهم.

إلا أن عودة السوريين المقيمين في لبنان لا تتم اليوم في ظروف آمنة، وإنما جاءت هرباً من أعمال عدائية استهدفت في بعض الأحيان أماكن إقامتهم في لبنان، وهي حتماً ليست طوعية وإنما محركها الأساسي الخوف الذي يعيشه هؤلاء من توسع العدوان الى مختلف الأراضي اللبنانية.

إنطلاقاً من هنا شهدت المعابر الحدودية، الشرعية وغير الشرعية، تدفقاً كبيراً لأعداد النازحين، لتبلغ حتى يوم الإثنين في 14 تشرين الأول الجاري، بحسب أحدث الأرقام المسجلة رسمياً من قبل وحدة إدارة مخاطر الكوارث 326.476 ألفاً. وهذا العدد يشمل فقط أعداد المغادرة التي سجلت على مراكز الأمن العام اللبناني، ولا يشمل بطبيعة الحال السوريين الذين غادروا عبر المعابر غير الشرعية.


التدفق المعاكس

خلّف هذا التدفق السوري المعاكس، حالة إرباك في قطاعات إقتصادية وخدماتية تعتمد على اليد العاملة السورية، المياومة تحديداً. وبدأت معالم هذا الإرباك تظهر في البلديات، ولا سيما بسبب ما تعانيه من نقص في العمالة من أجل تأمين خدمات النظافة. إلى جانب تقلص حجم اليد العاملة الزراعية، وتراجع أعدادها حتى في بعض المهن والصناعات التي تعتمد عليها بوتيرة أقل، وفقا لما تؤكده مصادر العاملين في هذه القطاعات.

تعتمد معظم البلديات على المياومين السوريين بشكل أساسي في جمع النفايات ولمها. لا بل نادراً ما يكون لديها عمال لبنانيين، وهم إذا تم توظيفهم في خدمات النظافة يعينون عادة سائقين لشاحنات نقل النفايات. وعليه لم تشك البلديات طيلة الفترة الماضية من نقص في هذه العمالة، لا بل ما إن يفرغ مكان حتى يعاد ملأه بشكل تلقائي، خصوصاً أن طلبات العمل كانت تتدفق من مختلف التجمعات المنتشرة على مساحات واسعة من القرى والبلدات.


نقص العمالة

تبدل هذا الواقع في الأيام الأخيرة، وبحسب متعهدين بلمّ النفايات في أكثر من بلدة بقاعية، صار عامل النظافة عملة نادرة، بحيث لجأت بعض البلديات حتى الى إغراء هؤلاء بأجور مضاعفة، لتشجيعهم على البقاء في العمل. وعلى الرغم من تفاوت حجم هذه الأزمة بين القرى التي تشهد هدوءاً أمنياً وتلك التي تتعرض لإعتداءات متكررة، فإنها عكست تأثير حجم النزوح السوري المعاكس أولاً على هذه القطاعات، ومن ثم تأثير المخاطر الأمنية. وبالتالي لم تستثن من الأزمة حتى البلدات والمدن التي لا تقع تحت نيران الطيران الإسرائيلي.

يشير رئيس بلدية زحلة-معلقة وتعنايل، أسعد زغيب، الى تراجع العمالة السورية وارتفاع كلفتها، في معرض حديثه عن الأعباء المالية المتراكمة على البلديات والتي يفاقمها واقع الحرب وانعكاساته على مختلف المناطق.

يؤكد متعهد لم النفايات في المدينة جوزف القاعي أن ارتفاع كلفه هذه العمالة هي نتيجة لتراجع عدد العمال وهجرة أعداد منهم. ويشير القاعي الى كونه واجه أزمة النقص في تأمين اليد العاملة حتى على المستوى الشخصي، عندما تعرقلت الأعمال الإنشائية لمنزله بسبب تغيب العمال بشكل مفاجئ.

الأزمة مشتركة بين مختلف القرى والمدن كما يؤكد نائب رئيس بلدية رياق كرم شمعون، الذي يتعهد أيضاً أعمال لمّ النفايات من أكثر من بلدة بقاعية. ويلفت شمعون الى أن بلدة رياق كونها تقع تحت العدوان مباشرة، شهدت موجة نزوح كبيرة شملت اللبنانيين والسوريين معاً. وهذا ما صعّب مهمة تأمين العمال بشكل متواصل، خصوصاً أن العمال المتواجدين خارج البلدة يتجنبون العمل فيها.

هذه الأزمة وفقا لشمعون تنسحب على القرى الأخرى التي يتعهد لم نفاياتها وإن اختلفت أوجهها في القرى التي أوت النازحين. إذ أن كميات النفايات في هذه القرى تضاعفت، وبالتالي بات هناك حاجة لعدد أكبر من العمال، الذين تضاعفت أجورهم بسبب ندرة أعدادهم. وهذا ما رفع من كلفة جمع النفايات ونقلها من هذه القرى.

ويلفت شمعون الى أن الأسوأ هو أن المتعهدين ما عادوا ضامنين لتأمين العمال بشكل متواصل ويتغيبون بشكل مفاجئ لنكتشف في اليوم التالي أنهم غادروا البلد.

يطالب العمال أيضاً بتقاضي أجورهم بشكل يومي وليس شهري كما كان يحصل سابقاً، وهذا ما يخلق إرباكاً خصوصاً بالنسبة للعمال على شاحنات النقل والذين يقول القاعي بدوره أنهم يجب أن يكونوا من أصحاب الخبرات تجنباً لحوادث متكررة تحصل مع هؤلاء خلال تفريغ الحاويات.


تراجع العمالة السورية

يختلف وقع هذه الأزمة على القطاعات الأخرى التي تعتمد على العمالة السورية ومن بينها الزراعة، ووفقاً لجورج الصقر، رئيس نقابة مزارعي البطاطا، فإن مواسم البقاع من بطاطا وبصل لا زالت في السهل، بينما أعداد العمال في تراجع، ويرفضون العمل في المناطق الخطرة أو التي يتطلب الوصول إليها عبر المناطق الخطرة. ولأن المزارعين يخشون من أن تسبقهم الأمطار، لذلك يقعون تحت ضغوط الأجور الإضافية التي يغرون بها العمال حتى يقبلوا بالعمل.

وإذ يلفت الى أن العمالة بهذا القطاع تراجعت بنسبة 40 في المئة، يشير الصقر الى أن أجرة العاملة السورية عن يوم عمل ارتفعت من 500 الف ليرة الى مليون ليرة، والعامل من 20 دولار الى 30 دولار أحياناً.

غير أن المفاجئ في كلام الصقر، توضيحه أن بروز هذه الأزمة بحدّة بدأت مع بدء مغادرة قوافل السوريين للأراضي اللبنانية، ويرتبط بكون عمالة السوريين لم تكن بالأساس تسد الحاجات، حتى في ظل حجم النزوح السوري الضخم الى الأراضي اللبنانية.

يتحدث الصقر أيضاً عن عامل أساسي يتسبب بعدم الاستقرار في تأمين العمال الزراعيين وهو إختفاء اليد العاملة اللبنانية التي كانت تشكل نسبة 10 الى 15 في المئة قبل الأزمة التي تسبب بها النزوح السوري. ويشير الى أن أحد الحلول الممكنة لسد النقص في هذه اليد العاملة ربما تكون بالإستعانة مجدداً باليد العاملة العائلية "كما حصل في العام 1982 عندما كنا ننزل الى السهل مع عائلتنا للم المحصول حتى لا يفسد في الأرض".

تتراجع حدة هذه الأزمة في المقابل بالأفران التي تعتمد على اليد العاملة السورية بشكل أساسي أيضاً. ويعيد الصقر الذي يملك أيضاً فرناً في مدينة زحلة الى كون العمالة السورية في المهن المتخصصة سعت الى عامل الاستقرار بسبل مختلفة، وهناك عقد قانوني وأخلاقي يربط الطرفين بحيث لا يقدر العامل أن يغادر من دون إخطار صاحب العمل، واقله تدريب أحدهم ليحل مكانه.

تلعب الحوافز التي يقدمها بعض أصحاب العمل من أجور للنقل وأماكن للسكن عاملاً أساسياً في تأمين هذا الاستقرار، ومع ذلك يؤكد الصقر أن بعض المؤسسات أصابها الخلل نتيجة لهرب النازحين الى بلادهم، وقد جرى تعويض ذلك عبر عمل البعض دوامين بدلاً من دوام واحد.

تعليقات: