د. علي زبيب: المسؤولية المباشرة واستعادة العدالة وحقوق المودعين

المحامي الدكتور علي زبيب، رئيس لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين ببيروت
المحامي الدكتور علي زبيب، رئيس لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين ببيروت


في الذكرى الخامسة للأزمة المالية في لبنان التي بدأت في 17 أكتوبر 2019، وفي ظل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، أصدر المحامي الدكتور علي زبيب، رئيس لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين ببيروت، بياناً أكد فيه أن المصارف التجارية اللبنانية هي المسؤولة المباشرة عن إعادة أموال المودعين وأشار إلى أن المصارف استخدمت ذرائع واهية لتبرير احتجاز الودائع، حيث تذرعت بأن الدولة اللبنانية استولت على 60 مليار دولار، بينما ما يزال مصير 80 مليار دولار غير واضح.

ويؤكد الدكتور زبيب أن المصارف ارتكبت انتهاكات خطيرة عبر فرض "هيركات" بنسبة تصل إلى 90%، مما أدى إلى تدهور أوضاع المودعين وتفاقم الأزمة المالية. كما يشير إلى دور المصرف المركزي وبعض القضاة في تغطية هذه الممارسات. ويعرب عن قلقه من احتمال إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF)، مما سيزيد من تعقيد الأزمة.

البيان يتناول قضية خطيرة تتعلق بالأزمة المصرفية في لبنان، ويكشف عن التلاعب المالي الذي تمارسه المصارف اللبنانية بالتواطؤ مع جهات عدة، ما أدى إلى تدهور أوضاع المودعين وتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. الكاتب، الدكتور علي زبيب، يشير إلى أن المصارف اللبنانية تنامت ثرواتها خلال الأزمة، وأنها تلجأ إلى تبريرات واهية حول الخسائر التي تعرضت لها. ويسأل الكاتب عن مصير المبالغ المتبقية التي لم توضح المصارف مصيرها، بالإضافة إلى الانتهاكات التي تمارسها المصارف بحق المودعين، مثل الحجز على الأموال وفرض "الهيركات" دون وجه حق.

الدكتور زبيب يُحمل المصرف المركزي والقضاء اللبناني جزءًا من المسؤولية عن هذه الأزمة، متهماً إياهم بالتواطؤ أو التقاعس في محاسبة المصارف. كما يعبر عن قلقه من إدراج لبنان على "اللائحة الرمادية" لمجموعة العمل المالي (FATF)، مما سيزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية.

في ظل هذه الظروف، يؤكد الدكتور زبيب أن لجنة الشؤون المصرفية ستظل سندًا للمودعين، وستواصل العمل على كشف الحقائق والدفاع عن حقوقهم، داعياً إلى إصلاحات جذرية في القطاع المصرفي وإقرار قوانين ضرورية مثل إعادة هيكلة المصارف وقانون الكابيتال كونترول، من أجل استعادة العدالة والنظام المالي في لبنان بعد انتهاء الحرب.


اليكم نصّ البيان:

في الذكرى السنوية الخامسة لبداية الأزمة المالية والإقتصادية والنقدية والمصرفية في ٢٠١٩/١٠/١٧، وللحقيقة والتاريخ، وفي خصّم جرائم الحرب والإبادة التي ترتكبها آلة الإرهاب والقتل الإسرائيلية بحق شعبنا اللبناني، وكوننا مؤتمنين على حماية العدالة، وبصفتي محامٍ منتسب لأم النقابات "نقابة المحامين في بيروت"، ومن موقعي كرئيس ل"لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين"، وفي ظل أُفول القضايا الداخلية الأساسية وأهمها قضية المودعين، وفي ظل المبادرات المصرفية والتعاميم غير الوافية والمشبوهة والتي تبدو في ظاهرها لصالح المودعين ولكنها جزء من سلسلة الإبقاء على الوضع الحالي المُدمّر لحقوق المودعين دون المس بإدارات المصارف القائمة والمُرتكبة، وحتى يكون موقفنا بغاية الوضوح لناحية توزيع المسؤوليات، تعليقاً على مقولة أن "الدولة قضمت أموال المودعين"، لا بد من التأكيد أننا في اللجنة ملتزمون السياق القانوني والطبيعي لهذه القضية الإنسانية والوطنية لناحية إعتبار المصارف التجارية اللبنانية هي المسؤولة المباشرة وبالدرجة الأولى عن رد الأموال لمودعيها كونها وبموجب القانون المدين الأوحد للدائن وهو المودع. وهنا لا ننفي مسؤولية المصرف المركزي ومسؤولية الدولة ممثلة بالسلطة السياسة ومجالس النواب والحكومات المتعاقبة منذ نهاية الحرب، ولكن قانوناً فإن حق المودع يُطالب به حصراً من المصرف الذي قبل الوديعة، والذي هو بدوره المسؤول عن تحصيل حقوقه من المصرف المركزي أو الدولة أو أي طرف آخر قام المصرف بإقراضه إعتباطياً ودون أية ضمانات وعلى مسؤوليته، وعليه لا يجب البحث بالمس بأصول الدولة والتي هي ملك لجميع اللبنانيين ومنهم ليسوا بمودعين وخارج النظام المصرفي أصلاً.

كما لا بد من الإشارة إلى أن معظم أصحاب المصارف اللبنانية قد تنامت ثرواتهم في الخمس سنوات الماضية منذ بداية الأزمة، وإذا كانت الذريعة التي يلجؤون إليها بأن الدولة اللبنانية قد قضمت ٦٠ مليار دولار (كما تدّعي المصارف)، فأين هي ال ٨٠ مليار دولار المتبقية؟ (وهو الفرق بين ما تدّعي المصارف بأن الدولة قد قضمته، ومجموع قيمة الودائع التي تم حجزها والبالغ حوالي ١٤٠ مليار دولار)، مع العلم بأن هذه الودائع قد إنخفضت إلى أقل من ٩٠ مليار دولار من جراء الهيركات "الإجرامي" الذي مارسته المصارف دون وجه حق ولا تزال، وذلك بتغطية سافرة من المصرف المركزي وغض نظر خطير وفي بعض الأحيان تواطئ من العديد من القضاة.

إن هذا الأمر قد دفع بالمودعين إلى القيام بسحوبات شهرية بخسائر تصل إلى ٩٠٪؜ من قيمة أموالهم الحقيقية كما أدى إلى بيوعات للشيكات المصرفية بذات نسبة الخسارة. وما عمّق الهوّة هو إرتكاب المصارف اللبنانية لعملية إقصاء مالي شامل عبر الإقفال العشوائي للحسابات وإعدام هذه الحسابات عبر إجراء عروض فعلية وإيداعات لدى كتاب العدل لتصبح الخسارة ١٠٠٪؜. (كونه لا يمكن إيداع هذه الشيكات في أي مصرف آخر) وقد أدى ذلك بالمُحصّلة إلى خلق النظام المالي النقدي الموازي، وحفّز عمليات تبييض الأموال على أوسع نطاق، وقد يؤدي قريباً إلى إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي FATF وهو ما سيُعمق الأزمة اللبنانية، حيث سيكون لدينا بلد دمره مسؤولوه إقتصادياً ودمّرته آلة الإجرام الصهيونية بنيوياً.

كل ذلك والقضاء بغالبيته في حالة ثبات عميق، ولجنة الرقابة على المصارف في حالة موت سريري، ولم نشهد لغاية الآن محاسبة رقابية أو قضائية حقيقية لواحد فقط من حيتان المصارف، ولم نرَ أي تطبيق للقوانين المرعية الإجراء وأبرزها القانون ٦٧/٢ وهو قانون وضع اليد على المصارف والذي قد يُحقق بعضاً من العدالة ويدفع بالقيّمين على المصارف على التحرك وكشف شركائهم من السياسيين ومحاولة إصلاح ما إرتكبوا.

بالرغم من الحرب الهمجية التي يتعرض لها وطننا الغالي، وإعطاء الأولوية لمواجهة العدوان والإجرام الذي يُرتكب بحق كل مواطن لبناني، فإن لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت لن تسكت عن محاولات طمس الحقيقة على العديد من الجبهات الرسمية والخاصة والإعلامية، وستبقى تُشكّل سنداً للمودعين وسدّاً منيعاً بوجه المحاولات العلنية المستترة لهضم ما تبقى من حقوق المودعين والتستّر على الجرائم المالية وتفادي المساءلة والمحاسبة المطلوبة.

كل ذلك بهدف تحقيق العدالة وإستعادة الإنتظام المالي العام عبر تفعيل الدورة الإقتصادية وتحفيز الإستثمار الخارجي المباشر وذلك بشكل أساسي من خلال إصلاح الوضع المصرفي عبر إعادة إنتاج قطاع مصرفي صحي وسليم ليشكل عاموداً فقرياً حقيقياً للإقتصاد اللبناني ورافعة لمصادر الإنتاج والتمويل، فور الإنتهاء من هذه الحرب الهمجية، وهو أمر يمكن تحقيقه أولاً عبر إقرار القوانين الأساسية والتي خيرٌ أن تأتي منأخرة من أن لا تأتي أبداً، مثل قانون إعادة هيكلة المصارف وقانون الكابيتال كونترول وقوانين ضرورية أُخرى.

ومن هنا فقد إقتضى التوضيح حتى يعلم الجميع أن لجنتنا تقف على الضفّة الصحيحة من التاريخ لناحية الوقوف مع المودعين سدّاً منيعاً في مواجهة جميع محاولات طمس قضيتهم وإستغلال الحرب القائمة لدفن جريمة حجز أموالهم.

حمى الله لبنان ونصره على الدوام.


الدكتور علي زبيب

محاضر جامعي ومحامٍ متخصص بالقوانين الإقتصادية الدولية

رئيس لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت.

تعليقات: