اللاجئون السوريون في مخيم حوش الرافقة متروكون لأقدارهم!


تتفاقم معاناة اللاجىء السوريّ في لبنان لتصبح مضاعفة، خصوصًا أنّ خياراته في النزوح من أماكن القصف والخطر محدودة، في ظلّ صعوبات كبيرة يواجهها، إذ أُغلقت بوجهه مراكز الإيواء التي فُتحت للبنانيّين حصرًا، بالإضافة إلى الاكتظاظ الحاصل في مخيّمات اللجوء البعيدة عن الحرب والتي لم يعد باستطاعتها استقبال نازحين سوريّين من أماكن الحرب.

أمام هذا الواقع آثر سوريّون كثر لاجئون في مخيمات تقع ضمن دائرة النار البقاء في خيمهم، على الرغم من المخاطر الكبيرة التي من الممكن أن يتعرّضوا لها، والسبب في ذلك افتقادهم إلى أماكن أخرى أكثر أمنًا يلجأون إليها. من بين تلك المخيّمات مخيم حوش الرافقة الذي يقع في البقاع الأوسط، ويعيش حياة الحرب بكلّ تداعياتها وآلامها. ويعاني سكّانه من أبسط الخدمات والضروريّات التي تعينهم على البقاء على قيد الحياة. المخيم الذي يضمّ عشرات الخيم ويؤوي أكثر من 3500 شخصٍ منقطع عن المحيط ومعزول تمامّا في معاناته واحتياجاته الضروريّة عن كلّ المنطقة.

واقع المخيّم أثناء الحرب

المخيّم المذكور الذي حُجبت عنه تقديمات الأمم المتّحدة والجمعيّات قبل سنتيْن، أتت الحرب القائمة لتزيد من معاناة سكّانه على مختلف الصعد، ولتحرمهم من مقوّمات عيشهم، ولتزرع في قلوبهم الرّعب والخوف، كونهم موجودين في منطقة مستهدَفةٍ من قبل العدوّ الاسرائيليّ كما يتحدّث محمد (اسم مستعار) وهو من المسؤولين عن مخيّمات حوش الرافقة لـ “مناطق نت”، فيقول شارحًا واقع اللاجئين: “إنّ مخيّمات اللاجئين في حوش الرافقة هي من المخيّمات الكبيرة في المنطقة، لناحية أعداد خيَمها وعدد قاطنيها، ونحن قبل الحرب كنّا نعاني من انعدام الخدمات والمساعدات التي كانت تأتينا من الأمم المتّحدة، واليوم بسبب الحرب تفاقمت أزمتنا حتى بلغت مرحلة المأساة إذ لا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا مساعدات تأتي إلى المخيّمات منذ بداية الحرب”.

يتابع: “معيشتنا تعتمد على ما تيسّر لدى السكّان من مُؤن شهريّة، فضلًا عن الجانب الأمني المُرعب الذي يعيشه القاطنون في المخّيم كلّما أغارت الطائرات بوحشيّة على أماكن قريبة جدًّا لا تبعد سوى مئات الأمتار من مكان وجودنا، كرياق والسّفري وبيت شاما”.

ويضيف: “المخيّم في حالة عزلة حقيقيّة، وهو بمثابة منطقة محاصرة لا يدخلها إلّا الهواء وصبر سكّانه، الذين باتوا ينتظرون قضاء الله وعطاءه، حيث لا أحد يرى أو يسمع ما نحن فيه”. ويشير محمّد “إلى وجود حالاتٍ مرضيّةٍ عديدةٍ لدى السكّان وهي تحتاج إلى أدويةٍ ومتابعةٍ طبّيّةٍ، ولكنّها تُداوى بالأعشاب والتحمّل لأنّ الوسائل الطبّيّة منعدمة بالكامل”.


توقّف العمل

يلفت محمّد إلى أنّ سكّان المخيّم يعتمدون في حياتهم على الزراعة والعمل في الخيَم الزراعيّة البلاستيكيّة “وبسبب ما نحن فيه توقّفوا عن العمل كلّيًّا، لأنّ أصحاب الخيم هجروها، فلم يعد من دخل أو مصدر مالي للعمّال، ما جعلهم بلا مدخول مادّيّ، وبالتالي الوصول إلى حالة العوز، حيث هناك عشرات العائلات لم تعد تملك ثمن شراء ربطة خبزٍ واحدة، وهو أمرٌ خطير للغاية.”

ويردف محمّد بالقول: “إنّ أزمةً أخرى تضاف إلى مأساة سكّان المخيّم، تتمثّل بعدم القدرة على تأمين المياه من أماكن قريبة بسبب الوضع الأمنيّ، ما يضطرّ القاطنين في المخيّم، تأمينها من أماكن بعيدة، مع عدم القدرة على تأمين كلفها بعد أن أصبحوا جميعهم بلا قدرات ماليّةٍ، إذ يتقاسمون كمّيّات المياه القليلة أصلًا، للغسيل والتنظيف والشرب”.


محمد: سكّان المخيّم يعتمدون في حياتهم على الزراعة والعمل في الخيَم الزراعيّة البلاستيكيّة وبسبب ما نحن فيه توقّفوا عن العمل كلّيًّا، لأنّ أصحاب الخيم هجروها، فلم يعد من دخل أو مصدر مالي للعمّال


نزوح من أماكن النّزوح

ويشير محمّد إلى “أنّ أكثر من 800 شخص تركوا المخيّم منذ بداية الحرب، قسم منهم توجّه إلى طرابلس شمالَ لبنان وإلى عرسال في البقاع الشماليّ وغزّة في البقاع الغربيّ، ومنهم من عاد إلى بلداته في سورية كالرقّة ودير الزّور “لينزحوا بذلك مرتيّن في حربيْ سوريا ولبنان، متحمّلين أوزارًا ومصاعب لا ناقة لهم فيها ولا جمل”. مضيفًا “حتّى إنّ نازحي الجنوب اللبنانيّ من السّوريّين لم يسلموا في أماكن نزوحهم، فغادر العشرات منهم ، مرّةً أخرى، إلى مخيّمنا لعلّهم يحظوْن ببعض أمانٍ قد لا ينالونه لا سمح الله في مكان إقامتنا التي هي تحت القصف والنار.” وهذا ما زاد من محنتهم لأنّ وجودهم معنا قد يقلّل من نسبة الخطر قياسًا إلى مناطق الجنوب، إلّا أنّه فاقم من أزمتهم الماليّة إذ لا خدمات معيشيّةً لدينا تسدّ رمقهم…”


مناشدة إنسانيّة

انطلاقًا من “حقّنا الإنسانيّ في الحياة وفي تأمين مقوّمات العيش، وكي لا نموت من الحاجة نناشد الأمم المتّحدة والجمعيّات اللبنانيّة والعالميّة والصليب الأحمر وكلّ من لديه القدرة والإمكانيّات أن يلتفتوا إلينا بزيارةٍ ميدانيّةٍ ليروْا بأمّ أعينهم واقعنا عن كثب، ويقدّموا لنا ما يحتاجه سكّان المخيّم قبل حدوث الكارثة…” يقولها محمّد والغصّة تخنقه مختتمًا مناشدته بـ “ارحمونا فنحن بشر..”


شهادات من المخيّم

يقول حمد (اسم مستعار) وهو أب لستة أولادٍ إنّه لا يملك قرشًا واحدًا منذ أكثر من شهرٍ بسبب توقّفه عن عمله في الزراعة جرّاء الحرب التي عطّلت كلّ القطاعات، وهو يعيش مع أولاده على ما تيسّر من مساعدةٍ من الجيران “الذين هم أيضًا يعانون من قلّة المادّة وضيق الحال. ويشير لـ “مناطق نت”: “إلى أنّ المؤونة نفدت من خيمته في وقتٍ تنعدم فيه سبل تأمين الحياة اليوميّة إذ ما من أحد يستطيع العمل أو تأمين المال أو موادّ استهلاكيّة مع غياب المساعدات والموادّ الغذائيّة كلّيًّا عن مخيماتنا كافةً.”

ويجزم أنّه المعيل الوحيد لعائلته “كون أولادي صغارًا ولا يستطيعون العمل، وأنا كنت مستور الحال قبل هذه المحنة وعلى “قد حالي”، أمّا اليوم فأنا بحال عوَز كبيرة، ونحتاج إلى أدنى التقديمات لأنّه لا يوجد شيء في خيمتنا على الإطلاق”. حمد وجّه صرخة ألم “لكلّ الذين يملكون ذرّة إنسانيّة أن ينقذونا من الموت ويحموا أطفالًا أبرياء لا ذنب لهم في ما نحن فيه.”


يد عاملة متوقّفة

ويشير مروان (اسم مستعار) إلى أنّ عائلته المكوّنة من عشرة أشخاص تعاني نقصًا حادًّا في كلّ شيءٍ، ولا يتوافر لديه سوى الصبر وما يأتيه من بعض المحسنين. ويقول لـ “مناطق نت”: “إنّ عائلته جميعها تعدّ يدًا عاملةً ومنتجة، وقد توقّفت عن العمل منذ بداية الحرب، ما أوقف الإنتاج المادّيّ، وبالتالي تأمين الاحتياجات “فأصبحنا لا نستطيع توفير المأكل والمشرب والدواء وكلّ المستلزمات”.

ويضيف: “إلى جانب ما نعانيه تبرز أزمة المرض وتأمين الطبابة حيث لا طبيب يزورنا ولا قدرة لدينا على الذهاب إلى عيادات الأطبّاء”. ويرى أنّ “سكّان المخيّم محاصرون من الجهات الداعمة التي توقّفت عن الدعم والمساعدة وهو حصار غذائيّ وحصار العدوّ الذي يلاحقنا أينما نزحنا ويمنعنا من التحرّك والتجوّل”. ويدعو مروان الله “أن يميتنا ويريحنا من حياةٍ ذليلةٍ لا عيش فيها للضعيف”.

اللاجئون السوريون في مخيم حوش الرافقة متروكون لمصيرهم
اللاجئون السوريون في مخيم حوش الرافقة متروكون لمصيرهم


جانب من مخيم حوش الرافقة حيث الخدمات معدومة والغارات لا تبعد سوى مئات الأمتار عن المخيم
جانب من مخيم حوش الرافقة حيث الخدمات معدومة والغارات لا تبعد سوى مئات الأمتار عن المخيم


تعليقات: