اوكرانيا: جمال طبيعتها الاخاذة وجمال صباياها الساحر

جمال صباياها الساحر
جمال صباياها الساحر


خاركوف بين الشيوعية السابقة و"الثورة البرتقالية"...

اوكرانيا: التغيرات لم تقطع مع الماضي والتطور زاد طبيعتهما سحراً وجمالاً...

الذهاب الى اوكرانيا فكرة تغري لكثرة ما يتم الحديث عنها، وخصوصا عن مناطقها السياحية وعما هو معروف عن جمال طبيعتها الاخاذة وجمال صباياها الساحر. اما الحصول على الفيزا الاوكرانية من لبنان فليس بالامر الصعب. نبدأ الرحلة من مطار بيروت. الخدمات في الطائرة ليست مغرية ولكن المهم ان نصل، وها نحن اخيرا في مطار كييف. تخرج للهواء، فيطالعك منظر الاشجار الرائع الذي نفتقده في بلدنا. زحمة المسافرين من مختلف الجنسيات: سياح طلاب من مختلف الجنسيات يعودون من بلادهم لمتابعة الدراسة. وننتظر دورنا للحصول على مقاعد في احدى الحافلات المتوجهة الى مدينة خاركوف. والوقت يمر لكن لا تململ. فكرة احتساء البيرة الاوكرانية ليست سيئة.

كنا خمسة اشخاص لبنانيين ونتحدث اللغة الروسية من دون مشكلة، ما دمنا طلاباً سابقين في جامعات اوكرانيا. يدفع كل منا خمسة وسبعين دولاراً وهذا سعر عادي لرحلة تمتد ثماني ساعات من مطار كييف العاصمة الى خاركوف. الطرق واسعة والاشجار من الجهات كلها والطقس صيفي ولا اجمل. السائق يلتزم قوانين السرعة واشارات السير.

بين الأمس واليوم

اخبرنا السائق اننا سنتوقف في محطات معينة للاستراحة وقضاء حاجاتنا. شعور بالهدوء والانتظام جراء انسجام المشاهد، على خلاف لبنان، حيث التنافر والفوضى وابواق السيارات. المحطة الاولى كانت قرب اكشاك لبيع الهدايا واشرطة الفيديو، واخرى تقدم الحساء والطعام الاوكراني على انواعه، والبيرة هي "الرفيق" الدائم.

اخيرا وصلنا الى خاركوف ليلا فاستقبلنا احد الاصدقاء القدامى حيث يقيم منذ سنوات بعد تخرجه من الجامعة، ومتزوج من اوكرانية ويعمل في مجال التجارة. الطقس هادئ ورائحة الاشجار والزهور تجعلك تعيش حلما رومنسياً بالمقارنة مما نعانيه في لبنان من "كوابيس الحضارة".

نبدأ رحلتنا بالسؤال عن احوال العرب والاجانب وكيفية التعامل معهم، وهل تغيرت عن الحقبة السوفياتية السابقة؟ طبعاً، يجيب الصديق اللبناني القديم، متابعاً: ولكن ليس على نحو سيئ، ولكل مرحلة ظروفها. هو في خاركوف منذ مدة طويلة ومتزوج وهو يملك محلاً خاصاً به هوعبارة عن ميني ماركت. ويقيم في المدينة مئات العرب والافارقة ويعملون من دون اي متاعب، لكن "الحال لا يخلو الامر من بعض المشاكل البسيطة مقارنة مع ما يعانيه المرء في بلادنا". وعن توافد طلاب اجانب، كما في السابق، يقول الصديق ان عددهم اقل بكثير، لأن الدراسة اصبحت مدفوعة و ليست "مجانية" كما في ايام اشتراكية الاتحاد السوفياتي السابق، حينما كانت تقدم منح للاحزاب، وخصوصا الشيوعية منها، فيتوافد الطلاب باعداد كبيرة للدراسة من بلدان كثيرة في اوكرانيا.

المترو من اهم المواصلات في خاركوف، اذ انه يربط المدينة بكافة نواحيها، ويستعمله يومياً مئات الالوف. الرحلة الواحدة تكلف 0,75 غريفن (الدولار الاميركي يساوي4,80 غريفن) اي ان تسعيرة التنقل في المترو رخيصة مقارنة بالدول الاوروبية الغربية. يفتح المترو ابوابه في الساعة الخامسة والنصف صباحا. المحطات من الداخل نظيفة التدخين ممنوع والرسوم الجميلة تزين الجدران التي لا تزال البصمات السوفياتية ماثلة عليها في كل محطة، تماثيل ومنحوتات و اسماء محطات تم انشاء اخرى جديدة منها لاتقل جمالا عن سابقاتها، فيما والعمل جار لافتتاح محطات اخرى. اما داخل عربات المترو فتحولت الى ما يشبه اللوحات الاعلانية من كل الالوان والاشكال في ما يشبه "فوضى منظمة". واللغة الروسية استبدلت باللغة الاوكرانية، لذا عليك ان تحاول ان تفهم، فيما المواطنون الاوكرانيين انفسهم لايفهمون اللغة الاوكرانية، الا اولئك الذين ياتون من الارياف، وهم ليسوا كثيرين. وداخل العربات لا مجال للفوضى. كل يحمل جريدة او كتاباً والهمس سيد الموقف، مع الاشارة الى ان مختلف الممرات والمداخل الى تكاثرت فيها الاكشاك لبيع مختلف انواع السلع الاجنبية والمشروبات والهدايا، والشاورما والتي تلاقي اقبالا كبيرا، ومعظم اصحاب اكشاكها هم من العرب المقيمين في خاركوف، فتسمع اللغة و اللهجات العربية وضجة بين زبائن هذه الاكشاك.

محمد، وهو فلسطيني انهى دراسته في الهندسة وتزوج من اوكرانية، يقول ان الحصول على كشك هنا ليس بالامر بالسهل، "سابقا كنا ندفع للمافيا اما اليوم فللشرطة التي تسيطر على كل شيء والامن مستتب. كلفة الكشك ثمانمئة غريفن اي مئتي دولار في الشهر والشغل ماشي الحال بمساعدة عامل اوعاملة اوكرانية" ولا بد من "الكرم العربي" على صعيد الضيافة" ولسان حال محمد "تفضل المحل محلك".

المواصلات الاخرى متوافرة ايضاً على انواعها الى القرى، الى الاوتوبيسات الكبيرة الى الترامواي الى التاكسي وهذه كلها تسير في اوقات محددة، والتعرفة منايبة للجميع مما يسهل التنقل الى اي مكان، فيما الاسماء والاشارات موجودة بكثافة، من دون تغيير كبير ما بين الحقبة السوفياتية السابقة والوضع الحالي على هذا الصعيد.

الجامعات والاسواق

الساحة الرئيسية، التي كانت تسمى ساحة لينين، ما زال تمثاله منتصبا في وسطها، لكنها اصبحت اليوم ساحة الحرية، بعد الانفصال وقيام "الثورة البرتقالية" التي ادت الى الوضع الحالي، واستبشر الناس خيرا وتحسنا في الوضع الاقتصادي والاجتماعي. لكن يبدو ان "الواقع شيء والاحلام شيء اخر. وهذا لا يعني ان لاتغيرات، لم تحصل ولكن ليس على النحو المرتجى، كما قال صديقي الاوكراني ساشا (الكسندر) لأن اخطاء كثيرة قد حصلت من قبل قوى المعارضة التي استلمت السلطة من دون ان يكون لديها اي برنامج سياسي واقتصادي، سوى التخلص من الذي كان سائدا في السابق. لذا يعتبر ساشا ان الوضع السياسي يسير نحو التازم في ظل قلة الاهتمام بأمور الناس وتفشي والبيروقراطية والاختلاسات وغياب المحاسبة الجدية".

ليس بعيدا من ساحة الحرية تقع جامعة خاركوف الطبية الحكومية التي تعد من اعرق الجامعات واهمها من حيث تأسيسها وجودة برامجها الدراسية التي تمتاز برصانتها وجدية مناهجها التعليمية. هناك كذلك اكاديمية خاركوف الحكومية للاقتصاد و الفنون اضافة الى الجامعات التقنية اكاديمية خاركوف للطيران.

من ساحة الحرية يمكن الانتقال ايضاً الى حديقة الحيوانات. تدخل اليها ولا تعرف كيف تخرج منها، وتنتشر فيها مقاه واستراحات وبحيرات رائعة، حيث تكثر الزهور والاشجار على ضفافها، وبعيداً منها.

الحدائق كثيرة ومنتشرة في معظم الاماكن، وقد تكون اكبرها الحديقة التي تحمل اسم الكاتب السوفياتي الكبير وصاحب رواية "الام" مكسيم غوركي الذي ينتصب على مدخلها تمثال كبير له. والحديقة هذه هي استراحة كبيرة للافراد والعائلات وترفيه الاطفال.

ظاهرة جديدة لافتة، وهي انتشار لوحات الاعلانات بكثافة على الطرق وفي كل الاماكن، ولكن على نحو مرتب ومنظم، من دون ان تحجب النظر. وما تبدل ايضاً انك صرت ترى ما هب ودب من اصناف السيارات الاجنبية على الطرق، مما يشير الى ان البلد قد خطى خطوات كبيرة على صعيد توافر الاموال ووجود الرساميل في ايدي شريحة واسعة من الناس. هذا اضافة الى انتشار المحلات ذات الماركات العالمية، من البسة وادوات منزلية لم تكن تجد لها مكاناً ايام الحقبة الشيوعية. و الجديد ايضاً هو انتشار الاسواق الكبيرة خصوصا قرب محطات المترو، حيث يعمل الالوف. والاسواق هذه عبارة عن خيم وكونتوارات مليئة بالبضائع، تفتح ابوابها من الساعة السادسة صباحا حتى الثالثة بعد الظهر وللعرب على اختلاف جنسياتهم حضورهم في هذه الاسواق. فهناك مثلا ما يسمى بالحي السوري والفلسطيني اما اللبنانيون فاقل عددا" وكل مختص ببضاعة معينة واللافت ان اكشاك الشاورما منتشرة بكثافة في اكبر الاسواق، هو سوق بارباشوفا الذي يمتد على مئات الوف الامتار، ويعتبر اكبر سوق في اوروبا الشرقية. تدخل اليه ولاتعرف كيف تخرج من دون دليل. الاسعار مناسبة للجميع. وليد(لبناني) يملك في السوق محلا لبيع العطورات، يقول ان الحصول على محل في السوق يكلف مبلغا كبيرا، فايجار محله الشهري يبلغ 600 دولاراً لكن الشغل ماشي ويتحسن، لأن حركة الناس قوية والبيع بالجملة واحيانا يفتح السوق ليلا حتى ساعة متاخرة". هناك اسواق لا يدخل اليها الا الذين يحملون بطاقات خاصة، والاسعار هنا لزبائن من اصحاب الدخل المرتفع، او كما يسمونهم هنا الاثرياء الجدد الذين يتمتعون بعلاقات واسعة باجهزة الدولة على ما قال لي احد العاملين.

الاقامة والرشوة والاعلام

الحصول على الاقامة الدائمة في اوكرانيا ليس بالامر السهل، وحتى لو كنت متزوجا من اوكرانية. البيروقراطية معشعشة والقوانين قابلة للتلاعب بها، والرشوة متفشية -. لذا عليك ان تدفع من "تحت الطاولة" مبلغ اولياً حوالي 3 الاف دولار اميركي وتنتظر ويمكن ان "تزبط" (حظك نصيبك) مع العلم ان القانون يفيد بان من امضى من دون ان يغادر اوكرانيا خمس سنوات واذا كان متزوجا يحصل فورا على الجنسية ولكن...

العادات والتقاليد الشعبية الموروثة من الحقبة السابقة ما زالت حاضرة. الفنون على انواعها متوافرة وخصوصا المسرح الذي له له رواده وليس من السهل الحصول على بطاقة دخول الى المسارح ولكل منها اختصاصه من الدمى الى القطط الى الغناء الى الاوبرا الى الدراما وغيرها. وكذلك السينما لها روادها وكذلك المتاحف موجودة، ومنها ما يعكس الحقبة الشيوعية ويمجد الانتصارات التاريخية على الفاشية، ناهيك عن الاعياد الوطنية وعيد العمال في الاول من ايار ويندفع بقايا الشيوعيين الى الاحتفال به بشكل اساسي وهناك ايضا" العيد السنوي الوطني في مناسبة استقلال اوكرانيا الى الاعياد الدينية.

و ظاهرة نسخ افلام الفيديو رائجة، ويمكنك ان تحصل على اي نسخة، اضافة نحو عشرة افلام بسعر عشرين غريفن، اي اربع دولارات، مع العلم ان النسخة الاصلية ثمنها عشرة دولارات او اكثر.

الاتصالات في خاركوف شبه مجانية وانتشار الهاتف الخليوي اشبه بانتشار لعبة. فكل شخص يحمل اكثر من هاتف نظراً الى ان المكالمة شبه مجانية، ويمكن استعمال الهاتف داخل محطات المترو تحت الارض من دون اية متاعب او مشاكل، والارسال ممتاز، ويمكن الاتصال الى مختلف دول العالم وباسعار زهيدة.

ووسائل الاعلام والصحافة لا رقابة فعلية عليها والصحف والمجلات منتشرة على انواعها واشكالها من اليمين الى اليسار والوسط، وحتى الصحف الشيوعية تباع في الاكشاك وعلى مداخل المترو. ام وسائل الاعلام المرئية فهي مزدهرة وتطغى عليها الدعاية القومية. هناك محطات تلفزيونية مقربة جداً من الاعلام الصهيونيا ويقال انها تغالي في نقل الحوادث وخصوصا في تغطيتها لما جرى اخيراً في جورجيا، فشنت هذه المحطات هجوماً عنيفاً على روسيا، لكن الشعب الاوكراني منقسم حول هذا الموضوع انقساما" واضحاً.

الذهاب الى الاماكن الاثرية والتراثية ضرورة لكل سائح في خاركوف. احد ى العاملات في وكالة لحجز البطاقات قالت انها كانت في لبنان واعجبها كثيرا. لكنها نصحتنا بالذهاب الى مدينة سفيتاغورسك (المدينة المقدسة)، وهي مدينة دينية فيها دير كبير، وتبعد ثلاث ساعات من خاركوف في حافلة سياحية خاصة، سعر بطاقتها مئة غريفن (عشرين دولارا).كانت المفاجأة الرائعة. ان الدير ليس اقل من تحفة معمارية محفورة في قلب الجبل، حيث تتراءى القبب الزرقاء والخضراء وسط الاشجار. وكلما اقتربت من الدير بانت تلك التحفة واضحة في اللون الابيض للدير، فيما وتبرز الكنيسة الكبيرة بقببها المذهبة بمهابة ووقار، و حيث يقف الحراس بلباسهم القديم تحت المطر، وكان شيئا لا يحدث، وللدخول الى الدير على النساء ان يضعن منديلاً على رؤوسهن احتراما للمكان، وكذلك ممنوع الدخول بلباس قصير، حيث يكثر الحجاج. كان الوقت وقت قداس تتصاعد منه التراتيل ومع قرع الاجراس التي ترسل نغمات تنساب الى القلوب فيسود الصمت والخشوع، فيما زقزقات العصافير المنتشرة في المكان تخترق الهدوء المهيب، تحار كيف و اين تمتع ناظريك في هذه التحفة الرائعة التي تمتد على مساحات كبيرة، فتحتاج الى دليل ليشرح لك كيف وفي اي ظروف تم بناء الكنيسة.

البيوت الريفية منتشرة في مختلف ضواحي المدينة، وهي بيوت خشبية تحوطها اسيجة من الخشب. وتعود هذه البيوت الى ارث الفترة السابقة، لكن بيوتاً خشبية تبنى بتقنيات اوروبية مستحدثة.

صحيح ان تغيرات حصلت على مختلف الصعد بعد انفصال اوكرانيا التاريخي عن الاتحاد السوفياتي السابق. ولكن ذلك لم يمنع من بقاء الكثيرمن اثار تلك الحقبة، سواء في العادات والتقاليد وفي اللغة الروسية الجامعة والتي لم تستطع اللغة الاوكرانية بعد ان تحل مكانها. وكرم الشعب الاوكراني العريق ما يزال قائماً اضافة الى واحترام الاخر بوصفه واجباً كما يقولون، شرط ان "يحترم الاخر قوانين البلد".

فؤاد خشيش - خاركوف

تعليقات: