وقعَ إشكال في مطار بيروت بينَ جهاز أمن المطار وعناصر المواكبة المُرافقين لكبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني. وفي التفاصيل، أن العناصر الموفدين من السفارة الإيرانية لمرافقة لاريجاني، تبلّغوا فورَ وصولهم إلى المطار بأنه سيجري تفتيش أغراضهم فرفضوا ذلك بحكم الحصانة الدبلوماسية التي يتمتعون بها، ما أثار إشكالاً تدخّل على إثره رئيس جهاز أمن المطار العميد فادي الكفوري الذي حسم الأمر استناداً إلى «تعليمات صارمة» بتفتيش كل الوفود الدبلوماسية كما ادّعى. وعلمت «الأخبار» أن «العناصر كانت بحوزتهم أربع حقائب وبعض الهدايا التي يحملها أي وفد ضمن الخطوات البروتوكولية، وقد وُضِعت في السيارات قبل أن يصرّ جهاز الأمن على إنزالها وتفتيشها كشرط للسماح للعناصر بالدخول إلى صالون الشرف واصطحاب لاريجاني من المطار، حيث كان في استقباله الدكتور خليل حمدان ممثلاً الرئيس نبيه بري على رأس وفد ضمّ طلال حاطوم وعلي حايك والنائب علي المقداد ممثلاً قيادة «حزب الله».
هذا المشهد يجعل السؤال عن واقع المطار أمراً لا بدّ منه. وإذا كانَ لا جِدال حول حق جهاز أمن المطار في تفتيش كل ما يصِل إلى المطار، لكن صارَ واضحاً أن هذا الحق لا يقتصر على الوفود الآتية من إيران من ضمن لعبة السياسة القائمة وتسليم أمر المطار للقرار الأميركي، إذ لم يتعرض أي وفد عربي ولا غربي لمثل هذا الموقف، ولا يجرؤ أي جهاز في المطار أساساً على التعرض لوفود عربية وغربية وأميركية كما فعل مع عناصر المواكبة الإيرانية. وبطبيعة الحال، لا يُمكن عزل هذه الواقعة عن سياق الحرب الإسرائيلية على لبنان التي استعجل البعض نتائجها وحسمها لصالح أعداء حزب الله، والإجراءات الأخرى التي تُتخذ إما بقرار من رئاسة الحكومة التي تمنع هبوط أي طائرة آتية من العراق أو إيران فقط بسبب هويتهما الطائفية، وإما بإيعاز من قائد الجيش العماد جوزف عون الذي أمر بتفتيش عناصر الحماية وفريق الأمن المكلّف بحماية منزل السفير الإيراني في منطقة اليرزة، داخل المربع الأمني الذي استحدثه الجيش حديثاً، بالقرب من منزل قائد الجيش. هذا السلوك الذي يستهدف دولة صديقة للبنان، يتحمّل مسؤوليته بالدرجة الأولى وزير الداخلية بسام المولوي الذي يتبع له جهاز أمن المطار. ولا يمكن إعفاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من المسؤولية، كون التعليمات الخاصة بأداء الأجهزة الأمنية تخرج من السراي الحكومي. ولا يُمكن فهم ما حصل، سوى رسالة للأميركيين بأن لبنان يلتزم الأوامر الأميركية بالتضييق على كل ما يخص حزب الله، لكن الأخطر في ذلك هو أن ما جرى هو نموذج عن القرار 1701 كما يريده الأميركي والإسرائيلي براً وبحراً وجواً، من خلال فرض قيود على حركة المطار والتحكم بالإجراءات الأمنية، وهو نموذج عن السيادة الجديدة، التي لا تُطبّق قواعدها سوى على إيران دون غيرها من دول العالم.
تفاعل مع المسوّدة وردّ على شكل أسئلة: لبنان يُفشل المناورة الإسرائيلية
الخلاصة الأولى لما أحاط بإعداد الولايات المتحدة مسوّدة اقتراح لوقف الحرب على لبنان، أن المساعي السياسية دخلت مرحلة أكثر جدّية من سابقاتها. وهو ما كان واضحاً ارتباطه بالتطورات السياسية التي تمثّلت أولاً في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثم الميدانية حيث فشل العدو في الوصول إلى نتائج حاسمة على الأرض. لكنّ ذلك لم يمنع الأميركيين والإسرائيليين من القيام بمناورة تهدف إلى جعل لبنان مسؤولاً عن عدم التوصل إلى اتفاق في حال رفضه المسوّدة.
«الكمين» الذي نصبه الأميركيون (وإسرائيل) بدا واضحاً عن بعد للمسؤولين اللبنانيين المعنيين. وقد ساعد في ذلك أن العواصم العربية والغربية الداعمة لموقف لبنان، لمّحت إلى المسؤولين اللبنانيين بوجود نية بتحميل لبنان المسؤولية عن استمرار الحرب. وهو كلام قاله المسؤولون في مصر وفرنسا، كما كان لقطر دورها، لجهة لفت انتباه المفاوض اللبناني إلى آليات التلاعب التي يستخدمها العدو انطلاقاً من تجربتها في ملف غزة.
وعليه، اتفق الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي على اعتماد استراتيجية الغموض، ونجحا حتى اللحظة في عدم تسريب نص المسوّدة، كما تولّيا إشاعة أجواء تفاؤلية، لكن مع عدم الانجرار إلى الموجة التي كانت تضغط عليهما للسير في المسوّدة دون انتظار موقف حزب الله. وقد ساعد في هذه الاستراتيجية الموقف الإيراني الذي عكسه كبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني الذي تزامنت زيارته لبيروت مع تسليم السفارة الأميركية مسوّدة الاتفاق للرئيس بري، إذ تعمّد لاريجاني الحديث صراحة عن دعم إيران ما يقرره اللبنانيون، مع الإشارة إلى الرئيسين بري وميقاتي والمقاومة.
وفيما يُنتظر أن يُجيب لبنان على الورقة الأميركية بورقة تساؤلات لا بورقة مواقف حاسمة، فقد تولّى الرئيس برّي التمهيد لذلك من خلال حديث أجراه مع جريدة «الشرق الأوسط» أمس، متعمّداً عدم الحسم سلباً أو إيجاباً. لكنه تقصّد عدم إعطاء أي جو تشاؤمي لقطع الطريق على أي نية إسرائيلية بتحميل لبنان مسؤولية إفشال المفاوضات، إذ نفى أن يكون هذا المقترح يتضمن أي نوع من حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان، جازماً بأن «الأميركيين وغيرهم يعرفون أنه أمر غير مقبول ولا يمكن حتى النقاش فيه بالمبدأ، وأنه لا يمكن أن نقبل بأي مسّ بسيادتنا». كما نفى بري أن يكون المقترح متضمّناً نشر قوات أطلسية أو غيرها في لبنان. وكشف أن المقترح يتضمّن نصاً «غير مقبول لبنانياً»، وهو تأليف لجنة إشراف على تنفيذ القرار 1701، تضم عدداً من الدول الغربية. وقال: «هناك نقاش دائر الآن حول الآلية البديلة المقترحة، ونحن لن نسير فيها، فهناك آلية واضحة موجودة لا مانع من تفعيلها»، في إشارة إلى القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان التي تتولى مراقبة تنفيذ القرار الصادر في أعقاب حرب عام 2006. وحرص بري على تأكيد أن النقاش جار بالفعل حول هذه التفاصيل، وأن «الشغل ماشي والجو إيجابي والعبرة بالخواتيم»، وأشار إلى أن قدوم المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين إلى لبنان «رهن بتطور المفاوضات وتقدّمها». ورداً على استهداف مسقط رأسه تبنين قال: «يعتقد نتنياهو بأنه عندما يريد تنازلاً من شخص ما يقسو عليه، لكنّ هذه الأمور ما بتمشيش معنا».
وتعليقاً على هذا الجو، قالت مصادر مطّلعة إن «النقاش جارٍ، لكنّ التوقعات في لبنان ليست متفائلة، استناداً إلى التجربة مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي، فالأخير وضع شروطاً يعرف أن لبنان لا يُمكن أن يقبل بها، وهو يتقصّد من ذلك تحميل لبنان مسؤولية فشل المفاوضات لأنه يريد مواصلة الحرب حتى كانون الثاني ومن دون سقوف». فيما كشفت مصادر دبلوماسية أن «الجو الخارجي لا يقلّ تشاؤماً عن التقديرات الداخلية، إذ إن الفرنسيين عبّروا بصراحة عن قناعتهم بأنهم لا يرون وقفاً لإطلاق النار قبل نهاية العام الجاري».
وفي ظل الحراك الدبلوماسي، أتت زيارة لاريجاني الذي أكّد أنّ «إيران تدعم أي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية ولا سيما القرار 1701». لاريجاني القادم من سوريا، التقى بري وميقاتي، معتبراً أنّ الهدف من مجيئه تأكيد وقوف بلاده إلى جانب لبنان «حكومة وشعباً في كل الظروف». ومن عين التينة، ردّ لاريجاني على سؤال للصحافيين، فيما إذا كانت الزيارة هي لنسف الوثيقة أو المبادرة الأميركية بالقول: «نحن لا نسعى وراء نسف أي شيء بل نريد حل المشكلة وفي كل الظروف نحن نقف إلى جانب لبنان. ومن ينسف الأوضاع هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنصاره وأعوانه»، وقال: «عليكم التمييز بين أصدقائكم وأعدائكم».
التقديرات الداخلية والخارجية لا ترى وقفاً لإطلاق النار قبل نهاية العام الجاري
وبعد لقائه بري، تحدّث لاريجاني عن الهدف من الزيارة: «في ظل الظروف الحالية التي يعيش خلالها الشعبان الفلسطيني واللبناني حياة صعبة بسبب ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات وجرائم ضدهما». وقال: «كانت لدينا خلال هذه الزيارة مشاورات وتبادل لوجهات النظر في مختلف المواضيع وأتمنى حلحلة كل هذه المشاكل والمصاعب التي يعيشها لبنان وحكومة لبنان في أسرع وقت ممكن».
وفي مقابلة مع قناة «الميادين» قال لاريجاني إنه اطّلع على المسوّدة التي تسلّمها لبنان، وقال إن فيها بنوداً إيجابية، ولكنّ القرار في النهاية يعود إلى الفرقاء اللبنانيين. كما أشار إلى أن إيران ستظل إلى جانب المقاومة، وهو موقف أكّد عليه في الاجتماع الذي عقده مع قيادات سياسية في مقر السفارة الإيرانية.
وكان لافتاً تعمّد لاريجاني ختم مقابلته مع «الميادين» بالتجول في باحة السفارة الإيرانية في منطقة الجناح، ومراقبة الأجواء حيث كانت المُسيّرات الإسرائيلية تجوب سماء العاصمة، في خطوة عُدّت تحدياً للعدو الذي كان يسرّب أخباراً عن نيته استهداف السفارة الإيرانية في بيروت.
وفي تل أبيب، تجنّبت الأوساط القريبة من نتنياهو الحديث عن تفاصيل المسوّدة، لكن ما لفت الانتباه، هو الاجتماع الذي ترأّسه الأخير بحضور موفده إلى واشنطن رون دريمر والوزراء إيتمار بن غفير ويسرائيل كاتس وبتلئيل سموتريتش، وتولّى الإعلام المقرّب من رئيس الحكومة تسريب أخبار «عن التوجهات الإيجابية نحو عقد اتفاق مع لبنان».
وترافق ذلك مع نشر «القناة 12» نتائج استطلاع للرأي قال إن 67% من الإسرائيليين يدعمون التوصل إلى وقف الحرب على لبنان وغزة، مقابل 20% طالبوا باستمرار العمليات العسكرية. وتولّت هيئة البث الإسرائيلية الحديث عن أن المسوّدة «تتضمن إقرار الطرفين بأهمية القرار 1701، كما تعطي للطرفين حق الدفاع عن النفس إذا لزم الأمر». وقالت الهيئة إن الاتفاق يقضي بانسحاب قوات الاحتلال خلال أسبوع، وإنه سيصار خلال 60 يوماً إلى إنجاز انتشار واسع للجيش والقوات الدولية والقيام بعملية تفكيك البنى العسكرية وضمان انسحاب عناصر المقاومة من المنطقة إلى جنوب الليطاني. وفي المقابل، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن «التقدير في إسرائيل هو أن حزب الله قادر على مواصلة الحرب ولن يتعجل في قبول مقترح التسوية»، مشيرة إلى أن «تقديرات إسرائيل أن حزب الله والحكومة اللبنانية لن يقبلا حرية عمل إسرائيل في حال حدوث انتهاكات».
تعليقات: