ارتكبت بعض وسائل الإعلام خلال الحرب الإسرائيليّة على لبنان، أخطاءً جسيمة، ممّا ساهم في إضعاف الثقة العامّة بالإعلام من جهة، وتعارض مع القوانين والمعايير المهنيّة والأخلاقيّة من جهة ثانيّة. هذه الأخطاء تضمنت اعتمادًا غير موضوعيّ على مصادر إسرائيليّة، المساهمة في نشر الحرب النفسيّة، والترويج لخطاب الكراهيّة، ما أثار تساؤلات حول الالتزام الإعلاميّ بالمسؤوليّة الوطنيّة والمهنيّة.
أخطاء مهنيّة
في هذا الإطار تعلّق الإعلاميّة إلسي مفرّج، عضو تجمّع نقابة الصحافة البديلة، في حديث لـ”مناطق نت”، عن الأخطاء المهنيّة البحتة التي ترتكب في الوقت الحالي. قائلة: “إنها لا تندرج ضمن الأخطاء السياسيّة، ولو أنّ هناك أجندات سياسيّة تُستخدم في وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعيّ لحشد التأييد السياسيّ”.
تفنّد الصحافيّة مفرّج الأخطاء المهنيّة التي ترتكب، “منها التسرُّع في السبق الصحافيّ، ممّا يؤدي إلى وقوع الصحافيين والمؤسّسات الإعلاميّة في مواقف حرجة، وتضع المؤسّسات الإعلاميّة نفسها تحت الضغط، من أجل سرعة نقل الخبر، وهذا ما ينتج عنه أخبارًا غير دقيقة، أو مضلّلة، أو نشر محتوى تحريضيّ. فضلًا عن أنّ التغطية الميدانيّة وفتح البثّ المباشر قد تكون غير مناسبة ولا تراعي مشاعر الناس”.
ارتكبت بعض وسائل الإعلام خلال الحرب الإسرائيليّة على لبنان، أخطاءً جسيمة، ممّا ساهم في إضعاف الثقة العامّة بالإعلام من جهة، وتعارض مع القوانين والمعايير المهنيّة والأخلاقيّة من جهة ثانيّة
التغطية الإعلاميّة الحاليّة تسبّب عديدًا من الإشكالات للصحافيّين. وفي هذا الإطار ترى مفرّج، “إنصراف اهتمام الجمهور عن القضايا الإنسانيّة الكبرى، مثل انتشال الجثث من تحت الأنقاض، ويتحوّل التركيز إلى البثّ الحيّ، الذي يصوّر جثث الضحايا، من دون احترام خصوصيّاتهم ومشاعر ذويهم. كذلك يتمّ إجراء مقابلات مع الأطفال دون الحصول على إذن ذويهم”.
منح شرعيّة لأفعال الاحتلال
عن مرافقة بعض المؤسّسات الإعلاميّة جيش الاحتلال الإسرائيليّ في جنوب لبنان، تعلّق مفرّج، في حديث لـ “مناطق نت” إنّ “التصوير يعدّ خرق سيادة بلد آخر أيّ لبنان. ويُعرّض الفرق الإعلاميّة العاملة في لبنان للخطر، ويهدّد سلامتهم ويمنح شرعيّة غير مبرّرة لأفعال الاحتلال”.
إضافة لذلك، عملت بعض التقارير التلفزيونيّة، على تأكيد الروايات الإسرائيليّة، بوجود أسلحة لحزب الله بين المدنيّين، وبالتالي تبرير القصف الإسرائيليّ للأبنية السكنيّة ولو بطريقة غير مباشرة. وقامت بعض القنوات بنشر تقارير مستندة إلى مزاعم إسرائيليّة حول “وجود مخازن أسلحة تحت المباني السكنيّة”، و”وجود عناصر مسلّحة تابعة لحزب الله في جميع مراكز الإيواء في بيروت”، ما أثار الرعب بين السكّان وعرّض السلم الأهلي للخطر.
هذه التقارير، وإن بدت وكأنّها “سبق صحافيّ”، إلّا أنّها تعتبر خرقًا للأخلاقيّات الإعلاميّة الوطنيّة، وتسهم في تبرير قصف العدوّ لمراكز الإيواء، والمباني السكنيّة والمستشفيات.
الترويج للحرب النفسيّة
أدّى الاعتماد غير الحذر على المصادر الإسرائيليّة، إلى تعزيز الحملة النفسيّة التي يشنّها الاحتلال ضدّ لبنان. فإسرائيل تستخدم بشكل مكثّف الحرب النفسيّة كجزء من استراتيجيّتها، وتروّج عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ والمواقع الإخباريّة الموجّهة، لمعلومات مضلّلة تهدف إلى زرع الخوف والانقسام داخل المجتمع اللبنانيّ. ومن المؤسف أنّ بعض وسائل الإعلام اللبنانيّة، أعادت نشر هذه المعلومات على أنّها حقائق، دون النظر إلى تأثيرها النفسيّ على المواطنين.
كذلك ساهمت تقارير غير مهنيّة أخرى في دعم رسائل العدوّ النفسيّة، وإضعاف الروح المعنويّة للمجتمع، عبر تضخيم الأضرار التي تعرّض لها لبنان جرّاء القصف الإسرائيليّ، مقابل التقليل من شأن الخسائر التي ألحقتها المقاومة في لبنان بالعدو، وبذلك تجاهلت وسائل الإعلام دورها في حماية الجمهور من الدعاية العدائيّة.
دور نقابة الصحافة
تفرض الحرب بعض المعايير والأسس الأخلاقيّة التي تقع على عاتق الصحافيّين ومؤسّساتهم، وكثر الحديث عن دور نقابة الصحافة ووزارة الإعلام في هذا الشأن. من هنا تشير مفرّج، إلى أنه “يجب أن يكون هناك دور لنقابة الصحافة، وتحديدًا لنقابة المحرّرين، يتجلّى في تنظيم دورات تدريبيّة للصحافيّين حول كيفيّة التحقّق من الأخبار وتجنّب خطاب الكراهيّة، وكيفيّة التغطية الميدانيّة الآمنة، وكذلك حماية خصوصيّتهم الرقميّة، لكن للأسف، هذا الجانب من مهام النقابة لم يتمّ تفعيله بما يكفي”.
أمّا في ما يتعلّق بمراقبة العمل الصحافيّ، تعتبر مفرّج أنّ “فكرة الرقابة ليست مناسبة في هذا السياق، إذ لا نريد العودة إلى أساليب الرقابة التي تسود في البلدان ذات الأنظمة الشموليّة، التي تقيّد حرّيّة الإعلام. نفضّل العمل على تنظيم ذاتيّ بين المؤسّسات الإعلاميّة لتطوير أدائها”.
نشر خطاب الكراهيّة
من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها بعض وسائل الإعلام نشر خطاب قد يثير الكراهيّة والانقسام بين اللبنانيّين، لا سيّما في ظلّ الصراع القائم. على سبيل المثال، ركّزت بعض التقارير على توجيه اللوم إلى فريق لبناني معيّن بحجة أنّه هدفٌ رئيس في الصراع، من شأن ذلك أن يؤدّي إلى تأجيج الصراعات الداخليّة ويُحدث تصدّعًا في الموقف الوطنيّ الجامع بوجه العدوان. يُعدّ نشر هذا النوع من الخطابات غير المهنيّة، انتهاكًا واضحًا للقوانين الإعلاميّة التي تلزم حماية السلم الأهليّ، والامتناع عن نشر ما يهدّد الاستقرار الداخليّ.
من هنا تقول مفرّج، “تُستخدم بعض الحجج في تبرير جرائم الحرب، فخطاب الكراهيّة والأخبار الزائفة لا تندرج ضمن حرّيّة التعبير، بل يدخل ضمن إطار الجرائم المعاقب عليها بالقانون، ليس فقط في لبنان، بل في معظم دول العالم، وتتفاقم آثارها خلال فترات الحروب”.
فبركة صور بالذكاء الاصطناعيّ
دخل الصحافيّون وبعض المؤسّسات الصحافيّة في لعبة الذكاء الاصطناعيّ، إذ استغلّوا هذه التكنولوجيا الحديثة لإنتاج محتوى زائف بهدف إثارة المشاعر والتلاعب بعواطف المتابعين، ما يساهم في كسب مزيد من التفاعل والمتابعين.
تتحدّث الأكاديمية والباحثة في السياسة والإعلام الدكتورة حياة حريري، لـ”مناطق نت” عن مخاطر استعمال الذكاء الاصطناعيّ في الحرب، قائلة: “هذا الأمر يندرج ضمن التضليل الإعلاميّ، إذ تُستخدم هذه الصور لتضخيم حجم المعاناة في لبنان أو فلسطين، غير أنّ هذا الأسلوب غير مهنيّ، ويساهم في خداع الجمهور ويتيح للعدوّ التشكيك في مصداقيّتنا أمام المحافل الدوليّة، خصوصًا إذا تمّ اكتشاف أنّ الصورة مركّبة”. تتابع حريري: “في الحقيقة لسنا بحاجة إلى الذكاء الاصطناعيّ لتوثيق حجم الإجرام الإسرائيليّ والمعاناة التي نعيشها، فلدينا صور وقصص حقيقيّة تحمل معاني أعمق وأصدق”.
ومن الأخطاء التي يقع فيها الإعلام اللبنانيّ، تضيف حريري، “تتجلّى في اعتماد بعض وسائل الإعلام على الأخبار التي ينشرها العدوّ، وتقديمها كحقائق من دون توضيح المصدر أو الشكّ في مصداقيّتها، وهذا يعدّ خطيرًا للغاية”. تضيف: “يجب على الإعلاميّ أن ينقل عن العدو بحذر وأن يستخدم عبارات مثل (يزعم) أو (يدّعي)، ليفهم المتلقّي أنّ هذه الأخبار قد تكون جزءًا من حملة تضليل أو حرب نفسيّة. هذا الأمر بالغ الأهمّيّة لأنّه يتعلّق بكيفيّة استقبال الجمهور للأخبار وكيفيّة تشكيل وعيه تجاه التهديدات الإسرائيليّة”.
التحقّق من الأخبار
وحذّرت حريري من مخاطر التفاعل مع الحسابات الإسرائيليّة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، “لقد شهدنا في الفترة الأخيرة تزايدًا في استخدام الحسابات الإسرائيليّة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، لنشر أخبار هدفها التأثير نفسيّا على الشعب اللبنانيّ، وعلى رغم التحذيرات من التفاعل معها، إلّا أنّ بعض المواطنين يتفاعلون مع هذه الحسابات. هنا يأتي دور وسائل الإعلام اللبنانيّة في التحقّق من الأخبار والتصريحات قبل نشرها وتوعية الجمهور بمصادر هذه الأخبار وتداعياتها”.
فخلال الحروب والظروف الأمنيّة الحرجة، على الإعلام أن يُراعي الأمن القوميّ ويضعه فوق أي سبق صحافيّ، ووفقًا لقوانين الإعلام والدستور اللبنانيّ. بحسب حريري، “حماية السلم الأهليّ والأمن القوميّ يجب أن تكون أولويّة، وينبغي على الإعلاميّين استخدام المصطلحات بحذر، لتجنّب أيّ سوء فهم أو تأجيج للمشاعر، ممّا يستغله العدو في تعزيز حملاته النفسيّة ضدّنا”.
“يُنشر هذا التقرير/التحقيق/ التحقيق المصوّر بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني“.
أحد الناشطين على مواقع التواصل يتبنّى خبر مراسل LBCI
خبر نشرته قناة MTV نقلت فيه تغريدة أفيخاي أدرعي كما هي
العديد من الناس والفنانين تناقلوا الصور دون التأكد من صحّتها
تعليقات: