السوق السوداء للسلاح: الحرب والنزوح يتحكّمان بالأسعار!

حاملو الأسلحة الفردية يبيعونها لتأمين تكلفة نزوحهم وتوفير السيولة (Getty)
حاملو الأسلحة الفردية يبيعونها لتأمين تكلفة نزوحهم وتوفير السيولة (Getty)


لا يخضع سوق السلاح في لبنان سوى لقاعدة العرض والطلب، لا يعنيه ازدهار أو انهيار اقتصادي. ولكن قاعدة العرض والطلب تلك تتلازم وكافة المتغيرات، الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادية. فترتفع الأسعار وتنخفض مع ارتفاع الطلب على الأسلحة وتراجعها، وتنشط سوقه السوداء مع كل حدث ومرحلة. لا سقف لارتفاع الأسعار أو انخفاضها، فقط الإقبال على البيع أو الشراء يتحكّم بالسعر صعوداً أو هبوطاً.

دائماً ما يرتفع الطلب على الأسلحة الحربية الخفيفة مع اندلاع أحداث أمنية وانسجاماً مع الشحن السياسي والطائفي، في مقابل ارتفاع مستوى عرض مبيع السلاح مع الأزمات المالية وتراجع القدرة الشرائية لمقتنيه، أما اليوم في ظل الحرب الإسرائيلية على لبنان ومع اشتداد وتيرتها، ما الذي يتحكّم بسوق الأسلحة في لبنان؟ وأين تتجّه بورصة الاسعار؟


"بورصة" السلاح في لبنان

على مدار السنوات السابقة لطالما شهدت سوق السلاح في لبنان نشاطاً بسبب الأحداث الأمنية المتنقلة. والمقصود بسوق السلاح هو السوق السوداء والسوق التي تحيط بها ويطلق عليها البعض السوق الرمادية أي أن يكون مصدر السلاح قانونياً ثم يباع بطريقة غير قانونية. والسوق السوداء تبقى الأكثر نشاطاً واتساعاً في البلد.

الأحداث الأمنية ومراحل التأزم السياسي والشحن الطائفي التي شهدها البلد ونزعة الأمن الذاتي في العديد من المناطق، عمّقت ظاهرة انتشار السلاح على مدار الأعوام الماضية، فكانت الدافع الأول والمحرّك المباشر لبورصة السلاح. كما شكّلت مسألة غياب سلطة أمنية صارمة، الحافز الأبرز لاقتناء اللبنانيين السلاح الحربي في منازلهم.

ارتفاع الطلب على مختلف أنواع الأسلحة في فترات الإنفلات الأمني والتأزم السياسي ضاعفت الأسعار في كثير من الأحيان. كما أن قسماً من اللبنانيين باتوا يجدون في السلاح وسيلة للحماية في ظلّ تزايد عمليات النشل والسرقة والقتل. ويقول أحد المقيمين في بيروت، وهو من منطقة البقاع في حديث إلى "المدن"، إنه اضطر منذ عدة أعوام إلى شراء مسدس تركي الصنع، يحمله عندما يتّجه إلى منطقته في البقاع، بعد أن تزايدت عمليات السرقة من قبل قطّاع الطرق أو ما يُعرف بـ"التشليح" في المناطق النائية على الطريق المؤدي إلى البقاع. ويقول المواطن الذي رفض ذكر اسمه بأنه لم ينجح بالحصول على ترخيص حمل سلاح رغم محاولته عدة مرات، إلا أنه لم يتخلَّ عن المسدس "كأهم الخيارات لحماية عائلته"، على حد تعبيره.

ولا ننسى أن الحرب السورية والأزمة المالية ساهمت بشكل أو بآخر بمد السوق اللبنانية بالسلاح الفردي وتنشيط السوق السوداء فيه. فكان العرض كبيراً ما خفّض الأسعار بشكل ملحوظ لبعض الأنواع منها السلاح التركي الصنع، في حين لم تتغيّر أسعار الأسلحة الألمانية والبلجيكية وسواها من الأسلحة عالية الجودة.

أما تراجع قيمة العملة اللبنانية خلال سنوات الأزمة المالية، فلم يلعب أي دور في تحديد أو تغيير قيمة السلاح، إذ يتم تسعير الأخير بالدولار حصراً. ويرى حاملو السلاح بأنه يحافظ على سعره إلى حد كبير، وإن تأثر بحركة العرض والطلب وتراجع في فترات معيّنة، فإنه من دون شك يعود لاحقاً ويستعيد مكانته. حتى أن البعض يجد فيه وجهة موثوقة للإدخار فيشتري (ع.ا.) على سبيل المثال أسلحة حربية خفيفة كلما سنحت له الفرصة، كما يفعل بأونصات الذهب تماماً، في محاولة للإدخار بعيداً عن العملات الورقية.

وفي الأعوام الأولى من الأزمة المالية 2020 و2021 ازداد نشاط العرض والطلب على حد سواء ولأسباب مختلفة، منها ما ارتبط بفقدان اللبنانيين للأمان، فلجأ منهم إلى شراء السلاح، وأخرى ترتبط بمحاولة تهريب المودعين لأموالهم العالقة في المصارف من خلال شراء الأسلحة كما العقارات.


تأثر سوق السلاح بالحرب والنزوح

اليوم تشهد سوق السلاح في لبنان تزايداً ملحوظاً بحركة البيع نتيجة ارتفاع المعروض وتراجع الطلب بشكل ملحوظ. والسبب هو الحرب والنزوح والحاجة إلى السيولة النقدية نتيجة الحرب القائمة غير منظورة الأفق. فالبعض يبيع سلاحه لتعبئة مادة المازوت وتأمين التدفئة في المناطق الجبلية. ومنهم من يبيع "قطعة" السلاح كما يسميها تجار الأسلحة، مع بدء الموسم الدراسي لسداد الأقساط المدرسية. ويقول التاجر في حديثه إلى "المدن" بأن الغالبية يبيعون اليوم أسلحتهم لتأمين تكلفة نزوحهم وايجارات بيوتهم وتأمين السيولة عموماً، بالإضافة إلى صعوبة التنقل مع قطع السلاح الكبيرة.

وبالنظر إلى أن تجارة السلاح، بحسب التاجر، كانت تنشط في مناطق البقاع وضاحية بيروت والشمال أكثر من باقي المناطق، فإن حركة النزوح التي جرت من البقاع وضاحية بيروت دفعت حركة عرض السلاح إلى الإرتفاع بشكل ملحوظ، وترافقت مع انخفاض كبير بالأسعار "إذ يسعى حاملوه من النازحين للتخلّص منه لاسيما منهم صغار التجار".

وقد تراجعت أسعار غالبية قطع السلاح الحربي بالحد الأدنى 300 دولار. أما سلاح الصيد فتراجع بشكل كبير إذ يبلغ سعر بندقية برناردلي bernardelli الإيطالية نحو 700 دولار منخفضة من نحو 1200 دولار قبل الحرب.

بندقية الكلاشينكوف الروسية (من نوع أخمص) فانخفض سعرها من 1000 دولار قبل الحرب إلى نحو 650 دولاراً اليوم. أما في سنوات ما قبل الأزمة المالية فوصل سعرها إلى 1500 دولار. وكما البنادق كذلك المسدسات، فقد تراجع سعر مسدسات Herstal البلجيكية المعروفة بمسدسات الـ14 على سبيل المثال، من محيط 2000 دولار في السنوات الماضية إلى محيط 1500 دولار منذ بداية الحرب. حتى أن البعض باع مسدسه الـ14 بـ1200 دولار بحسب التاجر. وتبقى الأسلحة التركية والإيرانية الأكثر تداولاً، إذ أنها تقل أسعاراً عن تلك الأوروبية والأميركية بشكل ملحوظ.

تعليقات: