قصف على مدينة صور (حسين سعد)
تغيّرت ديناميكية العلاقة بين الاعلام التقليدي والجمهور، إذ دخل الإعلام المناطقي على خط الأخبار العاجلة، ناقلًا الخبر لحظة بلحظة، وبوتيرة أسرع من الإعلام الذي اعتدناه. وقد برزت مجموعات "الواتسآب" الخاصة بالمناطق، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، مع تراجع اهتمام الإعلام التقليدي، بالمعركة في الجنوب، وهنا نتحدث بشكل خاص عن التلفزيون، ففرضت هذه المجموعات واقعًا إعلاميًا جديدًا إثر احتدام الجبهة التي ما عادت محصورة في المناطق الحدودية.
ولا يمكن أن نقارن تسارع وصول الأخبار في حرب اليوم، مع حرب تموز 2006، نتيجة معطيات عديدة. ففي 2006، كان الإعلام التقليدي وحده الموجود في الساحة، يستقي الأخبار من مصادره المحدودة ومراسليه الذين واجهوا تحديات جمة للوقوف على كافة التطورات خارج نطاق تغطيتهم، ومن ثم ينقل الإعلام الخبر الى العالم. وكان اهتمام الناس آنذاك يتمحور حول تطورات الحرب في انتظار الفرج.
أمّا اليوم، ومع استحداث مجموعات "الواتسآب" الخاصة بكل منطقة، تعدى اهتمام الناس متابعة مجريات الأحداث عموماً، ليصبح همهم الأول البحث عن "الخبر الذي يعنيهم"، والسؤال عن أهلهم وأملاكهم وبيوتهم ومتاجرهم، هذه الخاصية التي استطاعت المجموعات تقديمها لهم بيسر.
من منصة سياسية الى مجموعة اخبارية
تحولت صفحة Tyre page، مثلاً، والتي تضم أكثر من ثلاثمئة ألف متابع في "انستغرام"، الى مجموعة "واتسآب" تنقل أخبار منطقة صور تحديدًا. يقول هشام نجدي، مؤسس الصفحة، إنّه "في البداية كان الهدف من الصفحة الترويج للسياحة في مدينة صور، لكن في ظل الحرب، أصبح ضروريًا استحداث مجموعات واتسآب لمساعدة أهل المنطقة على مواكبة الأحداث".
وكانت هذه الصفحة التي تأسست منذ ستة عشر عاماً، حصلت على شعبية كبيرة في أوساط أهل المدينة والزائرين، لما قدمته من صورة جميلة عن هذه المدينة الساحلية، "مما دفع الناشطين على الأرض إلى الوثوق بنا وعدم التردد في مشاركة الفيديوهات عن الأرض". ويتابع نجدي: "بدأنا بمجموعة واحدة ووصلنا الى 16 مجموعة تضم أكثر من 16 ألف متابع".
وتواجه هذه المجموعات تحديات مختلفة، أبرزها نشر أسماء الشهداء. يقول نجدي: "في البداية ننشر المعلومة الأولية، وفي العادة تكون حول الموقع المستهدف، أمّا بالنسبة للتفاصيل المتعلقة بالشهداء فهو أمر يستدعي التدقيق والانتظار".
وكانت الفيديوهات التي نشرها نجدي في مجموعته، بثتها تلفزيونات عديدة، مما يشير الى تغيير في طريقة العمل الإعلامي، حيث تحولت الفيديوهات التي تبثها هذه المجموعات مصدراً أساسياً وإضافياً للأخبار، مما يهمد الى تأسيس علاقة تكاملية بين صحافة المواطن والإعلام.
وتشكل هذه الأرقام المرتفعة للمنضوين في المجموعات، رغبة عالية لدى الناس لمتابعة المجريات عن كثب. "في الحرب السابقة ما كان الناس يعلمون ما إذا دُمّرت بيوتهم أم لا، خصوصًا في القرى غير المعروفة، وكانوا يتلقون المفاجأة بعد عودتهم، أمّا اليوم فقد ساهمت هذه المجموعات في إعلام الناس ما إذا كان البيت ما زال موجودًا أم لا. إني أتهيأ نفسيًا"، حسبما تقول مروى، وهي منضوية في إحدى مجموعات الواتسآب.
مناطق عاصية على الإعلام
تعتبر منطقة الحوش، المجاورة لصور، من أكثر المناطق التي تعرضت لاعتداءات إسرائيلية منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي، وهي التي لم يدخلها الإعلام، باستثناء فيديو بثه مراسل قناة "الجزيرة"، علي هاشم، خلال الأسبوع الأول للحرب.
ولم تكن سارة تظن أن مجموعة "الواتسآب" التي استحدثتها للجيران، للاطمئنان على منازلهم في الحوش، على اعتبار أنّها قررت البقاء في الحي رغم الضربات المتكررة، أن مجموعتها هذه ستصبح إخبارية لتشمل سكان المنطقة، وسرعان ما تخطت المجموعة الحد الأقصى للمنضمين وهو 1025 لكل مجموعة، وهذا ما دفعها إلى فتح مجموعة أخرى.
وتقول صديقة سارة المقيمة في الخارج، وهي المسؤولة عن التنسيق مع الهئيات العاملة على الأرض ومنهم الدفاع المدني لضمان إيصال الأخبار للجميع: "كوني أعيش في الخارج، أتواصل مع شباب الدفاع المدني والبلديات والأصدقاء الذين مكثوا في الجنوب، فالتواصل المباشر يوفر عليهم عناء الرد على المجموعات كونهم في حالة طوارئ ويعانون انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع الإرسال".
أمّا بالنسبة للتحديات، فتقول أن الناس يستسهلون التواصل معهم، خصوصاً أثناء حصول ضربة، فيرسلون مئات الرسائل التي يصعب الرد عليها كلها في وقت واحد".
من الملفت أنّه لم تُرسَل إلى المجموعة صُوَر جثة شهيد أو جريح، وتعزو سارة السبب الى أنّ "معظم الشهداء في العادة أشلاء، وانطلاقًا من احترام حرمة الجثة، لا يتم نشر مثل هذه الصور في المجموعة".
الأخبار المضللة أكبر التحديات
على الرغم من الفائدة التي تقدمها المجموعات، إلا أنّها ليست بمعزل عن نشر معلومات مغلوطة، لا سيما أنّ البعض منها تحول الى مجموعات إخبارية شاملة. يرى مراسل "قناة الجديد" في الجنوب، محمد فرحات، "أن هذه المجموعات في البداية كانت تعمل بشكل جيد، لكن مع نزوح العديد من أهالي المنطقة، انحصرت في مجموعة أفراد يتحكمون في نقل الخبر".
وتشكل هذه المجموعات في بعض الحالات عبئًا على المراسلين، كون بعض الأخبار التي تنشر غالبًا ما تحتاج الى تصحيح.
التلفزيون للتأكد والمواقع الإخبارية للتحليل
مع بروز مجموعات "الواتسآب"، تغير المشهد الإعلامي، اذ باتت المصدر الأول للحصول على الأخبار العاجلة، فيما تحولت المواقع الالكترونية والتلفزيون الى منصة للحصول على المعلومات من مستوى أعلى (متابعة المفاوضات مثلًا)، والحصول على ما هو أبعد من الخبر (التحليل)، والتحقق من الخبر عن طريق التلفزيون تحديدًا الذي، ورغم تفوق مجموعات الواتسآب عليه في تقديم الأخبار العاجلة، إلا أنه ما زال يمتاز بالشرعية لإضفاء المصداقية على الخبر ومعالجة أبعاده.
الإعلام التقليدي ليس إلى زوال
لا يعني تغيّر المشهد بأن صحافة المواطن قادرة وحدها على لعب دور التغطية الإعلامية الاحترافية، ولسنا في صدد الحديث عن استبدال الإعلام التقليدي أو زواله، لكننا أمام واقع جديد يخشى أن يساهم في عزلة الناس مناطقياً تبعًا للمجموعات التي ينضمون اليها، من دون البحث عن عمق المعلومة وصحتها، وهنا لا يمكن سوى للإعلام التقليدي والصحافيين أصحاب الاختصاص القيام بذلك.
تعليقات: