على الرغم من الظروف القاسية التي فرضتها الحرب والمخاطر التي تهدّد حياة المزارعين وتقيّد حركة تنقّلهم، يصرّ أهالي منطقة حاصبيّا على الاهتمام بمواسمهم الزراعية وقطاف موسم الزيتون الّذي يشكّل مصدر رزق أساس لآلاف العائلات، تشتهر به حاصبيّا ومنطقتها، إذ يُعتبر زيتونها وزيتها من الأنواع الأكثر جودة، وأيضًا من أبرز المنتجات الزراعيّة في لبنان، وهو على رغم كلّ الصعاب لا يزال مزدهرًا وواعدًا.
تحدّيات الموسم والحرب
يوضح ابن حاصبيّا المزارع أدهم خيرالدين أنّ أبرز التّحديات التي يواجهها في قطاف موسم الزيتون هذا العام هي النقص الحادّ في اليد العاملة، “إذ إنّ الوضع الأمنيّ غير المستقرّ يجعل العمّال يتردّدون في القدوم إلى الحقول، علمًا أنَّ أجور العامل تراوح بين 20 و25 دولارًا في اليوم، مع الإشارة إلى أنّ بلديّة حاصبيّا حدّدت أجور العمّال الأجانب، وهي المشاق بـ 18 دولارًا، واللمّام بـ 14 دولارًا”.
يتابع خير الدين حديثه لـ “مناطق نت” قائلًا: “إنّ تأخّر هطول الأمطار هذا العام أدى إلى تساقط جزء من المحصول على الأرض، وتسبّب في خسائر للمزارعين، هذا الأمر دفعنا إلى البدء بالموسم باكرًا”. وأشار خيرالدين إلى أّن “الزيتون المتساقط لا يعُد صالحًا لاستخراج الزيت، فيتمّ اللجوء إلى استخدامه في صناعة الصابون”.
حول تصريف الزيت، يأمل خيرالدين أن “تلتفت الدولة إلى منطقة حاصبيّا التي تضمّ نحو مليونيّ شجرة زيتون، ما يعدّ إنتاجًا ضخمًا يدعم الاقتصاد الوطنيّ”. ويؤكّد أن “زيت زيتون حاصبيّا من أجود الأنواع”، متمنيًا تشجيع تصديره إلى الأسواق العالميّة. ويضيف: “على رغم الحرب والمخاطر، نحن كمزارعين في حاصبيّا متمسّكون بأرضنا، لأنّها حياتنا. نشأنا هنا ونعتمد على خيراتها ولن نتخلّى عنها. سنواصل العمل بعزيمة، فالأرض تمنحنا الأمل بالمستقبل.”
الجدير ذكره أن سعر تنكة الزيت في حاصبيا ثابت منذ سنوات، وهو يتراوح بين 110 دولارات للتنكة الواحدة وبين 130 دولارًا وذلك بحسب التجار والمنطقة، وإذا سلمت في حاصبيا أو خارجها. وهذا الأمر عينه يسري على سعر كيلوغرام الزيتون الذي يراوح بين ستة دولارات وتسعة، وذلك طبقًا لنوعيته وجودته.
ثمانون في المئة وأكثر
يشير رئيس اتّحاد بلديّات الحاصباني سامي الصفدي لـ “مناطق نت”: “إلى أنَّ إحصاءات الاتّحاد تؤكّد أنّ نحو 81 في المئة من سكّان المنطقة يعتمدون بشكل رئيس على الزراعة، وبخاصّة الزيتون، يليه الصنوبر في المرتبة الثانية، ما يعني أنَّ هذا الموسم يُعدّ مصدر دخل أساسيّ ولا يمكن للمزارعين ترك محاصيلهم عرضة للتّلف”.
أمّا في ما يتعلّق بموضوع تصريف الإنتاج، يلفت الصّفدي “إلى أنَّ موسم الزيتون الحالي لا يواجه مشكلة في ذلك، إذ يشهد السوق طلبًا أكبر من العرض، بل تكمن المشكلة في كميّة الإنتاج”. يتابع: “لم نتلقَ أيّ شكوى من المزارعين حول صعوبة تصريف الزيتون، بينما تركّز الشكاوى على انخفاض كمّيّة الإنتاج بسبب تأخّر هطول الأمطار، بالإضافة إلى تأثيرات سلبيّة للتغيّرات المناخيّة، التي لا تصيب لبنان فحسب بل العالم بأسره، ممّا ينعكس سلبًا على محصول الزيتون”.
الصفدي: إحصاءات الاتّحاد تؤكّد أنّ نحو 81 في المئة من سكّان المنطقة يعتمدون بشكل رئيس على الزراعة، وبخاصّة الزيتون، يليه الصنوبر في المرتبة الثانية، ما يعني أنَّ هذا الموسم يُعدّ مصدر دخل أساسيّ
غياب الدعم الحكوميّ
تغيب وزارة الزراعة عن تلبية طموحات المزارعين في حاصبيّا بخاصّة وفي مناطق الجنوب عمومًا، حيث لا تعكس السياسات الحاليّة احتياجاتهم الملحّة في مواجهة تحدّيات الحرب والتغيّرات المناخيّة. وفي تأكيد هذا الغياب، رفض وزير الزراعة التعليق على وضع موسم الزيتون وخطط الوزارة لدعم القطاع، إذ قال مستشاره أحمد نصرالدين لـ “مناطق نت”: “الوزارة مشغولة بأولويّات الحرب، والوزير لا يعلّق حاليًّا على مواضيع تتعلّق بقطاع الزيتون. نحن حاليًا في حرب طويلة، والوقت ليس مناسبًا للحديث عن الزيت الآن، سنترك هذا الموضوع إلى ما بعد الحرب”.
ويشير الصفدي إلى قضايا أخرى تعيق تطوّر القطاع، مثل المنافسة غير العادلة مع الزيت الأجنبيّ: “الزيت السوريّ والتركيّ والتونسيّ تدخل عبر الحدود المفتوحة مندون ضبط أو متابعة، وتُباع بأسعار أقلّ وبجودة متدنّية، ما يؤثّر سلبًا على المزارعين المحلّيّين”، لافتًا إلى أنَّ اتّحاد بلديّات الحاصباني طالب وزارة الزراعة والوزراء المتعاقبين “مرارًا بدعم مزارعي الزيتون في لبنان، وحماية هؤلاء المزارعين من منافسة الزيت الأجنبيّ الذي يغزو الأسواق، وفرض رقابة صارمة على الزيت المستورد وفحصه بدقّة قبل طرحه في الأسواق، لأنّ ذلك يضرّ بالمزارعين وبالمستهلكين على حدّ سواء”.
تحدّيات مختلفة
من جهة أخرى، يعلّق الصّفدي على عدم حماية الزّيت الوطنيّ قائلًا: “إلى سنوات طويلة، كانت الدولة توفّر للجيش اللبنانيّ زيتًا غير لبنانيّ، بينما من أبسط حقوق المزارع اللبنانيّ أن يُحمى إنتاجه وأن يُعتمد زيت لبنان في مؤسّسات الدولة. أخيرًا، في العام الماضي، اشترى الجيش زيت زيتون من المزارعين اللبنانيّين، بعدما كان انقطع عن ذلك إلى فترة طويلة، وهذه خطوة إيجابيّة لكنّها كانت متأخّرة وتحتاج إلى استمراريّة”.
وعن التّحديات الأمنيّة، يلفت الصفدي إلى أنَّ إتّحاد بلديّات الحاصباني يواصل مع الجيش اللبنانيّ، تسهيل وصول المزارعين إلى المناطق الخطرة، إلّا أنّ الاحتلال الإسرائيليّ يمنعهم من جني محاصيلهم في بعض الأراضي، ممّا يعقّد أوضاعهم ويزيد من صعوبة العمل الزراعيّ”.
اليد العاملة
لا يختلف القطاع الزراعيّ في حاصبيّا عن غيره من مناطق الجنوب لناحية اعتماده على العمالة السوريّة، والتي تشكّل العمود الفقريّ للقطاع، وتشمل الرجال والنساء فيشاركون بفعاليّة في مختلف المهام الزراعيّة. كذلك تلعب نساء المنطقة دورًا كبيرًا في دعم الزراعة، فيساهمن في مساعدة عائلاتهنّ في أراضيهنّ ويؤدّين أعمالًا مهمّة خلال موسم القطاف وغيره من العمليّات الزراعيّة. وعلى رغم ذلك، يبقى الجزء الأكبر من العمل الميدانيّ معتمدًا على الرجال.”
زيتون حاصبيّا والضغوط
أثّرت الحرب بشكل كبير في موسم الزّيتون وقطاع الزّراعة في الجنوب، وبحسب المدير التّنفيذيّ لمؤسّسة الخليل الاجتماعيّة في حاصبيّا زاهر غصن فإنّ “الحرب دمّرت 13 مليون متر مربّع من الأراضي الزراعيّة، أيّ ما يعادل 13 ألف دونم، 60 في المئة منها أشجار زيتون وصنوبر، والنّسبة الأخرى تضمّ أشجارًا متعدّدة وحقول قمح”، وحذّر غصن عبر “مناطق نت”: من أنّ “هذه الأراضي التي كانت خصبة وتدعم عديدًا من الأسر الزراعيّة أصبحت غير صالحة للزراعة بعد القصف، خصوصًا في المناطق التي تعرّضت لقذائف وقنابل الفوسفور الأبيض”.
دور الجمعيّات في الدعم
تسعى الجمعيّات المحلّيّة والدوليّة في منطقة حاصبيّا إلى تقديم الدعم اللازم للمزارعين الذين يعانون من تداعيات الحرب والتحدّيات الاقتصاديّة والمناخيّة. يؤكّد غصن أنّ جمعّيته الّتي تتعاون مع شيليم CELIM الإيطاليّة غير الحكوميّة، لتصريف انتاج زيت الزيتون في منطقة حاصبيّا، تواصل تقديم الدعم من خلال توفير الإرشادات والفحوص اللازمة وبعض الأدوات اللوجستيّة مثل الفرّاطات والمناشير والمقصّات.
إضافة إلى ذلك، يتحدث غصن عن “توفير نحو 6800 تنكة زيت زيتون للجيش اللّبناني من مزارعي حاصبيّا العام الماضي، أيّ 100 ألف ليتر تقريبًا، ومن المتوقّع أن تزيد الكمّيّة هذا العام، بانتظار الموافقة على كلّ الأمور”.
ارتفاع كلف الشحن
يعتمد تصريف زيت الزيتون هذا العام بشكل كبير على الأسواق الخارجيّة، لا سيّما بعد تضرّر القرى الحدودية وتدمير بيوتها ومواسمها ونزوح سكّانها. وبحسب أرقام البنك الدوليّ، تزداد كمّيّات تصدير الزيت سنويًّا، فالعام الماضي، وصل حجم التصدير إلى نحو 22 مليون دولار.
يوضح وئام غازيّة، تاجر زيت زيتون في حاصبيّا، في حديث لـ”مناطق نت”، أنّ شركته تُصدّر سنويًّا أكثر من 3000 تنكة زيت زيتون إلى دول عدّة، لا سيّما قطر. ويضيف غازيّة أن هذا التصدير يحقّق عائدًا كبيرًا للمزارعين، يزيد على 300 ألف دولار. مع ذلك، أثّرت الظروف الاقتصاديّة والأمنيّة بشكل حادّ في سير العمل وأصبحت التحدّيات اللوجستيّة أكبر من أيّ وقت مضى.
يشير غازيّة إلى أنّ ارتفاع كلفة الشحن بنسبة 90 في المئة جعل عمليّة التصدير أكثر تعقيدًا من الناحية الماليّة، ممّا ينعكس سلبًا بشكل مباشر على المزارعين أنفسهم. ويوضح أنّ هذه الزيادة في الكلف تضطرّهم أحيانًا إلى شراء الزّيت بأسعار أقلّ، وهو ما يقلّص العائدات التي كان يمكن أن يجنيها المزارعون. ويقول غازية: “كان شحن الزيت يستغرق عادة من 15 إلى 20 يومًا، أمّا اليوم فقد يستغرق بين شهر ونصف إلى شهرين بسبب المشاكل الأمنيّة، ممّا يعيق أعمالنا بشكل كبير.”
القدرة التنافسية تتراجع
إضافة إلى ذلك، يتحدّث غازيّة عن تراجع القدرة التنافسيّة لزيت الزيتون اللبنانيّ في أسواق الخليج، حيث تستطيع دول أخرى شحن منتجاتها برًّا بكلفة أقلّ وسرعة أعلى، بينما يعتمد زيتنا على الشحن البحريّ، ممّا يفاقم التحدّيات. بالإضافة إلى ذلك، يواجه صعوبة في إقناع الزبائن بانتظار الشحنات إلى فترات تتراوح بين 40 و50 يومًا، وهو ما أدّى أحيانًا إلى تراجع الطلب على الزيت اللبنانيّ.
ويشير إلى أنّ “ارتفاع أسعار الشحن الجوّيّ جعل الاعتماد عليه أمرًا صعبًا، إذ ارتفعت كلفة الشحن إلى قطر من دولار واحد إلى 2.5 دولار للكيلوغرام الواحد، بزيادة تقارب 150 في المئة، في حين تضاعفت أسعار الشحن إلى دبيّ. ومع ذلك، يبقى الشحن البحريّ الخيار الأرخص على رغم تأخّر وصول البضائع”.
“يُنشر هذا التقرير/التحقيق/ التحقيق المصوّر بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني“.
قطاف الزيتون في حاصبيا رغم الحرب
تعليقات: