إسرائيل تفصل الجغرافيا اللبنانية - السورية.. وتشتهي استئناف الحرب

الإسرائيليون يواصلون الاختراقات بطريقة وقحة ومتعمّدة للاستفزاز (Getty)
الإسرائيليون يواصلون الاختراقات بطريقة وقحة ومتعمّدة للاستفزاز (Getty)


مع بداية الحرب الإسرائيلية الموسّعة على لبنان في أيلول 2024، كان مؤكداً أن حكومة بنيامين نتنياهو تضع هدفاً استراتيجياً، وهو فصل الجغرافيا اللبنانية عن الجغرافيا السورية، لقطع طرق الإمداد عن حزب الله. وقد جرى التداول بمعلومات حول مناقشات لخطط عسكرية بين الإسرائيليين، وضعوا الأميركيين في أجوائها، حول التقدم في الجنوب السوري، حصلت في حينها عمليات نزع للشريط الشائك، وبدء التوغل في محافظة القنيطرة، وعمليات تجريف وإقامة سواتر.

جزء من الخطة كان هدفها يومها محاولة وضع حزب الله بين فكي كماشة. إذ أن التقدم العسكري الإسرائيلي البرّي في الجنوب السوري، سيطوق حزب الله في الجنوب من جهة الشرق، بالإضافة إلى الدخول المباشر للإسرائيليين من جهة الجنوب، والسيطرة البحرية عبر البوارج والقطع العسكرية، بالإضافة إلى السيطرة الجوية. طرحت أفكار كثيرة حول التوغل الإسرائيلي باتجاه مناطق عديدة في الجنوب انطلاقاً من الجغرافيا السورية، من بيت جن باتجاه شبعا، أو من جبل الشيخ باتجاه راشيا وصولاً إلى البقاع الغربي.


الفصل الجغرافي والخروقات

ما بعد وقف إطلاق النار، سرّع الإسرائيليون من وتيرة اعتداءاتهم على سوريا، جواً وبراً، واستكملت عملية التوغل، وأعلنوا السيطرة على الجانب السوري من جبل الشيخ بعد الإطاحة باتفاقية فض الاشتباك المبرمة في العام 1974. بهذا التوغل الإسرائيلي العميق في الجنوب السوري على طول الحدود المحاذية للأراضي اللبنانية، تكون إسرائيل قد عملت على فصل جغرافيا البلدين عن بعضهما البعض على الخط الممتد من جنوب لبنان حتى البقاع الغربي. بالإضافة إلى السيطرة الجوية الإسرائيلية على كل المناطق الحدودية ما بين لبنان وسوريا، والقدرة الكاملة على الرصد والمراقبة والاستعلام حول أي حركة يمكن لحزب الله أن يقوم بها.

لا ينفصل هذا المسار الإسرائيلي، عن تسجيل المزيد من الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان. إذ أن الإسرائيليين يواصلون الاختراقات بطريقة وقحة ومتعمّدة للاستفزاز.

ذلك يطرح سؤالاً أساسياً، إذا ما كان بنيامين نتنياهو قد ندم على إبرام الاتفاق قبل أيام من سقوط نظام بشار الأسد، وأنه لو سقط النظام قبل وقف النار، لكانت إسرائيل قد وضعت المزيد من الشروط بفعل الأمر الواقع العسكري، الذي لا بد أن ينسجم مع التحولات التي حصلت. أو أنه كان سيستفيد من سقوط النظام وحالة الضعف العسكرية، الأمنية، الإمدادية والمعنوية لدى حزب الله لاستكمال عمليته العسكرية في جنوب لبنان. حتى الآن لا جواب دقيقاً على هذا السؤال، لكن الأكيد أن الإسرائيليين يريدون مواصلة مشروعهم ما بين سوريا ولبنان في سبيل إضعاف حزب الله أكثر، ومن خلال مواصلة الخروقات في لبنان، وبدء التداول بمعلومات حول ممطالة إسرائيلية متعمدة لعدم الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي دخلوا إليها خلال فترة الستين يوماً.


ضغط ميداني وسياسي

زاد الإسرائيليون في الأيام الماضية من خروقاتهم البرية، وقد دخلوا إلى قرى وبلدات لم يدخلوها خلال المواجهات، كبلدة بني حيان، أو الناقورة. وكذلك بالنسبة إلى الدخول نحو قرى على ضفة نهر الليطاني. وعندما سجل لبنان اعتراضاته على هذه الاختراقات، بررّ الإسرائيليون ذلك بالعمل على استشكاف بنى تحتية لحزب الله، وأن هذه المناطق تحتوي على أنفاق ومخازن أسلحة لم يدمرها الإسرائيليون بسلاح الجو، ويريدون العمل على تفجيرها أو ضمان تفريغها.

في موازاة هذا الضغط الميداني واستمرار عمليات تفجير المنازل والقرى، يمارس الإسرائيليون ضغوطاً سياسية وديبلوماسية على الحكومة اللبنانية، بذريعة أن حزب الله لا يلتزم بالاتفاق، وأنه لا يزال موجوداً ببنيته العسكرية في جنوب نهر الليطاني، وأنه يجب أن ينسحب قبل انسحاب الإسرائيليين. يحاول الإسرائيليون اتهام لبنان وحزب الله بأنهما لا يريدان تطبيق الاتفاق، وأن الحزب يسعى للبقاء بسلاحه في جنوب الليطاني، كما يحاولون تحميل المسؤولية للدولة اللبنانية بأنها وافقت على اتفاق ولا تسعى إلى تطبيقه.

في المقابل، الجواب اللبناني يتركز على أن الاتفاق واضح، ويقضي بضرورة انسحاب الإسرائيليين في البداية، وبعدها يدخل الجيش اللبناني، وهو الذي يتولى معالجة الموضوع المتعلق بوجود حزب الله وسلاحه. ويؤكد لبنان أن الخروقات الإسرائيلية، والبقاء داخل الأراضي اللبنانية هو ما يؤخر دخول الجيش وانتشاره في جنوب الليطاني. ولذا، يتلمس لبنان نوايا إسرائيلية بالممطالة في تطبيق الاتفاق إلى ما بعد الستين يوماً. ولذلك طلب من مجلس الأمن الدولي إصدار بيان رئاسي واضح يتضمن الدعوة إلى الالتزام بالاتفاق وتطبيقه وعدم التأخير بذلك.


الاتفاق الهش

تؤشر الممارسات الإسرائيلية إلى مخاطر عديدة قد تصل إلى حدود الإطاحة بالاتفاق، خصوصاً في حال استمرت الخروقات والغارات. وكأنهم يريدون من حزب الله أن يُستدعى إلى ردّ على هذه الخروقات، وعندها يحملونه مسؤولية إفشال الاتفاق لتجديد القتال.

أيضاً، يحاول الإسرائيليون الاستفادة من الوضع لتمرير المزيد من الضغوط السياسية على لبنان، من خلال فرض وقائع مختلفة لتغيير موازين القوى السياسية والرئاسية، وذلك لإظهار الحزب بأنه انكسر عسكرياً وأيضاً سياسياً. وهي محاولة أخرى من قبلهم لإفشال الاتفاق أو تعطيله، أو لمواصلة المزيد من العمليات الجوية، والتي قد تتكثف في الأيام الأخيرة ما قبل الانسحاب. وهم يسوّقون لذلك انطلاقاً من فكرة أنهم لن يسمحوا لحزب الله بالالتفاف على الاتفاق كما فعل في العام 2006، وأن تل أبيب وواشنطن لن تسمحا بتكرار ذلك النموذج.

تعليقات: