العميد البروفسور فضل ضاهر وحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة
بتاريخ 18 كانون الثاني 2020 توجه العميد البروفسور فضل ضاهر برسالة الى حاكم مصرف لبنان تتوخى تصويب المسار في ما يمكن وصفه بمطالعة شاملة بابعاد قانونية مالية وطنية وانسانية صيغت بقلم ادبي رفيع يجمع بين قوة الحجة وقوة المشاعر وهي ملكة يفتقدها جل من يتولون الشأن العام وصناعة السياسات العامة في لبنان اليوم. تنطلق الرسالة من معايير الحكم الرشيد والقانون الدولي والدستور والقوانين والاحكام اللبنانية، وهي مطالعة يندر مثيلها بابعادها الاربعة في اي من ادبيات الازمة التي تضرب لبنان. تفيد المطالعة كل الراغبين في مقاضاة الطبقة السياسية على افعالها ولا تنحصر مفاعيلها بالسيد سلامة حصراً.
هذه رسالة عاجلة الى حاكم مصرف لبنان تدعوه الى اعادة تصویب بوصلته الوطنیة بالاتجاه الذي یریده الشعب المعروفة مطالبه، وعلى رأسها استعادة الاموال المنهوبة رغم تجاهل الكثیرین المدفوعین ”بمیغالومانیا أناهم” المتطرفة تعنیفا وتعسفا واستخفافا بعقول الناس المقهورین والمنسیین في الساحات وعلى الأرصفة، الذین تتم مساءلتهم، ویا للعجب، عن اخراجات قیدهم الطائفیة او السیاسیة عوضا عن ملاقاتهم في الحرص على بقاء هذا الوطن ووحدة ابنائه سبیلا لاستعادة تاریخه الحافل بابعاد رسالیة ذات طابع انساني وحضاري شكل جوهر وجوده وتمیزه.
انا لست في وارد تحمیلك مسؤولیة فائض قوة حاكمیة مصرف لبنان حتى لكانها جزیرة معزولة عن الشعب وعن الوطن، فعناصر هذا الفائض الداخلیة تعود الى تنازل جميع المعنیین بشؤون مالیة الدولة العامة عن واجباتهم، واحجامهم عن تنكب عناء الادارة والمراقبة والمحاسبة، بحیث تم “تلزیم” هذه الشؤون الى الحاكمیة دون ایة شروط معلنة او اية قیود تفضیلیة للدولة كما كان یقتضي، الامر الذي سرعان ما سمح بإقامة شراكة مقنعة مع الاقطاع العائلي المالك للمصارف عموما، التي ما لبث ان انضم الیها الاقطاع السیاسي حامیا ومتنفعا یصح فیه القول ” اذا اردت ان تعرف طویة امرئ فاعطه مالا او جاها وسلطان”؛ فكانت طفرة القوة المحصنة بالسریة المصرفیة جاذبة للاستثمارات بصورة لافتة تبعها، ان لم اقل نتج عنها، انقیاد تام لتدخلات خارجیة لا تعنیها مصلحتنا الوطنیة الا بمقدار ما توفره لها من منافع وارباح. وانه لمن المؤكد اليوم، مع بداية سنة 2020، ان تطميناتك التخديرية حول النمو الظاهر الموحي بالثقة بصورة مرحلیة كما تدعي، ما هو الا تشوهات خلقیة ادت الى ما هو علیه البلد الیوم من مدیونیة عامة وضعته في المراتب الاولى عالمیا وعربیا.
رغم ذلك ، فلقد انصاع لبنان، صوريا، لموجبات التكیف مع الاتجاهات المالیة العالمیة وتطبیقاتها الواضحة والمحددة في كل ما یتعلق بمنع الافلات من العقاب لاسیما منها الاحكام الواضحة والملزمة (التي لم یعترض او یتحفظ علیها لبنان) في میادین مكافحة الفساد، وتبییض الاموال وتمویل الارهاب كما في سائر اشكال الاجرام المنظم العابر للحدود الوطنیة (اتفاقیة بالیرمو التي انضم الیها لبنان والتي تسنى لي المشاركة في فيينا بما یزید عن٥٠٠ جلسة عمل في اطارها خلال ١١ دورة صياغة بمدى سنتین ونصف، مضافا اليها كذلك الجلسات التي كنت ادعو الیها رؤساء واعضاء الوفود العربیة لتنسیق المواقف، من موقعي كأمین عام مساعد لمجلس وزراء الداخلیة العرب).
ولعلك تتذكر في هذا السیاق ، ویتذكر معك دون شك نائبك الثالث سابقا، الجهود المضنیة التي بذلها الرئیس الشهید رفیق الحریري لشطب لبنان عن لائحة الدول والاقاليم غیر المتعاونة، بعد ان كان من أسباب هذا التدبير الزجري والمسئ مواقف تعني حاكمیة المصرف لا داعي لمراجعتها الآن، مع العلم بأنها موثقة في الاعمال التحضیریة للجنة المتخصصة بصیاغة الاتفاقیة الدولیة، وفي التقاریر التي كنت ارسلها عبر الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلیة العرب، والتي یفترض انها كانت تصلك بصفتك حاكما لمصرف لبنان.
بالعودة الى السیاق الخاص بهذه الرسالة، فانك تعلم ان الثقة التي وضعت بشخصك سمحت بتجاوز كل الاعتبارات لجهة :
أ_ قیام تعامیم مصرف لبنان مقام الحد الادنى من التشریعات الوطنیة بصورة ظاهرة ومتمادیة وبعلم واقرار المعنیین، لاسیما وان الطابع العملي والاجرائي لهذه التعامیم ساهم بملء الفراغ وتعويض غياب التشریعات المتلائمة او الموازیة من حیث الموضوع، على غرار ما حصل بالنسبة الى التعامیم حول ال GDPR مقارنة مع القانون 81/2018 الهجین وغیر القابل للتطبیق في المدى المنظور (على سبیل المثال لا الحصر).
ب_ تجاهل مبدأ التمانع باسناد اربع هیئات اعتباریة عامة الى شخص معنوي واحد هو حاكم البنك المركزي ، وذلك في مخالفة صریحة لاحكام المادتین ٢٠ و ٢١ من قانون النقد والتسلیف الصادر بالمرسوم ١٣٥١٣ في ١٩٦٣/٨/١ (مع تعدیلاته).
ج_ التغاضي عن عدم مبادرتك لایجاد ایة آلیة للتعاون والتنسیق مع النیابة العامة التمییزیة وغیرها من الشركاء المحتملین، في سبیل تنفیذ المهام الوطنیة الجسیمة المنوطة بهیئة التحقیق الخاصة التي اهملت معظم واجباتها الوطنیة وظهرت بمظهر ” الناظر الوطني” لتطبیق معاییر ال FATCA (تلمیعا لصورة لبنان في الخارج بما لا یحتمل اي اعتراض على سبیل الانصاف وفقا لموازین القوى والمعاییر الجیوسیاسیة على المستویات الدولیة والاقالیمیة والاقلیمیة) وانما مقابل غیاب ایة مؤشرات لتحقیق الأهداف الانسانية والوطنية لهذه الهیئة من حیث هي ” هیئة مستقلة ذات طابع قضائي تتمتع بالشخصیة المعنویة غیر خاضعة لسلطة المصرف مهمتها التحقیق في عملیات تبییض الاموال وتمویل الارهاب والسهر على التقید بالاصول…” وذلك انفاذا لاحكام المادة السادسة من القانون ٢٠٠١/٣١٨ المعدل بالقانون ٢٠٠٨/٣٢( توسیع صلاحیة هیئة التحقیق الخاصة لتشمل الفساد) والمعدل كذلك بالقانون ٢٠١٥/٤٤.
وفي معرض الحدیث عن هذا القانون اجدني مضطرا للتذكیر بالمادة الثانیة منه التي تعرّف ”تبییض الاموال من حیث هو اخفاء المصدر الحقیقي للاموال غیر المشروعة، او اعطاء تبریر كاذب لهذا المصدر باي وسیلة كانت، مع العلم بان الاموال موضوع الفعل غیر مشروعة”. وكذلك بمادته الاولى وفیها تعداد لواحد وعشرین فعلا جرمیا موصوفا في قوانیننا الوطنیة ينتج عن ارتكابها التحصل على ممتلكات او اموال غیر مشروعة، بمفهوم هذا القانون، سواء حصلت هذه الجرائم في لبنان او خارجه.”
ولكونه متعذرا، في رسالة عاجلة كهذه، تعداد ولایة الهیئة الواسعة بوصفها ذات طابع قضائي تتقصى تلقائيا وتتحقق وتدقق لكي تجمع وتراجع السجلات وهويات وارقام حسابات العملاء، ثم لتحفظ ولتصدر النصوص التنظیمیة والتدابير الفورية من رفع السرية المصرفية الى التجميد المؤقت للاموال، وكل ذلك ضمن المهل الموجزة المحددة بالايام بمقتضى معايير توصيات مجموعة العمل الماليFATF، سواء لصالح المراجع القضائیة المختصة ام لصالح الهیئة المصرفیة العلیا التي تعمل برئاستك وصاحبة الصلاحیة بانزال العقوبات الاداریة بالمؤسسات الخاضعة لرقابة الحاكمية و/اوالهيئة (م.٢٠٨ من قانون النقد والتسلیف وم. ١٣من القانون٤٤ ) ، وكل ذلك اما بطلبات مساعدة او بابلاغات تتلقاها قیاسا على المقاربة القانونیة لمفهوم الابلاغ المنصوص علیه في المادة ١٦ من قانون اصول المحاكمات الجزائیة، (اي دون ایة قیود شكلیة مثلما هو الحال بالنسبة الى الادعاء او الشكوى او الإخبار) . فاني أراه متوجبا، والحال على ما هي علیه، مكاشفة الشعب المنتفض من خلال تقدیمك جردة حساب تقریریة ام تبریریة ام تفسیریة، مساهمة منك في وضع حد لاحتمال اي تخریب متعمد اومشبوه، وشروعا في مبادرة انعطافیة صادقة ترسم فعليا ملامح الامل بخروج ممنهج ومنتظم من الازمة لعل اقصى اولوياته المباشرة الفوریة باستعادة اموال الشعب المنهوبة، سواء في الداخل ام في الخارج حیثما كان (ولیس فقط في سویسرا)، لا سيما وانك خير العارفين بان الآلیات القانونیة ،الوطنية والدولية، جميعها متوفرة ولها طابع الالزام الى درجة حظر التذرع بالسریة المصرفیة من اية دولة طرف متلقیة لطلب التعاون الدولي (بموجب الفقرة ٨ من المادة ١٨ من اتفاقیة بالیرمو التي جاء فیها ” لا یجوز للدول الاطراف ان ترفض تقدیم المساعدة القانونیة المتبادلة وفقا لهذه المادة بدعوى السریة المصرفیة).
ومع التأكید على احقیة ما نطلبه منك، بل ما هو متوجب عليك تجاه وطنك ومواطنيك، لا بأس من تذكيرك بشمول صلاحيات الهيئة لجمیع اشكال التحصل على اموال غیر مشروعة (او التنفع بها المسقط لمرور الزمن ایا كان تقادمه)، كما وانه لا حاجة لايداعك الاف القوائم بممتلكات متحصلة من عائدات جرمیة، لكونها اضحت حالات شائعة اسمع حدیثها الأصم وازكمت روائحها الانوف. فهل غاب عن سمعك وبصرك، السید رئیس الهیئة، حدیث الوزیر العمید مروان شربل حول الابتزاز في الشیكات المصرفیة المحسومة بنسب تتجاوز ال ٢٠%، معطوفا على منظر السیارات المصفحة تنقل الدولارات الى الصرافین، مع كل ما یثیره ذلك من شبهة ارتكاب افعال جرمیة جنائیة واقعة على أمن الدولة الداخلي ( لاسیما المواد 319 و 320 من قانون العقوبات اللبناني). وهل غاب عنك الحدیث الموثق بالصور حول التعویض الفاحش الخارج عن المألوف لأحد مدراء البنوك الذي ناله من الضمان الاجتماعي، بسبب هذا التعویض وما یثیره من شبهات، ما یزید عن تعویضات الف عامل وأجیر، وهل مارس مدققو الهیئة، مع سائر العاملين في وحدات امانتها العامة كاملة التمويل والتجهيز، ما خصهم به القانون من صلاحیات التحقق والرصد ومراجعة السجلات والحسابات والهويات خارج اي قيد بحيث لا یعتد دونهم بایة سریة مصرفیة منصوص عليها في قوانينا الوضعية، واستطرادا هل اتمت الهيئة واجباتهافي مراجعة التقاریر الفوریة والطارئة من مفوضي المراقبة لدى المعنیین بالمادتین الرابعة والخامسة من القانون ٢٠١٥/٤٤، واین نتائج التدقیق المتوجب في تقاریر الخبرة المحاسبیة للمرفأ وللأملاك البحریة والكهرباء والبارك میتر ولشركات الخلیوي ولأوجیرو ولمبنى تاتش الشهیر في وسط البلد…الخ !!؟ وهي نماذج فاضحة لحالات تتقاطع حولها جمیع الدلائل الوقائعيه والموضوعية (اي القرائن القانونية المهیئة للادانة اصولا) على ارتكاب افعال جرمية لسوف تحاسبون جميعكم على اي تقصیر في التحقق منها رحمة بالبلاد وبالعباد . لابل، وهذا الأهم، اولیس من حق الشعب معرفة الاسباب والنتائج لهندسات مالیة استنزفت ملیارات الدولارات التي ذهبت لمصارف غیر متعثرة على ما تم تداوله وعلى ما كانت تؤكده المؤشرات الخاصة بهذه المصارف، سيما وان تبرير هذه الهندسات يستوجب قانونا الاستناد الى تقاریر من لجنة الرقابة على المصارف تشرح أوضاع كل مصرف على حدة، ناهيكم عن السؤال المشروع حول السلطات المرجعیة التي سمحت بهذه الهندسات المثیرة لشبهة ارتكاب افعال مشمولة بالمادة الاولى من القانون ٢٠١٥/٤٤ والتي تحتمل اكثر من توصیف قانوني تبعا لتعدد الاسباب والمنتفعین و في ضوء ما یتوجب علیكم بیانه بكل شفافیة ووضوح للشعب قبل المسؤولین؟؟!
واما موضوع الاثراء غیر المشروع ، المشمول بولایة الهیئة بصورة مباشرة في النبذة 21/9 من المادة الاولى، فمن اقدر من الهیئة على ملاحقته والذهاب به الى خواتیم تسمح بالمباشرة الفوریة باستعادة الاموال المنهوبة فیما لو توفرت لدیك الارادة لتحقیقه.
واعذرني للتوسع في بیان ذلك اشهارا للحق وتنویرا للرأي العام لاسیما فیما یتعلق بالقانون 99/154 (الاثراء غیر المشروع). فما من اثنین یختلفان على وجوب تعدیل هذا القانون الذي یصح توصیفه بقانون “حمایة الاثراء غیر المشروع” وذلك لاعتبارات واقعیة وقانونیة، لاسیما لجهة مخالفته القاعدة الدستوریة بعدم جواز تقیید حق الادعاء بشروط تعجیزیة معطلة للقانون، لما في ذلك من مجافاة لمنطوق المادتین ٧ و ٨ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان اولا، ولتعارضه ثانیا، مع القوانین العامة الناظمة لأصول اقامة وتحریك الدعوى العامة المدنیة او الجزائیة، معطوفة على الاحكام النافذة التي ترعى حالات التقاضي بجرم الافتراء!! مع ذلك، فان الفصل الثاني منه بعنوان (التصریح عن الثروة) قد وضع آلیة دقیقة وذات مهل محددة لتقدیم التصریحین المتوجبین على المشمولین باحكامه ابتداءا وانتهاءا، وكذلك لاصول التحقیق والاحالة تمهیدا للملاحقة، معتبرا في الفقرة الاخیرة من مادته الخامسة ” ان دور مصرف لبنان في حفظ التصاریح كافة هو دور ودیع مركزي”. والسؤال الذي یطرح نفسه في هذه الظروف المأزومة، لماذا لا یبادر حاكم المركزي بصفته الودیع المترئس والمختصر بشخصه لهیئة التحقیق الخاصة خلافا للاصول، (وفي ضوء آلاف قرائن الدلالة حول افعال ذائعة الصیت مشمولة بالمادة الاولى من القانون 44/2015)، الى تكلیف مدیریة المعلوماتیة لدى المركزي، ذات الكفاءة العالیة المشهودة والمعترف بها، بالشروع في وضع جدول تفصیلي باوضاع ما استودع لدیه من تصاریح مع بیان وقوعاتها وتبدلاتها ضمن المهل المحددة، وفقا لما نص علیه القانون.لیصار بعدها الى التنسیق مع كل من النیابتین العامتین التمییزیة والمالیة من اجل تكلیف مدققي هیئة التحقیق الخاصة بالتقصي تحققا من جمیع الحالات المثیرة للشبهات، وما اكثرها، ولتكن البدایة في التحقق من الذمم المالیة للسیاسیین المساهمین ومالكي الأسهم لدى المصارف الوطنیة والأجنبیة، وذلك التزاما بمعايير تنفيذ التوصية 12 لمجموعة العمل المالي حول من يعرفون بال PEPs المعتبرين ضمن عوامل الخطر المرتفعة، وتأسیا بحكمة كونفوشیوس الشهیرة ” عندما یصلح القائد، من یجرؤ على الفساد”.
في الختام، هي دعوة صادقة لصحوة ضمير مجزية خيرا لك وللوطن وللشعب المتهالك على حافة اليأس، والذي اسمح لنفسي بان ابلغك، اصالة ونيابة، انه متيقن من عدم امكان عبور البحر عبر الوقوف والتحدیق الیه، كما قال طاغور، وانه كذلك مؤمن بان الاستسلام لفكرة الهزیمة هو الهزیمة بحد ذاتها ،
على نحو ما علمه الماریشال فوش في فنون القیادة. ولعلي لا ولن اجد حرجا في تذكيرك بان واجبك، كانسان وقبل اي اعتبار، الاصغاء بكل احترام الى انین الشعب، والتبصر في اسباب معاناته التي لك انصبة وازنة فيها، مسارعا الى سؤالك عن التوقیت الذي سوف تتصل به، غدا او بعد غد على ابعد تقدیر، بالنائب العام التمییزي للتنسیق من اجل انشاء خلیة ازمة مالیة واقتصادیة ذات رؤیة انقاذیة متوافرة الآلیات والوسائل، تضم الیكما النائب العام المالي (وهو عضو في الهیئة خلافا لمبدأ التمانع) مع كامل اعضاء هیئة التحقیق الخاصة وبمشاركة كل من رئیسي دیوان المحاسبة وهیئة التفتیش المركزي، إضافة إلى سائر الخبراء الذین تستدعیهم الضرورة، من اجل المباشرة بمراجعة شاملة وجادة ومسؤولة، لعشرات بل مئات الشكاوى والاخبارات والابلاغات، التي لا یمكن لعاقل ادعاء عدم معرفتها، سواء المتوفرة ملفاتها ام الظاهرة مؤشراتها وادلتها بصورة مؤكدة او شبه مؤكدة تبیح مباشرة اجراءات الاستقصاء والرصد والتحقق المنوطة بالسلطات وبالأجهزة ذات الصلاحیة، بما فیها بالطبع هیئة التحقیق الخاصة ذات الصلاحيات الاستثنائية الواسعة.
ان مسؤولیتك, السید رئیس الهیئة، في انقاذ البلد وحمایة القطاع المصرفي الذي لابد من تحصینه، تدعوك الى التخلص من الارتباك الذي وصفك به احد اقرب الناس الیك عندما دعاك مع المصرفیین الى التعامل مع الناس بشفافیة. بمنتهى الموضوعیة تراني ادعوك الى الانتصار لدموع وحناجر المنتفضین من جوع ومن فقر ومن اذلال متعمد ومتمادي، على النحو الذي عبرت ولا تزال تعبر عنه ”روح الجماعة او الحشود” كما اسماها غوستاف لوبون في كتابه المرجع سیكولوجیة الحشود، لان ذلك ما يقتضيه الواجب الانساني والوطني منك ومن شركائك المعروفین منك تماما .فلتبادر اذن ومنذ اللحظة، الى نصب میزان المحاكمة العادلة لكل من تولى خدمة عامة او خاصة، تلبیة لنداء الامین العام للامم السید بان كي مون الى كل المسؤولین افرادا او جماعات (وانت منهم)، لقيام كل واحد بدوره في جعل الحقوق العالمیة للانسان واقعا معیوشا” لكل رجل وامراة وطفل في جمیع ارجاء العالم (تمهید امین عام الامم المتحدة للاعلان العالمي لحقوق الانسان)
وبداية منطلقات تحولك المامول، تلك المبادئ الانسانیة السامية المنصوص علیها في الشرعات والمواثیق الدولیة المتمحورة حول حقوق الانسان عموما، لا سيما منها المواد 1 و 2 و 3 و 5 و 7 و 17 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان مع ما تلاها من احكام موازیة في العهدین الدولیین المكمّلین وقد تمت ترجمتها جمیعها في دستورنا اللبناني على نحو ما لا يغرب عن بالك دون شك.
واما إختيارك الإستمرار في تطمیناتك المتناقضة الباعثة على التوتر وعلى القلق المذیب للاجساد كما ورد في مأثور القول عن السابقین، إضافة إلى تماديك في تبریر اجراءات جمعیة المصارف التي تعلم جیدا انها غیر قانونیة وصادرة عن غیر ذي صفة، (لاسیما لجهة حبس أموال المودعین مقرونا بالتنمر، فلن ینفع معه تذرع بحصانة لا بد من تذكیرك بانها غیر شخصیة وانما مقتصرة على تأدية مهام الهيئة وفقا لاحكام المادة ١٢ من القانون ٤٤ بخلاف ما قد يفضي اليه الاخلال بالواجبات من امكانية الملاحقة الجزائية عملا باحكام قانون العقوبات لا سيما المادة ٣٩٨ والمادة ٣٩٩ منه.
فلكم هو حري بك ، السید رئیس الهیئة ، استقراء تجارب التاریخ لتعلم ان المقام الاعلى والوسام الارفع هو الذي یمنحه الشعب لخدامه الصادقین المتمتعین بروح المسؤولیة الاجتماعیة وبالایثار وبالنزاهة في معرض ادائهم للخدمة العامة التي یدعون الیها
بیروت في 18 كانون الثاني 2020
العمید البروفسور فضل ضاهر
* المصدر: الملف الأستراتيجي
تعليقات: