تلف مستندات في الاتصالات وتلاعب بفواتير شركات الإنترنت

جرى تكبير حجم السعات الدولة للعديد من الشركات من دون براءة ذمة مالية (مصطفى جمال الدين)
جرى تكبير حجم السعات الدولة للعديد من الشركات من دون براءة ذمة مالية (مصطفى جمال الدين)


في انتظار رد ديوان المحاسبة على كتاب وزارة الاتصالات حول تقسيط متأخرات شركات الانترنت، تبقى الأمور معلقة، ولن يستطيع الوزير جوني القرم المضي بقرار منح الشركات خيار تقسيط المتأخرات. فوفق مصادر "المدن" أرسل القرم كتاب رد حول الأسئلة التي سبق وطرحها ديوان المحاسبة. ويفترض أن يرد "الديوان" على المبررات التي عرضها، والتي دفعته إلى اتخاذ قرار تقسيط الاشتراكات. لكن قبل رد "الديوان" لا يمكن المضي بمخطط التقسيط، الذي كان الوزير بصدد اتخاذه.


تلف الاف المستندات

سبق وأحدثت قضية تقسيط المتأخرات ضجة في الوزارة، كانت من تداعياتها كف وزير الاتصالات يد المكلفة برئاسة دائرة الشؤون المالية دلال المعوش، التي رفضت التقسيط لشركات الانترنت قبل أخذ رأي ديوان المحاسبة. فالمتأخرات على الشركات هي بمثابة سلع، تشتريها الشركات من الوزارة وتبيعها للزبائن (اشتراكات الانترنت). وهي ليست رسوماً أو ضرائب، ما يعني أنه لا يمكن تقسيطها. بل هي بمثابة خدمة تبيعها الشركة للزبائن شهرياً. وفي حال القبول بتقسيط المتأخرات، تكون شركات الأنترنت قد كحققت أرباحاً مضاعفة على حساب المال العام، ومن دون تسديد المتوجبات عليها للدولة. أي أنه عوضاً عن معاقبة الشركات المتخلفة عن الدفع، كما تنص القوانين المتعلقة بتأجير الخطوط الدولية، قدمت الوزارة "خدمات إضافية" للشركات من خلال السماح بتقسيط المتأخرات.

لكن ثمة أمور مريبة حصلت سابقاً في الوزارة ولم تخرج إلى العلن، ولم يعرف كيف تعامل القضاء المختص معها. فقد تم تلف آلاف المستندات في دائرة الخزينة والتحصيل، العام المنصرم، من دون علم المعوش، رغم أنها رئيسة دائرة الشؤون المالية. وقد رفعت الأخيرة شكوى إلى النيابة العامة المالية، بواسطة الوزير القرم، حول هذه الحادثة. لكن لم يرفع القرم الكتاب. بل تبين أن النيابة العامة تحركت بعد إخبار (حضرت حينها دورية من فرع المعاومات عندما حصلت المشكلة بين المعوش والموظف)، وأقفلت القضية من دون معرفة كيف تحركت النيابة العامة وإذا ما كانت حققت مع المعنيين.

وفي التفاصيل، تبين أن أحد المياومين الملحق بهذه الدائرة ب.س. أقدم على تلف تلك المستندات من دون اتباع الأصول الإدارية، ومن دون علم رئيسته المعوش، التي حضرت إلى الوزارة ووجدت عدداً من الأكياس السوداء الكبيرة مليئة بالمستندات التي تم تلفها عبر جهاز التلف. علماً أن هذه الدائرة حساسة للغاية لأنها تضم أقسام التحصيل وضبط حسابات الصندوق والصندوق المركزي وجميع مقبوضات ومدفوعات وزارة الاتصالات. ما يعني أن المستندات فيها بغاية الأهمية. وأقفلت القضية من دون معرفة ما هي المستندات التي تلفها الموظف، وإذا كانت تحتوي على فواتير مستحقة تعود للشركات المتعاقدة مع الوزارة. فهل لموظف مياوم صلاحية تلف المستندات من تلقاء نفسه، وبحجة أنها نسخ عن وثائق في المحفوظات؟ ومن أوعز له تلفها من دون علم رئيسته؟ وهل جرى بحث جنائي بهذه المستندات؟


من دون براءة ذمة مالية

وإلى هذه الحادثة التي تثير الريبة، تكشف المصادر أن الوزارة كانت تواصل تأجير الشركات (مقدمو خدمات الأنترنت) الخطوط الدولية وتزيد لبعضها السعات التي ترغب بها من دون طلب براءة ذمة مالية. وفي نهاية العام المنصرم، تذرعت بعض الشركات بالحرب الإسرائيلية، وطلبت تقسيط المستحقات، رغم أن التخلف عن الدفع يعود لأكثر من 11 شهراً. وقد طلبت إحدى الشركات نقل سعاتها من الضاحية الجنوبية إلى منطقة الدكوانة، ولبي طلبها. ثم عادت وطلبت التقسيط وكانت الوزرة تهم بتنفيذ طلبها. هذا على الرغم من أن نقل السعات من الضاحية إلى الدكوانة يترجم بأن الشركة تبيع سلعتها في المنطقة التي نقلت إليها، ما يعني انتفاء مبرر التذرع بالحرب. ولم تسأل الوزارة عند تنفيذ طلب الشركة بنقل السعات، ولاحقاً بطلب التقسيط، عن براءة الذمة المالية، لا سيما أنه تبين أن الشركة كانت متخلفة عن الدفع لنحو تسعة أشهر حينها.


تلاعب بتسديد الفواتير

يفترض أن يدقق ديوان المحاسبة بمبررات القرم التي دفعته لقبول طلب التقسيط للشركات. لكن المشكلة في وزارة الاتصالات أن الأمور بحاجة تحرك النيابة العامة المالية للتدقيق بملفات الشركات أقله في السنوات الخمسة المنصرمة لمعرفة إذا كانت سددت مستحقاتها للدولة، لا سيما في ظل المعلومات المتداولة في أروقة الوزارة عن أن الشركات لم تكن تسدد كل مستحقاتها سابقاً. وهذا معطوف على قضية تلف المستندات التي ربما تتضمن محاولات لطمس حقائق معينة. فأقله بحسب اللائحة المسربة عن "دائرة الحسابات الدولية" بالشركات المتخلفة عن الدفع، يتبين أن المبلغ المتراكم على شركات الانترنت يصل إلى نحو عشرة ملايين دولار. ورغم أنه كان على وزارة الاتصالات وقف اشتراك الشركة المتخلفة بعد شهرين من عدم دفع الاشتراك (بحسب الكفالة المصرفية)، أبقت الوزارة السعات الدولية مفتوحة للشركات من دون اتخاذ أي إجراء بحقها. وتبين أن بعض الشركات، التي يصل عددها إلى نحو 53 شركة، لم تسدد أي فاتورة شهرية للدولة منذ أربع سنوات. وعوضاً عن قطع الخدمة عنها، لا سيما أنها تبيع اشتراكات الانترنت للزبائن وتوقف الخدمة في حال تخلف المشترك عن الدفع، لم تسأل الوزارة عن المال. بل جرى تكبير حجم السعات الدولة للعديد من الشركات، ومن دون إبراز براءة ذمة مالية حتى.

ولم تقتصر الأمور على هذه "التسهيلات" للشركات، بل تم الإيعاز لها بتسديد آخر فاتورة مستحقة لها. والهدف كان إيهام الإدارة أن الشركة سددت كل المستحقات عليها وتستطيع الحصول على براءة ذمة مالية. فعندما يبرز صاحب الشركة إيصال آخر فاتورة مستحقة عليه، يظهر كأنه دفع كل الفواتير السابقة. وعندما اكتشفت المعوش هذا التلاعب، طلبت من الصندوق عدم قبول تسديد الفواتير انتقائياً، بل بالتسلسل الزمني لها. وهذا كان من ضمن أمور كثيرة كانت تحاول متابعها لمحاولة تحصيل أموال الدولة، ما أدى إلى تفاقم الخلافات بينها وبين مدير عام الاستثمار والصيانة باسل الأيوبي ووزير الاتصالات.

تعليقات: