ملاحقة أعضاء المجلس المركزي: أملاكهم تحت المجهر القضائي!

هيئة القضايا قد تتجه إلى المطالبة بالحجز على أملاك وعقارات أعضاء المجلس في إجراء احترازيّ. (مصطفى جمال الدين)
هيئة القضايا قد تتجه إلى المطالبة بالحجز على أملاك وعقارات أعضاء المجلس في إجراء احترازيّ. (مصطفى جمال الدين)


انتقلت الدولة اللبنانيّة إلى مرحلة جديدة في قضية حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة (الذي يقبع داخل السجون اللبنانيّة بعد اتهامه بسرقة المال العام) والفساد الحاصل داخل المصرف المركزي والهندسات المالية التي نفذها سلامة خلال فترة ولايته، وهي مُلاحقة أعضاء المجلس المركزي، لمساءلتهم ومعاقبتهم في حال أظهرت التحقيقات القضائية تورطهم بالانهيار الاقتصادي الأضخم في تاريخ الجمهورية اللبنانيّة.


مرحلتان منفصلتان

قبل إحالتها إلى التقاعد بأيام قليلة، ألقت القاضية هيلانا اسكندر "قنبلة قضائية" أمام المحكمة المالية، وقررت ملاحقة جميع أعضاء المجلس المركزي، بحجة أنهم تعاونوا مع سلامة في اخفاقاته، وصرفوا النظر عن كل التجاوزات التي قام بها.

تقدمت اسكندر بدعوى مدنية طالت أكثر من 25 اسمًا، وقسمت الدعوى لمرحلتين.

الحقبة الأولى انطلقت بها من العام 1993 أي العام الذي عُين فيه سلامة حاكمًا لمصرف لبنان، حتى العام 2018. والمرحلة الثانية هي ابتداءً من الانفجار الاقتصادي في العام 2019 وصولًا للعام 2025.


ملاحقة شاملة

خلال هاتين المرحلتين، تبدّل أعضاء المجلس ما يُعادل الـ6 مرات، لكون الولاية الواحدة تمتد لخمس سنوات. أسماء كثيرة تبدلت وشملتها الدعوى من دون استثناء، وصولًا للولاية الأخيرة التي تضم: وسيم منصوري (حاكم مصرف لبنان بالإنابة)، بشير قازان، سليم شاهين، ألكسندر مارديان، والمدير العام لوزارة الاقتصاد الحالي، محمد أبو حيدر، والمدير العام لوزارة المالية (منصب شاغر حاليًا) استقال آلان بيفاني في العام 2020 وطالته الدعوى أيضًا.

تفيد مصادر قضائية لـ"المدن" إلى أن القاضية اسكندر تقدمت بدعوى مدنية أمام القاضية منى صالح في المحكمة المالية. قدمت الدعوى بصفة اسكندر ممثلة الدولة اللبنانيّة، واتهمت أعضاء المجلس المركزي بإساءة استخدام السلطة، والتسبب بالانهيار الاقتصادي.

تُحمل الدولة اللبنانيّة مسؤولية الانهيار على الأعضاء، وتطالبهم بتعويض مالي يتخطى الـ280 مليار، لكونهم وقعوا على الهندسات التي نفذها سلامة، وإن لم يشاركوا بصورة مباشرة في تجاوزات سلامة، لكنهم وافقوا على ما طلبه منهم من دون ان يعترضوا على ذلك، وتوقيعهم على القرارات يؤكد ذلك، ويحملهم مسؤولية.


ما سبب اختيار أعضاء المجلس؟

المعروف أن المجلس المركزي هو المسؤول الأساسي عن السياسات النقدية. إلا أن الأزمة الداخلية داخل المصرف المركزي هي أن الحاكم جعل من نفسه امبراطورًا داخل المصرف، واعتمد أساليب عدة لتمرير هندساته المالية من دون أن يعترضه أحد، أكان لناحية توزيع الامتيازات على الأعضاء أو تأمين بعض القروض المدعومة لهم. يضاف إلى ذلك تسويق السلطة السياسية له كرجل خارق ودعمه، وتصوير الحاكم كأنه لا يخطئ. كل تلك الأمور حوّلت الأعضاء المتعاقبين داخل المصرف المركزي إلى موظفين يوافقون على كل ما يُطلب منهم، حتى أنه تجاوزهم في كثير من الأحيان ولم يصدر منهم أي تعليق.


مجالس شكليّة

على سبيل المثال، في العام 2015، حين بدأ سلامة هندساته المالية، اتخذ هذا القرار من دون استشارة أعضاء المجلس، وهذا الأمر شكل فضيحة آنذاك بحقهم، لكونهم علموا بما قام به من خلال وسائل الاعلام، ومن بعدها برّر لهم، ونفذت الهندسات التي تسببت بالانهيار الاقتصادي من دون أي اعتراض.

داخل المصرف، نفذ سلامة كل ما أراده، من دون أن تتم مساءلته. وحسب معلومات "المدن"، حين أخبر سلامة أعضاء المصرف أنه استأجر شقة في باريس باسم المصرف المركزي، (هي الشقة التي يلاحق عليها بعدما أظهرت التحقيقات أن عقد ايجارها مسجل باسم صديقته والدة طفلته آنا كازاكوفا، وهي شقة باهظة الثمن كثيرًا ولم تستخدم في أي شيء يصب في مصلحة المصرف المركزي)، وافق الأعضاء على اقتراح سلامة ووقعوا، من دون أن تتم مساءلة الحاكم حول حاجة المصرف إلى شقة باهظة الثمن في فرنسا، ومن دون مساءلته حول أسباب وجود والدة طفلته في العقد الموقع. وبعد أن بدأ المصرف بتكبد الخسائر، لم تتم مساءلة سلامة عما يحصل في كواليس المصرف. كل هذه الأمور، تؤكد أن المجالس المركزية لسنوات طويلة، كانت شكلية فقط، وهي لم تحظ بصلاحيات أو لم تمارسها، علمًا أن أهميتها هي الموافقة على القرارات والتوقيع عليها، إلا أن سلامة حوّل نفسه لحاكم بأمر المصرف، ولم يعترضوا على هذا الأمر وهذا ما يدينهم بشكل أساسيّ.

وعلقت مصادر قضائية على صلاحيات المجلس المركزي بالقول: "كل من وقع على القرارات هو موضع المساءلة والملاحقة، هم يتحملون مسؤولية القرارات التي صوتوا عليها ووقعوا في آخر صفحاتها".

وبالرغم من المعرفة أن القضاء المدني يستغرق وقتاً أطول من القضاء الجزائي بحيث أن الدعوى قد تتخذ مسارًا طويلًا شاقًا يمتد لسنوات قبل الوصول إلى خواتيمها، إلا أن هذا الأمر من الممكن أن يتغير في حال صدور تشكيلات قضائية سريعة وتسليم المهام لقضاة جدد، أي من الممكن أن تتخذ مسارًا أسرع بقليل.


الحجر الاحتياطي على أملاكهم

إذن، هي دعوى مدنية طويلة أمام المحكمة المالية، لكن خطورتها وتأثيرها قد يكون كبيرًا على كل الأسماء المطلوب ملاحقتها، في حال قررت هيئة القضايا وهو أمر متوقع واتخذ سابقًا في ملف سلامة، أن تطلب الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل الأعضاء من دون استثناء، حينها يتم الكشف على أملاك وعقارات كل شخص ذكر اسمه في الدعوى، وهنا يجب أن نذكر أن القضاء اللبناني حجز على أملاك سلامة وهو لا يزال حتى الساعة ممنوع من التصرف بهم.

وحسب مصادر قضائية لـ"المدن" فإن هيئة القضايا هي في صدد متابعة هذه الدعوى، ومن المرجح كخطوة أولى احترازية أن تطلب الكشف على أملاك الأعضاء والحجز الاحتياطي على هذه الأملاك والعقارات والأموال لتضمن الدولة اللبنانية حقها في هذه الدعوى.


تعليقات: