تشاؤم لبناني من وقف الخروق الإسرائيلية بعد الانسحاب

مركبات تابعة لـ اليونيفيل والجيش اللبناني تنتشر في قرية العديسة بجنوب لبنان في 18 فبراير 2025 (أ ف ب)
مركبات تابعة لـ اليونيفيل والجيش اللبناني تنتشر في قرية العديسة بجنوب لبنان في 18 فبراير 2025 (أ ف ب)


ثمة تشاؤم لبناني عام، وجنوبي خاص من أن المرحلة المقبلة إذا ما استمرت على النمط الحاصل يومياً من قبل الجيش الإسرائيلي لن تحقق الهدوء الذي ينص عليه تطبيق القرار الأممي 1701 والذي كان يفترض بدء تنفيذه منذ الـ 27 من نوفمبر الماضي بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار المعقودة بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية وفرنسية ومصرية.

يجمع أكثر المحللين السياسيين والاستراتيجيين ومتابعي الأحداث الجارية جنوب لبنان، وما يحصل يومياً من تفجير إسرائيل مزيداً من البيوت والحارات في القرى الحدودية التي أعلنت الانسحاب منها اليوم الثلاثاء، إلى عمليات الاغتيالات التي تطاول عناصر من "حزب الله" كان آخرها مساء السبت الماضي 15 فبراير (شباط) في بلدة عربصاليم في إقليم التفاح التي تبعد أكثر من 25 كيلومتراً شمال نهر الليطاني، ناهيك بالغارات المتكررة هنا وهناك، ولم تسلم منها منطقة البقاع في شرق لبنان على مسافة 120 كيلومتراً من الحدود الجنوبية، من أن الانسحاب الإسرائيلي لن يحدّ من عمليات إسرائيل أو يلجمها ليس على مناطق جنوب الليطاني فحسب بل ستشمل مختلف الأراضي اللبنانية.


تشاؤم لبناني من خروق إسرائيل

ثمة تشاؤم لبناني عام، وجنوبي خاص من أن المرحلة المقبلة إذا ما استمرت على النمط الحاصل يومياً من قبل الجيش الإسرائيلي لن تحقق الهدوء الذي ينص عليه تطبيق القرار الأممي 1701 والذي كان يفترض بدء تنفيذه منذ الـ 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار المعقودة بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية وفرنسية ومصرية، لكن إسرائيل لم تلتزم بوقف إطلاق النار واجتاحت، خلال شهرين و21 يوماً، عديداً من القرى الجنوبية في الحد الأمامي الأول والحد الأمامي الثاني والثالث وقامت بتفخيخ البيوت والحارات قبل نسفها، وبتجريف البنى التحتية من طرقات وشبكات كهرباء واتصالات وصرف صحي قبل أن تنسحب من عدد منها وتبقي على وجودها في عدد آخر.

يضاف إلى ذلك أن الجيش الإسرائيلي مدد فترة الانسحاب التي كانت مقررة أن تتم قبل الـ 26 من يناير (كانون الثاني) الماضي إلى الـ 18 من فبراير ومنع أهالي القرى والبلدات من العودة إلى بيوتهم المدمرة أصلاً، بل وأطلق النار باتجاههم فقتل منهم أكثر من 30 مواطناً بينهم أطفال ونساء، وأصيب نحو 100 بجروح مختلفة، إلى عدد من العائدين الذين قامت باعتقالهم قبل أن تطلق سراح بعضهم وتبقي على آخرين.

وأتت عملية استهداف أحد قياديي حركة "حماس" في قلب عاصمة الجنوب مدينة صيدا التي تبعد نحو 30 كيلومتراً شمال نهر الليطاني، الإثنين 17 فبراير الجاري، لتزيد مخاوف سكان الجنوب من المرحلة المقبلة وكيفية تعاطي إسرائيل مع عودة الأهالي إلى قراهم وخشية استهدافهم تحت عناوين كثيرة تستخدمها كمبررات لتنفيذ ما تقوم به بحجة حماية أمنها وحدودها، من دون مراقبة دولية فاعلة أو محاسبة من اللجنة الخماسية (المولجة تطبيق قرار وقف إطلاق النار) على نحو ما حصل طوال 80 يوماً من تاريخ وقف إطلاق النار، ونيتها في الإبقاء على عدد من التلال القريبة من الحدود تحت سيطرتها العسكرية بما لا يتمم انسحابها الكامل من الأراضي اللبنانية التي توغلت إليها في الحرب الأخيرة.


النقاط الخمس لن تقدم أو تؤخر

يشير الخبير في الشؤون الأمنية العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني سعيد قزح إلى أن "النقاط الخمس أو التلال التي تنوي إسرائيل البقاء فيها لن تقدم لها أي ميزة عسكرية للمراقبة مثلاً في الداخل اللبناني لا سيما في ظل امتلاكها المراقبة الجوية الدقيقة من خلال الأقمار الاصطناعية والطائرات الحربية والمسيّرات، والظاهر أن الاتفاق والضمانات الأميركية أعطت لها حرية المراقبة الجوية الدائمة، لذلك لن تلزمها التلال الجنوبية الخمس، بل ربما تجعلها تخشى من إعادة تمركز عناصر حزب الله فيها وتسلحه وبناء مراكز عسكرية يمكن أن تهدد الأراضي الإسرائيلية في أصبع الجليل والمناطق الحدودية في القطاعات الغربي والأوسط والشرقي".

وينفي العميد قزح أن يكون أحد "حتى تاريخ اليوم يعرف أو يفهم حقيقة بنود الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين حزب الله ممثلاً برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وبين إسرائيل بواسطة الأميركيين، لا أحد يعرف علامَ اتفقوا، أو هل تم الاتفاق على أن تبقى نقاط للإسرائيليين من أجل إعطاء ذريعة لحزب الله حتى يتمسك أكثر بسلاحه، وهكذا يكون الطرفان عندهما الذريعة لبقاء المواجهة بينهما، وطالما أن هناك سلاحاً بيد الحزب لا تنسحب إسرائيل من الجنوب، وطالما أن هناك تواجداً عسكرياً إسرائيلياً على الأراضي اللبنانية فلن يسلّم حزب الله سلاحه؟".


التحرير مسؤولية الدولة اللبنانية

ويرى العميد قزح "أنه مع انطلاق العهد الجديد المتمثل بانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة جديدة يجب أن تكون أمور تحرير الأراضي اللبنانية والمفاوضات في استعادة الأراضي هي من مسؤولية الدولة اللبنانية فقط. لا عذر لحزب الله من عدم تسليم سلاحه أو تسفير سلاحه إلى الخارج أو إعادته إلى مصدره، يجب ألا يكون هناك أي حزب مسلح لا فلسطيني أو لبناني وبخاصة حزب الله الذي دائماً ما ينفّذ الأجندة الإيرانية والمصالح الإيرانية، ونحن لم نره في حياتنا أنه قام بأي عمل يخدم يوماً المصلحة اللبنانية، دائماً كان يقوم بأعمال تخدم المصلحة الإيرانية بعيداً من المصلحة اللبنانية وبخاصة تجاه البيئة الحاضنة".

يضيف العميد قزح "إذا ما استعرضنا ما جرى منذ حرب 2006 وحتى اليوم فقد سقط ما بين 20 ألفاً إلى 25 ألف ضحية من الطائفة الشيعية من دون أي مبرر، إن كان في سوريا أو خارج سوريا أو في لبنان، ولم يكن من لزوم للحرب التي أشعلها حزب الله في جنوب لبنان ليس في 2006 ولا في 2023، وهو يستخدم شبابه ودماءهم وقرى الجنوب وقوداً للمصلحة الإيرانية". ويعتقد قزح أنه "لن تكون أي اشتباكات جديدة وأي حرب جديدة لأن إسرائيل حققت جميع غاياتها وكل أهدافها من إبعاد حزب الله عن جنوب الليطاني وعن حدودها وتأمين أمن مستعمراتها".

لا حرب جديدة

ويتابع قزح "أعتقد أيضاً أن حزب الله لن يتجرأ على فتح حرب جديدة لأن الخسائر التي مني بها في الحرب الأخيرة وتدمير القرى والمدن الشيعية وتهجير البيئة الحاضنة، لن تجعله يعيد فتح حرب جديدة حتى لو بقيت التلال الخمس مسيطراً عليها من قبل الإسرائيليين، وسوف يسلم للدولة اللبنانية قرار القيام بواجباتها والقيام بمفاوضات دبلوماسية من أجل الانسحاب الإسرائيلي من هذه التلال وغيرها".

ويؤمن العميد قزح بنظرية أن "إسرائيل ترغب دائماً في أن تترك قضايا عالقة من أجل استخدامها في الأوقات التي تراها مناسبة، فلا يهمها إن بقيت ميليشيات مسلحة في لبنان اسمها حزب الله، هي تود دائماً أن تترك ذريعة تلجأ إليها في الوقت المناسب، وبالطبع لن يهمها استقرار لبنان أو ازدهاره، كل ما يهمها هو أمنها وطالما أن هذا الأمر محقق فلا تبالي بما يجري في لبنان ولا مشكلة لديها أن يرتد الحزب على الداخل اللبناني أو يحاول أن يحكم لبنان، المهم أن يبعد من حدودها".

ويؤكد العميد قزح "أن بقاء الإسرائيليين في جنوب لبنان طبعاً هو إضعاف للدولة اللبنانية، ولكن بجميع الأحوال نحن في الداخل إذا كنا نعرف مصلحتنا وحريصين على بلدنا يجب أن نسلّم أمرنا للدولة، والدولة هي من يجب عليها أن تتصرف، فمصر ليست أفضل منا، والأردن ليس أحسن منا، وسوريا ليست أفضل منا، هناك دولة هي تعرف كيف تتعاطى مع الاحتلال الموجود ولا عذر لأي ميليشيات مسلحة ليس على الحدود الجنوبية ولا على الحدود الشرقية ولا على الحدود الشمالية".


"البقاء في أي نقطة احتلال"

ويشكك الباحث السياسي والأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية نسيب حطيط في اكتمال الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان "ما لم تحسم النقاط الخمس، ويبدو أنها لم تحسم، وصحيح أن الإسرائيليين تخلوا عن تلة العزية (داخل الأراضي اللبنانية وتشرف على بلدة الطيبة في قضاء مرجعيون) وأكثر المواقع الخمسة هي عند الحدود، لكن البقاء فيها أو في أي نقطة هو احتلال". ويقول رداً على سؤال "برأيي أن الأميركيين إذا لم يستطيعوا القضاء على حزب الله سياسياً وعسكرياً بالشكل الحقيقي، فإن ما يجري لن يتوقف، خصوصاً أن الأميركيين يعتبرون أن هذه الفرصة لن تتكرر بحيث أن أميركا في ذروة القوة والحزب محاصر وفي أصعب الظروف بكل الاتجاهات، وإذا استطاع أن يحيّد نفسه الآن كمقاومة عسكرية فأميركا لن تقدر عليه ثانية. أميركا، وفق معلوماتها، إذا لم تنطفئ المقاومة في لبنان ستبقى مستمرة في العالم العربي، لكنها إن أخمدت في لبنان فلن يعود من وجود لمشروع المقاومة المسلحة في كل العالم العربي حتى وفي فلسطين، لسبب أن لبنان تاريخياً حتى في أيام اليسار اللبناني هو الدينمو (المحرك) لأي مشروع سياسي كبير في العالم العربي ولحركة التحرر، فعندما تقفل نافذة لبنان يعتبر الأميركيون أن وجع الرأس سوف يتوقف".


* المصدر: (independentarabia.com اندبندنت عربية)

مركبات للجيش اللبناني تتحرك على طول طريق أثناء انتشارها في قرية العديسة بجنوب لبنان في 18 فبراير 2025 (أ ف ب)
مركبات للجيش اللبناني تتحرك على طول طريق أثناء انتشارها في قرية العديسة بجنوب لبنان في 18 فبراير 2025 (أ ف ب)


جرافات إسرائيلية تعمل على تلة الحمامص القريبة من بلدة الخيام جنوب لبنان، الإثنين 17 فبراير 2025 (أ ب)
جرافات إسرائيلية تعمل على تلة الحمامص القريبة من بلدة الخيام جنوب لبنان، الإثنين 17 فبراير 2025 (أ ب)


تمر حفارة عسكرية إسرائيلية بجوار منازل مدمرة في قرية الضهيرة اللبنانية بالقرب من الحدود مع شمال إسرائيل، في 17 فبراير 2025 (أ ف ب)
تمر حفارة عسكرية إسرائيلية بجوار منازل مدمرة في قرية الضهيرة اللبنانية بالقرب من الحدود مع شمال إسرائيل، في 17 فبراير 2025 (أ ف ب)


تعليقات: