هل ستقع الحرب على الجبهة اللبنانية - الاسرائيلية؟ ومتى؟ وكيف؟

 حرب تموز 2006
حرب تموز 2006


إسرائيل بدأت استعداداتها منذ انتهاء حرب تموز و"حزب الله" استكمل تحضيراته للمواجهة..

"لا تناموا على حرير، ناموا بعين مفتوحة. واسمحوا لي، بعكس الماضي، أن أستبدل بيع الامل ببيع الحذر، وأن أصارحكم بأن اسرائيل والارهاب هما وجهان لعملة واحدة ويريدان النيل من لبنان ومن نظامه الامني".... ما قاله الرئيس نبيه بري في خطابه في ذكرى الامام الصدر في النبطية في الواحد والثلاثين من آب الماضي، فتح الباب امام تساؤلات عن احتمال حصول حرب جديدة ضد لبنان، وهي تساؤلات قلقة بدأت منذ ان انتهت حرب تموز 2006 التي تلقت فيها اسرائيل ضربة موجعة على يد "حزب الله"، ليبدأ معها التحضير الاسرائيلي لحرب جديدة تعيد الاعتبار لاسرائيل، وتحقق من خلالها مشاريعها التي عجزت عن تحقيقها في الحرب الماضية.

تساؤلات تقلق اللبنانيين، وتقض مضاجعهم: فهل ستقع الحرب من جديد وتعود كرة النار تنتج الموت واليباس والقتل والدمار في ارضنا؟ ام ان ما يطرح مجرد سيناريوات لتسوية اقليمية ودولية ومشاريع سياسية وامنية؟

"... تعلمنا خلال تجربتنا المريرة وصراعنا التاريخي مع العدو الاسرائيلي، ان نكون حذرين دائما من هذا العدو الذي امتهن الغدر والاجرام، والذي اعتاد ان يتعرض للبنان من دون اي مبرر، وان يختلق اعذاراً واسباباً غير مقنعة لاعتداءته المتكررة ..." هذا ما اكدته مصادر مقربة من "حزب الله" لـ"النهار"، مشيرة الى ان "حزب الله" ومنذ حرب تموز 2006، و"التي ادت الى قهر الجيش الذي لا يقهر، بدأ يحضر لمواجهة محتملة مع العدو. ففيما انصرفت قيادة الجيش الصهيوني الى مناقشة اسباب هزيمتها في الحرب، وتبادل الاتهامات، كانت قيادة الحزب تحتفل بالنصر الالهي وتعمل على الاستفادة من تجارب هذه الحرب وتلافي بعض الثغر التي حصلت خلالها".

توقعات وحذر واستعداد

واشارت المصادر "عينها الى ان "حزب الله" يتوقع هجوماً اسرائيلياً على لبنان في اي لحظة، وهناك من يحدد موعداً لهذا الهجوم. لذا فان "حزب الله" كما اكد امينه العام السيد حسن نصرالله بات جاهزاً للمواجهة، وانه بالمرصاد لاي عدوان على لبنان. فالحزب واصل دوراته العسكرية لكوادره في لبنان وايران، حتى انه تمكن من اعداد حوالى 50 الف مقاتل استشهادي، تم توزيعهم على الثغور والمواقع والتلال والوديان، كما اعلن الحزب التعبئة الشاملة وتمكن من انشاء فصائل وسرايا رديفة تتمركز في الخطوط الخلفية، وتلقى آلاف الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات والبعيدة المدى وصواريخ شاطئ – بحر... ووضعت قيادة الحزب سيناريوات عدة للمواجهات المحتملة مع العدو، تتضمن مواجهة عمليات الانزال، والابرار، والتسلل، والدخول البري".

ونقلت اوساط اعلامية متابعة عن مصدر عسكري آخر قريب جداً من "حزب الله" ان "الحزب درس مفاهيم العقيدة الإسرائيلية الحديثة وفصائلها ورأى ان "الحرب المقبلة مدمرة للطرفين معاً، بحيث لا يبقى التدمير متوقفا على طرف واحد، وأن الجبهة الداخلية للعدو، ستكون محط تركيز الصواريخ القريبة والبعيدة على حد سواء، وأن مهمة سلاح الجو، والذي يعتبر الركيزة الاساسية للقوات الإسرائيلية، ستكون أمام تهديد واقعي، وكذلك بالنسبة الى سلاحي البر والبحر، وعليه فإن أي قرار حرب تتخذه إسرائيل سيكون في مثابة انتحار".

ويستطرد المصدر أن "إسرائيل كانت تعتمد في حروبها على مبادئ عدة أهمها:

1 - نقل المعركة إلى أرض العدو.

2 - التفوق الجوي.

3 - تحصين الجبهة الداخلية.

اما بالنسبة إلى نقل المعركة، والذي ينطلق من مفهوم الحرب الخاطفة، ويعتمد على اندفاع القوات البرية، وفق محاور يتمثل فيها الجهد الرئيسي والجهد الثانوي، بحيث تركز القوات على المحور الذي ينهار، للتوغل عميقاً في أرض العدو، والقيام بالتفاف على القوات المعادية وعزل منطقة العمليات وإخضاع الخصم، فان جغرافية أرض جنوب لبنان واستحواذ "حزب الله" على الوسائل القتالية الحديثة واستخدامها في شكل فعال. (مثل الصواريخ الموجهة التي دمرت أسطورة دبابة "ميركافا" من الجيل الأخير)، والعبوات التي فاجأت وأذهلت الإسرائيلي في حرب تموز 2006، جعلت من هذه المناورات والمفهوم المعتمد لدى العدو مكلفة في الأرواح والعتاد، وبالتالي فإن إسرائيل لا تتحمل نتائج نقل المعركة كما تشتهي.

وبالنسبة الى التفوق الجوي، فإن "حزب الله"، حسب المزاعم الإسرائيلية، أصبح يملك المنظومة اللازمة لردع سلاح الجو الإسرائيلي، ولو على ارتفاع عال، وهذا ما سيحد من عربدة هذا السلاح في سماء لبنان".

ويضيف المصدر: "وأخيراً، وفي ما يتعلق بالجبهة الداخلية، فإن "حزب الله"، طوّر قدرته الصاروخية من ناحية الفاعلية والتدمير والقدرة على إصابة الأهداف بدقة، واليوم يستطيع إطلاق مئات الصواريخ دفعة واحدة والى أهداف عدة في العمق الإسرائيلي، من دون أن تكون للعدو القدرة على ردعها أو الحد منها".

ويتابع المصدر العسكري، مشيرا الى ان "إدارة العمليات الميدانية على مستوى حرب العصابات التي يتبعها "حزب الله"، تعتمد على التعليمات والتنسيقات المسبقة، بحيث يتم تقسيم مناطق الحرب قطاعات صغرى، تديرها قيادات ميدانية لها صلاحيات محددة لا تحتاج إلى السيطرة عليها من قيادات عليا، وتستطيع العمل وقيادة العمليات باستقلال تام عن مركز القيادة الرئيسي إذا تقطعت أوصالها لأي سبب من الأسباب، وأن اللوجستية المطلوبة لهذه المناطق من حيث الذخائر والمؤن، تم استحداثها بما يتناسب مع المهمة".

ويقدّر أنه "أنفق أكثر من 800 مليون دولار لإنشاء البنية التحتية العسكرية في الجنوب والبقاع، استعداداً للحرب المفتوحة المفترضة، وأن هذه الاستعدادات تتطور منهجيا وفي صورة متواصلة وفق التهديدات المحتملة، وأنها تواجه الذهنية الإسرائيلية القتالية الجديدة".

ويتابع المصدر: "ان اول ما يقوم به العدو الإسرائيلي، هو ضرب مقار القيادة والسيطرة، لفصل وتعطيل عامل التوجيه عن مناطق المقاومة والقوات الميدانية. ولهذا السبب، اوجد "حزب الله"، آلية متطورة عن حرب تموز 2006، رغم أنه حافظ أثناء هذه الحرب على تواصل دائم مع قواته الميدانية، تعذر على العدو شلها في حينها. ولم يكتف الحزب بمنظومته القديمة، بل ذهب أبعد من ذلك، من خلال تطوير اتصالاته السلكية والمشفّرة، وأصبحت كل مراكز القيادة سرية، وأوجد بدائل لها في كل المناطق اللبنانية، مستفيدا من عامل التخفي في عمليات التردد إليها، وهذه الأماكن مجهزة بكل الوسائل التقنية واللوجستية لإدارة المعركة".

يضيف المصدر العسكري، إن "من أهم العبر، التي استخلصت في حرب تموز 2006، ان العدو استطاع أن يقوم بانزالات مجوقلة عدة، أبرزها انزال بعلبك، لإرباك الحزب وخطف مدنيين. لذا قام "حزب الله" بتحديد نقاط التهديد المحتملة لضرب هذه الإنزالات الجوية والبحرية، لان من شأن استهداف هذا العمل أن يؤدي إلى هزيمة فورية، وأن قيادات العدو لا تتقبل خسائر من هذا النوع، وخصوصا أن الحزب جهز نفسه لأسر أكبر عدد ممكن من مجموعات النخبة هذه، سواء كانوا من وحدة "سيرت متكأل" او "الشييطت 13" البحرية أو غيرهما، كأفضلية أولا، عوضاً عن استخدام نيران الإبادة إذا سنحت الظروف".

ويشير الى ان "من أهم التكتيكات المتبعة من "حزب الله" ضد الجيوش الضاربة والغازية، أن يسمح لها بدخول الأرض وتمدد قواتها في شكل خطي لامتصاصها والتماس معها على مجنبات التقدم، وعندها يبدأ الضرب بأسلوب تقطيع الأفعى، اي الجيش المهاجم، مع ملاحظة عدم إعطاء الأرض للعدو في شكل عمودي عميق، لمنعه من الاستفادة من استخدام هذا الخط، وتحويله لجهد رئيسي يستطيع من خلاله الالتفاف على منطقة العمليات وعزلها وإخضاع المقاومين فيها، وهذا من شأنه أن يمد في أمد الحرب من دون السماح للعدو بتحقيق نتائج جوهرية.

كما أن "حزب الله" أعد العدة من خلال وحداته القتالية ودراسة القرائن والشواهد الميدانية والالكترونية وتحليلها للوقوف على نتائجها اليومية وعلى مدار الساعة، وأنه يكرس أوقات أفراده ضمن التدريب والخدمة والإجازة وفي شكل دوري للبقاء على أهبة الاستعداد لمجابهة العدو، وكأن الحرب واقعة غداً".

شرارة: الحرب واردة جدا

امين العلاقات الخارجية في مجلس النواب بلال شرارة يعتبر "... ان الحرب الاسرائيلية الثانية ضد لبنان واردة جداً، وما هي الا الحرب الثانية المكملة لحرب تموز 2006 التي لم يستطع ان يحقق فيها العدو مخططاته. والعدو يحاول ايجاد المبررات كعادته للحرب، من تصريحات مسؤوليه المتواصلة حول امتلاك "حزب الله" حوالى 40 الف صاروخ، الى استمرار تدفق السلاح من سوريا الى لبنان، الى ادعاءاته بأن هناك خرقا للقرار 1701. ووفق وجهة نظر ايهود باراك فان كل ذلك ايضاً يشكل تهديداً لوجود القوات الدولية ، ولاحظنا ان باراك بدأ منذ مدة يصعد من كلامه ويعمد الى التهديد بقوله في تصريح له في منتصف ايلول الماضي: "... لا انصح جيراننا بامتحاننا، فنحن الدولة الاقوى في المنطقة".

وتابع: "ان المناورات العسكرية الاسرائيلية التي تجرى قرب الحدود اللبنانية والحدود السورية بقيادة رئيس الاركان شخصياً، تحمل في طياتها رسائل تهديد للبنان وسوريا ومؤشرات الى حرب مقبلة تقوم اسرائيل بالتحضير لها".

ويؤكد شرارة ان الحرب المحتملة تشكل محاولة اسرائيلية لفصل لبنان جغرافياً عن سوريا، ومنع النفوذ السوري داخل لبنان، "ورغم ان الاسرائيليين قادرون على إلحاق الدمار بلبنان من خلال قصفهم الجوي والبري، الا انهم متى نزلوا على الارض فانهم حتماً سيتعرضون للابادة، وتجربة حرب تموز لا تزال واضحة لهم قبل ان تكون واضحة لنا".

ويشير شرارة الى وجود اعتقاد في اسرائيل بأن الذي فشل في حرب تموز الماضية "هي الحكومة لا الجيش، لذا فاذا كانت الازمة السياسية في اسرائيل تساهم في تأخير الحرب، الا انها تظل شكلية ولن تلغي قرار الحرب المتخذ ضد لبنان".

سويد: احتمال ان تبادر اسرائيل بعيد جدا

من جهته يعتبر اللواء الركن المتقاعد الدكتور ياسين سويد: "انه ربما تشن اسرائيل حرباً على لبنان انتقاماً لهزيمتها في حرب تموز الا ان احتمال ان تبادر اسرائيل الى شن هذا الحرب بعيد جداً، فاذا ارادت اسرائيل اجتياح الجنوب اللبناني لتدمير مواقع "حزب الله" المنتشرة على جانبي الليطاني وقصف مواقع الحزب في الضاحية والبقاع، فهي تحتاج الى موافقة اميركية تمكنها من اجتياح مناطق تتمركز فيها قوات اليونيفيل، رغم انه من المؤكد ان هذه القوات ستنسحب تلقائياً في حال قامت اسرائيل بهجومها. والظروف الدولية الحالية، بالاضافة الى قرب انتهاء ولاية الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، لن تتيح لاسرائيل ولا لأميركا سلوك هذا السبيل".

وبرأي اللواء سويد ان رد "حزب الله" على اسرائيل في حال حصول الحرب "سيكون قاسياً وعنيفاً، مما لا يمكن اسرائيل ان تتحمله، في حين انها لا تزال تعالج جراح حرب تموز. ورغم ان اسرائيل قادرة على ايقاع الضرر بلبنان، وما فيه من مدن وقرى وبلدات، الا ان الشعب اللبناني قادر على التحمل، وخصوصاً اذا كانت اسرائيل هي المعتدية وليس "حزب الله"، فيما ان الشعب الاسرائيلي وخصوصاً في شمال فلسطين المحتلة، لن يكون قادراً على ذلك، وهو الذي ذاق ويلات حرب تموز عام 2006 ".

ويضيف سويد: "ان فتح سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية قنوات المفاوضات للسلام مع اسرائيل، اضافة الى فتح حركة "حماس" قنوات التهدئة معها سيرغمان اسرائيل على ان تأخذ ذلك في الاعتبار كي تستمر هذه المفاوضات، وخصوصاً ان عامل الوقت يعمل لمصلحتها، وهي التي تتحكم في نتائج هذه المفاوضات".

واستبعد سويد ان يقوم "حزب الله" بالمبادرة ويقصف اسرائيل من دون مبرر مباشر، لانه ورغم "النصر الالهي" الذي حققه الحزب في حرب تموز لا يزال اللبنانيون يعانون مما تكبدوه من خسائر بالارواح والدمار الذي تعرض له لبنان من جراء هذه الحرب. لذلك فهم لن يكونوا مستعدين للترحيب بأي حرب تبدأها المقاومة ضد اسرائيل بلا مبرر. ورغم ان السيد حسن نصرالله اعلن في خطاب له منذ فترة انه سيدمر اسرائيل ان هي اعتدت على لبنان، وذلك حق لا يجادل فيه، الا ان السيد نصرالله يعلم انه وحزبه لا يعيشان في صحراء منعزلة بحيث يتحملان لوحدهما اي ضرر يقع من جراء الحرب مع اسرائيل، وهذا الامر يختلف عندما يكون هو البادئ بهذه الحرب، ولبنان لا يملك مقومات القتال مع عدو يملك كل انواع الاسلحة البرية والبحرية والجوية، بينما لا يمتلك لبنان سلاحاً فعالاً ولا برياً ولا بحرياً ولا جوياً سوى سلاح المقاومة. ثم ان لبنان يمر في مرحلة بناء لمختلف انشاءاته التي دمرتها حرب تموز فلا يصح ان تدمر هذه الانشاءات من جديد، وخصوصاً ان لبنان والمقاومة لا يملكان المظلة (العسكرية) التي تحمي هذه الانشاءات. ولا يمكن ان تقوم المقاومة بشن حرب على اسرائيل في مطلع عهد جديد يامل اللبنانيون منه كل خير، وهو ما لن تسعى المقاومة الى تخريبه وافساده، وهذا امر منطقي ومعقول، وليس ادل على ذلك من المصالحات التي تحققت بين المكونات اللبنانية المختلفة في الشمال والبقاع والجبل والجنوب...".

تعليقات: