لماذا لم يتبع الجميل كلامه بسحب وزيره من حكومة تتبنى خيار المقاومة؟

امين الجميل
امين الجميل


»حزب الله« يواجه »المتحاملين«: إذا اخترتم الاستسلام فاعلنوه!

ليس من محاسن الصدف ابداً، ان تتزامن التهديدات الاسرائيلية بتدمير لبنان، مع خطاب داخلي سيادي تحريضي ضد المقاومة وسلاحها. فهذه المصادفة ـ المفروض أنها غير مقصودة وبريئة حتى يثبت العكس ـ تحشر اصحاب هذا الخطاب في موقع دفاعي مُطالـَب بتوضيحات مقنعة حول توقيت الهجوم على »حزب الله« وموجباته في هذه الفترة، وفي اجواء استقرار سياسي، وفي زمن حوار هادئ وصريح حول الاستراتيجية الدفاعية؟

ومن سوء الصدف هنا، وعطفاً على ما سبق، تسريب تقرير الاستخبارات الاسرائيلية الاخير، الذي يوصي »بأن تدعم إسرائيل المعسكر المعتدل في لبنان قبيل الانتخابات النيابية، وأن تعمل بلا ضجيج على تعزيز الردع ضد حزب الله«. ليس المثير مضمون التقرير والتوصيات التي تضمنها فقط، بل المثير اكثر هو »نشر« هذا التقرير، وكأن المطلوب من ذلك، كما يقول مرجع سياسي، توجيه رسائل حول مناخات التفكير في إسرائيل تجاه كل من سوريا وإيران و»حزب الله« و١٤ اذار. والواضح في ما خص التوصية المتصلة بلبنان، انها تنطوي على محاولة توريط بعض الداخل اللبناني، لتلقف الرسالة الاسرائيلية والقيام بمجازفات ومغامرات... ولأن التجربة السابقة، جرّت ما جرّت من ويلات ونكبات، يرفض المرجع المذكور القول بوجود احتمال تجاوب داخلي ولو بالحد الأدنى، مع الكلام الاسرائيلي. الا ان المحيّر في رأيه، هو الصمت الرسمي اللبناني وصمت السياديين المعتدلين حيالها؟!

والأكيد في هذا السياق، كما يقول مطلعون، ان هجوم امين الجميل الأخير على المقاومة لم يكن محل ترحيب في اوساط المقاومة وحلفائها، بل انه خضع لتدقيق مطوّل، خلص الى سلبيات، والى تسجيل »مأخذ« على الجميل لقيامه بـ»هجوم ناقص« على »حزب الله«. فمن ناحية يهجم بعنف على الحزب وسلاحه، بينما هو في الواقع يشترك مع الحزب الذي يشكو منه رئيس الكتائب في حكومة واحدة نالت الثقة على اساس بيان وزاري يؤكد حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته بتحرير الأرض المحتلة. فلكي يكون الهجوم مكتملاً، كان يفترض ان تليه مبادرة الجميّل فوراً الى سحب وزيره من حكومة تؤيد حق مقاومة الاحتلال بشتى الوسائل وأولها السلاح... فمع هذه المبادرة فقط ينسجم القول مع الفعل!

بموازاة هذه التهديدات الاسرائيلية، والحملة الداخلية، ما هو موقف المقاومة؟

الواضح، وكما يقول مطلعون على أجوائها، أن المقاومة، ومهما كانت نبرة الهجوم ضدها عالية، لا تقف عند التفاصيل الداخلية بذات مستوى الاهتمام الذي تعيره لكل ما يصدر من خلف الحدود الجنوبية، فأصل المشكلة يكمن هناك. التهديدات المتعاظمة، وتصريحات إيهود باراك المتكررة عن ان »حزب الله« ضاعف قوته ٣ مرات، وتلويحه بضربة شديدة للحزب في لبنان، وصولاً الى تقرير الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، فإن كل ذلك يؤكد ما تقوله المقاومة بأن لبنان ما زال في دائرة الخطر.

ويقول المطلعون، إن المقاومة تأخذ التهديدات الاسرائيلية بمنتهى الجدية والجهوزية، وقد تكون التهديدات الحالية في جانب منها تلبي متطلبات التنافس الانتخابي في إسرائيل على باب الانتخابات هناك، ولكن هذا لا يلغي انها على المدى الاستراتيجي جدية، عملياً المقاومة تضع امامها الخيار الأسوأ، وتتصرّف على اساسه.

ومن هنا فإن المقاومة ترى، والكلام للمطلعين على أجوائها، ان من الضروري جدا ان تؤخذ لبنانياً على محمل الجد، وعدم تجاوزها. فلبنان ازاءها امام خيارين اساسيين، فإما الاستسلام لهذه التهديدات والخضوع لها، وإما مواجهتها. وأما المواجهة ، فإنها تقتضي توظيف كل قدرات الشعب اللبناني والجيش اللبناني والدولة اللبنانية من اجل الدفاع عن الارض والمواطن... والسيادة. وهذا يؤكد الحاجة الماسة والملحة للإبقاء على الحد الأعلى من جهوزية المقاومة، وجهوزبة سلاح المقاومة، الذي تعرف كل الدنيا، وفي الطليعة العدو الاسرائيلي، انه يشكل عنصر الردع الاساسي في مواجهة أي عدوان. ومن هنا تصبح المطالبة بنزع سلاح المقاومة، وكأنها دعوة الى الاستسلام... والأكيد في هذا الامر ان المقاومة لا تستسلم. ومن هنا ايضاً يصبح الطرف الداعي الى نزع السلاح مطالباً بأن يختار ما بين مواجهة العدو وحماية البلد، وبين إعلان الاستسلام له، وليعلن الخيار علناً.

وبحسب هؤلاء المطلعين، فإن المقاومة واثقة اكثر من أي وقت مضى، من قدرتها على مواجهة أي عدوان بشكل لم يسبق ان شهد تاريخ المواجهة مع العدو الاسرائيلي مثيلاً له، وهذا الأمر يفترض بالدولة اللبنانية وعلى مستوياتها كافة ان تأخذه بعين الاعتبار، وبالتالي تستند اليه في رفع سقف موقفها السياسي والوطني ضد الاحتلال وتهديداته.

إلى أي مدى يمكن أن تصل اليه هذه التهديدات؟

يقول مرجع سياسي، بصرف النظر عن كل ما يقال في هذه الآونة، ليس في الإمكان تجاوز كل ما يصدر من قبل العدو، ولكن »الجماعة« الآن، عندهم انتخابات ويزايدون على بعضهم البعض فيها، و»حزب الله« يشكل بالنسبة اليهم مادة انتخابية اساسية. عملياً التهديدات محصورة حالياً بالإطار الانتخابي الاسرائيلي، وبالتالي فإن واقع الحال الاسرائيلي القائم لا يسمح لاسرائيل بان تأخذ قراراً بالحرب، ذلك أن قرار الحرب يتطلب وجود حكومة قادرة على ان تمسك الوضع الداخلي في حال نشوبها، وحاليا لا توجد حكومة حقيقية، كما ان الوضع الانتقالي في الإدارة الاميركية، لا يسمح لاسرائيل بأن تأخذ قرار حرب في هذه الفترة، ومعروف أن اسرائيل تاريخياً لا تستطيع ان تخوض حرباً من دون تغطية اميركية بالسياسة ومدها بالذخيرة والتسليح المطلوب.

تعليقات: